ورقة أوباما الأخيرة

14/09/2011 1
محمد العنقري

شهد يوم الخميس الماضي حدثاً بارزاً ومهماً في أمريكا، حيث طرح الرئيس الأمريكي أوباما ما يعد أهم وآخر أوراقه الاقتصادية قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية بأربعة عشر شهراً بطرحه لخطة انعاش كبيرة تهدف إلى فتح فرص وظيفية في الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من بطالة تقدر نسبتها عند 9.1 بالمائة.. وبلغة الأرقام فإن هناك 14 مليون أمريكي عاطل عن العمل أسهمت الأزمة المالية الأخيرة بإضافة ثمانية ملايين عاطل.

والخطة التي قدرت تكاليفها عند 447 مليار دولار أمريكي توزعت بشكل متجانس لا يغطي جوانب اقتصادية، بل تميل إلى الفكر والأيدلوجيا السياسية التي تسيطر على الحزبين الرئيسين بأمريكا فقد اشتملت على خفض للضرائب يطال شريحة العمال والموظفين، وكذلك رصد مبلغ 123 مليار دولار لتشييد وترميم بنى تحتية وكذلك دعم لميزانيات بعض الولايات.

الخطة حملت مفاجآت من حيث الحجم حيث كانت الشائعات تروج لمبالغ سترصد لها عند 300 مليار دولار فجاءت الخطة بزيادة تقارب 50 بالمائة، ويبدو أن الهدف هو أن تأتي الأرقام بصدمة إيجابية للاقتصاد ولأسواق المال كونها أتت بما يفوق التوقعات والمفاجأة الأخرى بطريقة توزيعها التي ستجبر الجمهوريين على قبولها حتى لو حدث بعض التعديل عليها فإنها بالمجمل ستكون ملائمة لفكرهم الذي يريد خفضاً للضرائب وتدخلا أقل للحكومة في إدارة دفة الاقتصاد فنصف مبالغ الخطة هي خفض ضرائب

لكن الخطة لم تفلح بأن يصل صدى صوتها وأثر صدمتها المتوقعة لأسواق المال، بل انخفضت الأسواق بشكل حاد في يوم الجمعة الماضي، وكأن سحر هذه الورقة الاقتصادية الأخيرة في عهد أوباما من حيث التوجه والحجم لا أثر له، فلقد تعاطت الأسواق مع الحدث الأوروبي المتعلق بوقوع اليونان في فخ عدم القدرة على سداد التزاماتها؛ وبمعنى أدق إفلاسها بشكل بات قريباً واعتبرته النقطة المفصلية في اتجاهات الاقتصاد العالمي لأن أوروبا وتحديداً منطقة اليورو ستتأثر بما سيحدث باليونان وسينتقل هذا الأثر السلبي على الاقتصاد العالمي ولأن منطقة اليورو مرتبطة بحجم كبير باقتصاد أمريكا فإن المستثمرين بالأسواق العالمية باتوا ينظرون للسلبيات التي قد تترتب على إفلاس اليونان إذا حدث بعين أوسع وبمخاوف أكبر من أي إجراء أمريكي.. ولعل أزمة أوروبا سواء باليونان أو بإيطاليا وغيرها ممن قد يلحقون بهما أصبحت هي من يحرك أسواق أمريكا. ففي أول يوم تداول بالسوق الأمريكي افتتح على انخفاض حاد إلى أن أتت الأخبار بأن الصين تنوي شراء سندات إيطاليا إذ عاد السوق الأمريكي ليقفل مرتفعاً ماسحاً كل خسائره مما يعطي إشارة واضحة إلى مصدر التأثير بحركة الأسواق.

ومخاوف العالم من أوروبا كبيرة ليس فقط للتبعات الاقتصادية الأليمة، بل لأن الأوروبيين إلى الآن لم يظهروا قدرة كافية على احتواء الأزمة لديهم.. ففي كل يوم نسمع أخباراً متناقضة حول حلول مقترحة لها وكذلك معارضة من ألمانيا تحديداً لأي محفزات أو إجراءات جديدة تلزمها بضخ سيولة أكبر في صندوق الاستقرار المالي الأوروبي وبنفس الوقت تظهر أصوات لديهم تقول بأن مصير ألمانيا وفرنسا أن ترضخ بالنهاية للعب دور أكبر في حل الأزمة؛ أي أن عليها زيادة حصصها بصندوق الإنقاذ ورفع حجمه أيضاً وإلا فإن منطقة اليورو مهددة بالتفكك في أسوأ سيناريوهات الأزمة، بل إن البعض بات يرى بإخراج اليونان من تحت مظلة اليورو هو الحل، وكل هذا التردد يأتي بهدف عدم التزام الدول الكبرى بأيّ مبالغ إضافية لحل الأزمة.

إن ما عكسته الأسواق المالية بردة فعلها اتجاه إجراءات أوباما وأزمة أوروبا تعكس تماماً حالة من الضعف بدأت تنتاب حكومات أكبر منطقتين اقتصاديتين بالعالم، ومن الواضح أن دوراً مستقلاً ومنفرداً من أي منطقة لم يعد مجدياً، بل يجب أن يكون الحل متكاملاً خصوصا أن الأزمة التي خرجت من أمريكا لم تكن أوروبا إلا شريكاً كبيراً فيها كونها أكبر المتأثرين فلابد من أن تكون الحلول مشتركة ومتفقة على موطن المشكلة وطرق الحل؛ فلو قامت أوروبا بإعادة تقدير حجم صندوقها للاستقرار المالي ووضع خطة جماعية لمواجهة أي تداعيات قد تصيب قطاعها المالي بعد خطاب أوباما لكان الوضع مختلفاً، بل جاءت ردات الفعل الأوروبية معاكسة تماماً لما طرحه أوباما، ولعل تقرير اللجنة المستقلة المنوط بها قراءة احتياجات واقع سوق المصارف البريطانية أتى ليؤكد أن على أوروبا فعلاً الدخول بعمق في وضع مصارفها وإن كان بحيثيات مختلفة لكن التحرك الأوروبي مهم كي لا تقع أزمة مالية كبرى جديدة وهو ما طالبت به رئيسة صندوق النقد الدولي بإعادة رسملة البنوك الأوروبية وتعزيز قوتها المالية استعداداً لتداعيات أزمة ديون أوروبا السيادية فيما لوتفاقمت وانتشرت بشكل أوسع.