تراجع المتوسط اليومي للتداول في سوق الكويت للأوراق المالية بمعدل 49% خلال يوليو الماضي بالمقارنة مع الشهر الذي سبقه ( يونيو ) ليصل إلى 85.4 مليون د.ك مقابل 167.6 مليون د.ك ، ويرجع ذلك إلى حالة الترقب خلال يوليو الماضي على ضوء تأخر إعلان بيانات النصف الأول من العام الجاري ، بالإضافة إلى انحسار الأخبار والشائعات حول شركة "زين" بما يتعلق ببيع جزء أو كل عملياتها الأفريقية ، والتي عززت التداول بشكل ملحوظ خلال شهر يونيو الماضي ، كما ساهم توقف صنّاع السوق عن القيام بالعمليات الآجلة – جراء القواعد الجديدة المنظمة لها – في تخفيض معدلات التداول اليومي ، إلا أننا نرى ضعف الثقة بالبورصة هو السبب الرئيسي لتراجع النشاط بشكل عام ، والذي يرجع إلى حالة الإحباط والإشمئزاز التي يعيشها المتداولون من توالي الأخبار والمعطيات السلبية المتعلقة بالشركات المدرجة من حيث سوء الإدارة والفساد وتداعياتها المالية والقانونية ، إضافة إلى الجو الاقتصادي العام المفعم بعدم الوضوح والتردد وعدم الجدية في الإصلاح والتنمية .
وقد صاحب الإنخفاض في التداول تراجع مؤشري الأسعار ، حيث انخفض الوزني بمعدل 2.6% ، في مقابل خسارة السعري بمعدل أكبر بلغ 5.0% ، وذلك خلال يوليو الماضي ، وقد أدى ذلك إلى تناقض في أداء المؤشرين منذ بداية العام ، حيث كان أداء الوزني موجباً بمعدل 7% ، في مقابل أداء سلبي للسعري بمعدل 1.3% ، ويكمن تفسير ذلك التناقض إلى الحالة السائدة لضعف الثقة ، والتي تقضي بالتمسك بالأسهم الكبيرة الموثوقة إلى حدٍ ما ، والتي يعكس أداءها المؤشر الوزني بشكل أفضل ، وبالمقابل ، التخلص من الأسهم الصغيرة ، مما أثر سلباً على المؤشر السعري ، حيث أنه يعكس حركة أسعارها بشكل أكبر .
تصريح وزير التجارة
نشرت الصحف المحلية بتاريخ 9 و10 يوليو الماضي تصريحاً لوزير التجارة والصناعة السيد / أحمد الهارون بأن التداولات في اللحظات الأخيرة في البورصة حقيقية وسليمة وقانونية … إلخ ، لا شك بأننا نتفق مع سعادة الوزير ، لكن من الناحية الشكلية والسطحية فقط ، أما من الناحية الجوهرية والواقعية فإن كلامه غير صحيح إطلاقاً .
فمن الناحية الشكلية والسطحية التي استند عليها الوزير ، فإن تداولات اللحظات الأخيرة صحيحة كونها تمت فعلاً بين بائع ومشتر ، وخلال الفترة القانونية للتداول ، وتم تحويل الأسهم للمشتر والنقد للبائع في الغالب ، ولكن ليس في كل الحالات ، أما من الناحية الجوهرية والواقعية ، فإن البائع والمشتر قد يكونان طرفاً واحداً ، ولكن بأسماء وحسابات مختلفة ، كما كشفت الفضائح الأخيرة حول موضوع التسويات أن بعض المتداولين المتلاعبين يبيعون وليس لديهم أسهم ، كما يشترون وليس لديهم أرصدة نقدية ، ويتم تغطية ذلك التلاعب بما يسمى بالتسويات ، والتي افتضح أمرها خلال يونيو الماضي ، وذلك بفضل اختلاف ما بين أفراد العصابات التي تقوم بتلك العمليات ، وليس لكفاءة ورقابة إدارة السوق ، وذلك كما تعرضت له الصحف بشكل مكثف خلال يونيو الماضي ، ناهيك عن تقريرنا المنشور بتاريخ 01/07/2009 .
وحتى نكون منصفين وواقعيين، فإنه يصعب التمييز ما بين العمليات الصورية والحقيقية في اللحظات الأخيرة رغم كون ذلك أمر غير مستحيلاً ، ولمواجهة الصعوبة النسبية في هذا الموضوع ، كنا قد اقترحنا مراراً وتكراراً أن يتم احتساب مؤشرات السوق على أساس متوسط سعر تداول الأسهم لكل يوم ، وليس على أساس أسعار إقفالها ، والذي من شأنه قياس أداء السوق بشكل سليم وبعيد عن المبالغة والتلاعب ، ناهيك عن احباط ذلك لجهود المتلاعبين في اللحظات الأخيرة حيث لن تؤثر عملياتهم بشكل ملموس على أداء المؤشر في نهاية المطاف ، من جانب آخر ، فإن تفشي الاقفالات الوهمية يؤدي إلى تكوين فجوات سعرية واسعة من الناحية الفنية ، مما يرجح حدوث تصحيح عنيف من وقت لآخر ، وربما يكون مبالغاً به لسد تلك الفجوات ، وقد يتبع التصحيح العنيف الناجم عن الفجوات السعرية ارتباك وهلع ، والذي غالباً يفضي إلى إنهيار غير مبرر في كثير من الحالات ، وبعبارة أخرى ، فإن السكوت على الاقفالات الوهمية التي يفتعلها البعض مدعاة لكارثة يتحملها الجميع !
