تقرير مركز الجُمان للاستشارات الاقتصادية عن سوق الكويت للأوراق المالية

02/08/2009 1
مركز الجُمان

تراجع المتوسط اليومي للتداول في سوق الكويت للأوراق المالية بمعدل 49% خلال يوليو الماضي بالمقارنة مع الشهر الذي سبقه ( يونيو ) ليصل إلى 85.4 مليون د.ك مقابل 167.6 مليون د.ك ، ويرجع ذلك إلى حالة الترقب خلال يوليو الماضي على ضوء تأخر إعلان بيانات النصف الأول من العام الجاري ، بالإضافة إلى انحسار الأخبار والشائعات حول شركة "زين" بما يتعلق ببيع جزء أو كل عملياتها الأفريقية ، والتي عززت التداول بشكل ملحوظ خلال شهر يونيو الماضي ، كما ساهم توقف صنّاع السوق عن القيام بالعمليات الآجلة – جراء القواعد الجديدة المنظمة لها – في  تخفيض معدلات التداول اليومي ، إلا أننا نرى ضعف الثقة بالبورصة هو السبب الرئيسي لتراجع النشاط بشكل عام ، والذي يرجع إلى حالة الإحباط والإشمئزاز التي يعيشها المتداولون من توالي الأخبار والمعطيات السلبية المتعلقة بالشركات المدرجة من حيث سوء الإدارة والفساد وتداعياتها المالية والقانونية ، إضافة إلى الجو الاقتصادي العام المفعم بعدم الوضوح والتردد وعدم الجدية في الإصلاح والتنمية .

وقد صاحب الإنخفاض في التداول تراجع مؤشري الأسعار ، حيث انخفض الوزني بمعدل 2.6% ، في مقابل خسارة السعري بمعدل أكبر بلغ 5.0% ، وذلك خلال يوليو الماضي ، وقد أدى ذلك إلى تناقض في أداء المؤشرين منذ بداية العام ، حيث كان أداء الوزني موجباً بمعدل 7% ، في مقابل أداء سلبي للسعري بمعدل 1.3% ، ويكمن تفسير ذلك التناقض إلى الحالة السائدة لضعف الثقة ، والتي تقضي بالتمسك بالأسهم الكبيرة الموثوقة إلى حدٍ ما ، والتي يعكس أداءها المؤشر الوزني بشكل أفضل ، وبالمقابل ، التخلص من الأسهم الصغيرة ، مما أثر سلباً على المؤشر السعري ، حيث أنه يعكس حركة أسعارها بشكل أكبر .

تصريح وزير التجارة

نشرت الصحف المحلية بتاريخ 9 و10 يوليو الماضي تصريحاً لوزير التجارة والصناعة السيد / أحمد الهارون بأن التداولات في اللحظات الأخيرة في البورصة حقيقية وسليمة وقانونية … إلخ ، لا شك بأننا نتفق مع سعادة الوزير ، لكن من الناحية الشكلية والسطحية فقط ، أما من الناحية الجوهرية والواقعية فإن كلامه غير صحيح إطلاقاً .

فمن الناحية الشكلية والسطحية التي استند عليها الوزير ، فإن تداولات اللحظات الأخيرة صحيحة كونها تمت فعلاً بين بائع ومشتر ، وخلال الفترة القانونية للتداول ، وتم تحويل الأسهم للمشتر والنقد للبائع في الغالب ، ولكن ليس في كل الحالات ، أما من الناحية الجوهرية والواقعية ، فإن البائع والمشتر قد يكونان طرفاً واحداً ، ولكن بأسماء وحسابات مختلفة ، كما كشفت الفضائح الأخيرة حول موضوع التسويات أن بعض المتداولين المتلاعبين يبيعون وليس لديهم أسهم ، كما يشترون وليس لديهم أرصدة نقدية ، ويتم تغطية ذلك التلاعب بما يسمى بالتسويات ، والتي افتضح أمرها خلال يونيو الماضي ، وذلك بفضل اختلاف ما بين أفراد العصابات التي تقوم بتلك العمليات ، وليس لكفاءة ورقابة إدارة السوق ، وذلك كما تعرضت له الصحف بشكل مكثف خلال يونيو الماضي ، ناهيك عن تقريرنا المنشور بتاريخ 01/07/2009 .

وحتى نكون منصفين وواقعيين، فإنه يصعب التمييز ما بين العمليات الصورية والحقيقية في اللحظات الأخيرة رغم كون ذلك أمر غير مستحيلاً ، ولمواجهة الصعوبة النسبية في هذا الموضوع  ، كنا قد اقترحنا مراراً وتكراراً أن يتم احتساب مؤشرات السوق على أساس متوسط سعر تداول الأسهم لكل يوم ، وليس على أساس أسعار إقفالها ، والذي من شأنه قياس أداء السوق بشكل سليم وبعيد عن المبالغة والتلاعب ، ناهيك عن احباط ذلك لجهود المتلاعبين في اللحظات الأخيرة حيث لن تؤثر عملياتهم بشكل ملموس على أداء المؤشر في نهاية المطاف ، من جانب آخر ، فإن تفشي الاقفالات الوهمية يؤدي إلى تكوين فجوات سعرية واسعة من الناحية الفنية ، مما يرجح حدوث تصحيح عنيف من وقت لآخر ، وربما يكون مبالغاً به لسد تلك الفجوات ، وقد يتبع التصحيح العنيف الناجم عن الفجوات السعرية ارتباك وهلع ، والذي غالباً يفضي إلى إنهيار غير مبرر في كثير من الحالات ، وبعبارة أخرى ، فإن السكوت على الاقفالات الوهمية التي يفتعلها البعض مدعاة لكارثة يتحملها الجميع !

وقد أصبح سوق الكويت للأرواق المالية أضحوكة ومجالاً للسخرية من جانب المتابعين والمراقبين له من خارج الكويت ناهيك من داخلها ، وذلك من خلال متابعة أداؤه اليومي في الدقيقة الأخيرة ، حيث ينقلب المؤشر السعري من حال إلى حال ، ويظهر ذلك على الملأ من خلال الانترنت والقنوات الفضائية ، والذي من شأنه القضاء على ما تبقى من احترام لبورصة الكويت ، والتي هي أقدم البورصات الخليجية والثانية من حيث القيمة الرأسمالية ، مما يترتب عليه فقدان الثقة بها وهو المشاهد حالياً ، والذي أدى إلى تدهورها بشكل ملحوظ ، ناهيك عن قرار العديد من الشركات غير الكويتية الانسحاب منها .

ويجدر بوزير التجارة أن ينتبه إلى محاولة استخدامه أداة للتغطية على سوء الإدارة في سوق الكويت للأوراق المالية ، بالإضافة إلى تضليله من جانب المتلاعبين والفاسدين من المتداولين بالبورصة ، وذلك من خلال  استدراجه للإدلاء بتصريحات منبعها حسن النية من جانب الوزير ، لكنها تخدم أطرافاً مشبوهة ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، فإن منصب وزير التجارة كرئيس للجنة سوق الكويت للأوراق المالية هو شكلي أو شرفي وليس حقيقي في واقع الأمر ، وذلك بالنظر إلى الأمور الدقيقة والكثيرة والحساسة اليومية المتعلقة بالبورصة ، والتي يصعب الإلمام بها في ضوء مشاغل الوزير في أمور وزراته ، والتي تحتاج هي الأخرى إلى الكثير من الاهتمام والتركيز ، ناهيك عن الواجبات الرسمية من حضور لمجلس الوزراء ومجلس الأمة ومراسم الاستقبال والتوديع وافتتاح المعارض والمؤتمرات وقص الأشرطة … إلخ ، كما يجدر بوزير التجارة الدفع بقوة نحو إخراج قانون لهيئة سوق المال إلى حيز الوجود الذي طال انتظاره لفترة طويلة جداً ، وذلك بالشكل والمضمون المطلوبين ، وليس مشروع القانون المتداول حالياً ، والذي يكرّس الوضع الخاطئ والفاسد حالياً ، والمتمثل في عدم استقلالية سوق المال ، بالإضافة إلى ضعفه الشديد من النواحي التنظيمية والرقابية ، ناهيك عن العقوبات الضعيفة للمتجاوزين إن لم نقل انعدامها .

الأخبار الكاذبة

لا يخفى على أحد موضوع شبهة تورط أحد المسؤولين عن أحد الشركات الاستثمارية الكويتية بالتلاعب في سوق المال الأمريكي وتداعيات ذلك ، وما يهمنا في هذا الموضوع هو الأثر الخطير للأخبار الكاذبة ، والتي تؤدي إلى خسائر هائلة غير مبررة في مقابل إثراء فاحش وسريع لمن يقف وراء ترويج الأخبار الكاذبة .

وتزخر وسائل الإعلام بالأخبار الكاذبة يومياً بما يتعلق بالشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية ، ويخسر الكثير ويثرى الكثير دون حسيب أو رقيب ، والأدهى والأمّر من ذلك ، أن الموقع الرسمي الالكتروني لسوق الكويت للأوراق المالية يُستخدم منصة لإطلاق الأخبار الكاذبة من جانب بعض الشركات المدرجة ، وذلك بإعلان صفقات وهمية ومشاريع مفبركة وعمليات مشبوهة ، ناهيك عن ما تحفل به معظم الصحف اليومية من مجهود متقن ومنظم لبث الإشاعات المغرضة والتسريبات المتعمدة ، وذلك في مقابل إجراءات هزيلة من جانب إدارة السوق في طلب نفي أو تأكيد بعض الأخبار المنشورة بشكل مزاجي وإنتقائي .

وقد نبهنا في العديد من المناسبات إلى خطورة الأخبار الكاذبة التي يتم ترويجها للكسب غير المشروع على حساب الغير ، ونتمنى أن تحرك القضية الخاصة بالشركة الكويتية بما يتعلق بالسوق الأمريكي الوضع محلياً لمتابعة الأخبار الكاذبة ومحاسبة مروجيها ومحترفيها الكُثر بما يتعلق بالسوق الكويتي ، كما نبدي استعدادنا – نحن مركز الجُمان للاستشارات الاقتصادية – لتقديم الأخبار الكاذبة إلى سوق الكويت للأوراق المالية ، وهي كثيرة للغاية منذ العام 2002 حتى الآن ، وذلك مجاناً إذا ما توفرت الجدية وصدقت النوايا من جانب سوق الكويت للأوراق المالية في محاسبة المتورطين بتلك الأخبار ، والتي كبدت المتداولين مليارات الدنانير وأضعفت الثقة بشكل كبير في سوق الكويت للأوراق المالية ، مما أصبح من أكثر الأسواق تخلفاً في المنطقة ، والذي زعزع الثقة بالاقتصاد الوطني ككل جراء المشاكل المرتبطة بسوء التنظيم والرقابة ، والذي جعل بورصة الكويت – وللأسف الشديد – مدرسة لتخريج المتلاعبين والفاسدين الذين لم يكتفوا بالسوق المحلي فحسب ، بل تجاوزوه إلى الأسواق الإقليمية والعالمية أيضاً .

كفى دجل وهرطقة !

لا زالت بعض الشركات المتورطة في سوء الإدارة والفساد تصدر تقاريراً اقتصادية ونصائح وتوصيات وتحليلات بما يتعلق بأسواق المال وغيرها ، وقد كانت تقارير تلك الشركات تحظى بالاهتمام وربما الاحترام من جانب البعض ، وذلك قبل أن تنكشف حقيقة تلك الشركات ، ونظراً لحالة الفلتان السائدة في التنظيم والرقابة من الجهات الرسمية المعنية ، فلا زالت تلك الشركات المشبوهة تقوم بالنصح والإرشاد وكأن شيئاً لم يكن ، إلى درجة أن أحد الشركات المتعثرة التي انكشفت على ديون هائلة وعجزت عن سدادها أصدرت تقريراً مؤخراً تنصح البنوك بأهمية اتخاذ الإجراءات المناسبة لاحتمال تعرضها أو إنكشافها لمخاطر متغيرات السوق ، في حين أن تلك الشركة الناصحة وغيرها هي من أسباب تعرض بعض البنوك لمخاطر الإئتمان الناجمة عن تعثرها وعجزها عن السداد ، كما أن شركة أخرى متورطة في عمليات تلاعب وتزوير ومُقام عليها دعاوى قانونية بالجملة ، منها التزوير وخيانة الأمانة والنصب والاحتيال ، وهي حديث المدينة حالياً ، لا زالت تستخدم شعارها الذي يطالب الجميع بالثقة بإدارتها ، وذلك استكمالاً لمسلسل الدجل والهرطقة التي تمارسه عدد من الشركات التي خانت الأمانة وبددت أموال المساهمين ، والتي يصدق عليها المثل "إن لم تستح فاصنع ما شئت" .

وربما ينفي الاستغراب من سلوك تلك الشركات البيئة الفاسدة التي يعيشها الوسط الاقتصادي بإعتبار النصب والاحتيال شطارة ومن الأمور المقبولة والمتعارف عليها ، بينما السير بالطريق المستقيم هو ذروة الإنحراف والتخلف عن مجاراة الواقع ، والذي تأصل برعاية وعناية من جانب بعض الجهات الرسمية المعنية ، بالإضافة إلى السكوت المخيف من جانب مؤسسات المجتمع المدني على الوضع المقلوب .

خطوة إيجابية … ولكن !

قامت الهيئة العامة للاستثمار – وهي الصندوق السيادي لدولة الكويت – ببيع حصتها في بنك بوبيان والبالغة نحو 20% من رأسماله بتاريخ 22/07/2009 ، وذلك من خلال إجراءات واضحة وشفافة ، ولا شك بأن الصفقة كانت إيجابية للطرفين البائع والشاري ، حيث تخلصت الهيئة العامة للإستثمار من أصل بربح ممتاز خاصة في ظل الظروف السلبية السائدة ، بينما عزز البنك الوطني حصته الرئيسية في بنك بوبيان من خلال فوزه بشراء شريحتين من ثلاث شرائح معروضة بالمزاد ،  وذلك تميهداً للسيطرة عليه ، ومن ثم العمل على إطلاقه من جديد وفق رؤية واستراتيجية واضحة بعيدة المدى تؤدي إلى تكامل عمليات البنك الوطني المصرفية ما بين التقليدية والإسلامية ، سواء على المستوى الإقليمي والعالمي بالإضافة إلى المحلي .

وقد أثارت هذه العملية مصير الحصص الأخرى التي تملكها الهيئة العامة للاستثمار في العديد من الشركات المدرجة البالغ قيمتها 2.5 مليار د.ك ، والتي تشكل 7 % من إجمالي القيمة الرأسمالية لسوق الكويت للأوراق المالية ، هذا بالنسبة للملكيات المعلنة وبشكل مباشر فقط ، حيث لا يستبعد أن تمتلك الهيئة حصصاً أخرى في الشركات المدرجة ، ولكن بشكل غير مباشر وبما يقل عن 5% من رأس مال الشركات المعنية .

وقد أعلنت الهيئة العامة للاستثمار خطة استراتيجية منذ بضع سنوات ، وذلك بُعيد استلام عضوها المنتدب السيد / بدر السعد مهامه فيها ، وذلك لبيع الحصص التي تسيطر عليها في الشركات المدرجة ، وذلك استكمالاً لبرنامج بيع حصصها الذي استمر لعدة سنوات حتى توقف في العام 1998 ، وذلك إثر الانخفاض الحاد في البورصة وقتها ، وقد كان موقف العضو المنتدب لهيئة الاستثمار إيجابياً للغاية من حيث طرحه لبيع حصص الدولة في الشركات المدرجة بشكل علني وشفاف ومن خلال جدول زمني واضح ، وقد تعرضت هيئة الاستثمار لانتقادات مركزة وحادة جراء إعلانها لاستئناف بيع حصصها ، وقد كان المحرّك لتلك الانتقادات أصحاب المصالح الخاصة الذين يرون أن استئناف بيع الحصص يؤثر سلباً على سيطرتهم على عدة شركات ومنها عملاقة بنسب منخفضة ، وذلك اعتماداً على اعتبار أن الدولة هي مستثمر صامت ، أي أن متفرج في غالب الحالات ، حيث أنه لا يتدخل في القرارات الاستراتيجية والمصيرية للشركات التي تستثمر بها الدولة خاصة المدرجة منها ، وقد رضخت – فيما يبدو – الهيئة العامة للاستثمار للأسف الشديد وبسرعة لضغوط المتنفذين الذين يرتكزون على ملكية الدولة في الشركات لتصريف مصالحهم الخاصة .

من جهة أخرى ، فإن الشبهات بدأت تحوم بقوة حول خضوع الهيئة العامة للاستثمار لضغوط البعض لتوجيه بعض استثماراتها بما يخدم مصالحهم ، ولو بشكل غير مباشر ، خاصة في الدول العربية وألمانيا وروسيا تحديداً ، ورغم عدم توفر أدلة قطعية حول هذا الموضوع والتي ليس من السهل الحصول عليها من جانبنا على الأقل ، إلا أننا نتمنى أن تكون تلك الشبهات جرس إنذار صارخ لدرء الشبهات من خلال استثمار أموال الأجيال القادمة للمصلحة العامة قولاً وعملاً ، واعتماداً على المعايير الاقتصادية البحتة لتكون أساساً لعملياتها ، وليس للترضيات وبما يتماشى مع مصالح ضيقة للبعض ، وذلك بشكل مباشر أو غير مباشر ، وسواء بشكل متعمد أو عفوي من جانب الهيئة العامة للاستثمار .