وقد أصبح سوق الكويت للأرواق المالية أضحوكة ومجالاً للسخرية من جانب المتابعين والمراقبين له من خارج الكويت ناهيك من داخلها ، وذلك من خلال متابعة أداؤه اليومي في الدقيقة الأخيرة ، حيث ينقلب المؤشر السعري من حال إلى حال ، ويظهر ذلك على الملأ من خلال الانترنت والقنوات الفضائية ، والذي من شأنه القضاء على ما تبقى من احترام لبورصة الكويت ، والتي هي أقدم البورصات الخليجية والثانية من حيث القيمة الرأسمالية ، مما يترتب عليه فقدان الثقة بها وهو المشاهد حالياً ، والذي أدى إلى تدهورها بشكل ملحوظ ، ناهيك عن قرار العديد من الشركات غير الكويتية الانسحاب منها .
ويجدر بوزير التجارة أن ينتبه إلى محاولة استخدامه أداة للتغطية على سوء الإدارة في سوق الكويت للأوراق المالية ، بالإضافة إلى تضليله من جانب المتلاعبين والفاسدين من المتداولين بالبورصة ، وذلك من خلال استدراجه للإدلاء بتصريحات منبعها حسن النية من جانب الوزير ، لكنها تخدم أطرافاً مشبوهة ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، فإن منصب وزير التجارة كرئيس للجنة سوق الكويت للأوراق المالية هو شكلي أو شرفي وليس حقيقي في واقع الأمر ، وذلك بالنظر إلى الأمور الدقيقة والكثيرة والحساسة اليومية المتعلقة بالبورصة ، والتي يصعب الإلمام بها في ضوء مشاغل الوزير في أمور وزراته ، والتي تحتاج هي الأخرى إلى الكثير من الاهتمام والتركيز ، ناهيك عن الواجبات الرسمية من حضور لمجلس الوزراء ومجلس الأمة ومراسم الاستقبال والتوديع وافتتاح المعارض والمؤتمرات وقص الأشرطة … إلخ ، كما يجدر بوزير التجارة الدفع بقوة نحو إخراج قانون لهيئة سوق المال إلى حيز الوجود الذي طال انتظاره لفترة طويلة جداً ، وذلك بالشكل والمضمون المطلوبين ، وليس مشروع القانون المتداول حالياً ، والذي يكرّس الوضع الخاطئ والفاسد حالياً ، والمتمثل في عدم استقلالية سوق المال ، بالإضافة إلى ضعفه الشديد من النواحي التنظيمية والرقابية ، ناهيك عن العقوبات الضعيفة للمتجاوزين إن لم نقل انعدامها .
الأخبار الكاذبة
لا يخفى على أحد موضوع شبهة تورط أحد المسؤولين عن أحد الشركات الاستثمارية الكويتية بالتلاعب في سوق المال الأمريكي وتداعيات ذلك ، وما يهمنا في هذا الموضوع هو الأثر الخطير للأخبار الكاذبة ، والتي تؤدي إلى خسائر هائلة غير مبررة في مقابل إثراء فاحش وسريع لمن يقف وراء ترويج الأخبار الكاذبة .
وتزخر وسائل الإعلام بالأخبار الكاذبة يومياً بما يتعلق بالشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية ، ويخسر الكثير ويثرى الكثير دون حسيب أو رقيب ، والأدهى والأمّر من ذلك ، أن الموقع الرسمي الالكتروني لسوق الكويت للأوراق المالية يُستخدم منصة لإطلاق الأخبار الكاذبة من جانب بعض الشركات المدرجة ، وذلك بإعلان صفقات وهمية ومشاريع مفبركة وعمليات مشبوهة ، ناهيك عن ما تحفل به معظم الصحف اليومية من مجهود متقن ومنظم لبث الإشاعات المغرضة والتسريبات المتعمدة ، وذلك في مقابل إجراءات هزيلة من جانب إدارة السوق في طلب نفي أو تأكيد بعض الأخبار المنشورة بشكل مزاجي وإنتقائي .
وقد نبهنا في العديد من المناسبات إلى خطورة الأخبار الكاذبة التي يتم ترويجها للكسب غير المشروع على حساب الغير ، ونتمنى أن تحرك القضية الخاصة بالشركة الكويتية بما يتعلق بالسوق الأمريكي الوضع محلياً لمتابعة الأخبار الكاذبة ومحاسبة مروجيها ومحترفيها الكُثر بما يتعلق بالسوق الكويتي ، كما نبدي استعدادنا – نحن مركز الجُمان للاستشارات الاقتصادية – لتقديم الأخبار الكاذبة إلى سوق الكويت للأوراق المالية ، وهي كثيرة للغاية منذ العام 2002 حتى الآن ، وذلك مجاناً إذا ما توفرت الجدية وصدقت النوايا من جانب سوق الكويت للأوراق المالية في محاسبة المتورطين بتلك الأخبار ، والتي كبدت المتداولين مليارات الدنانير وأضعفت الثقة بشكل كبير في سوق الكويت للأوراق المالية ، مما أصبح من أكثر الأسواق تخلفاً في المنطقة ، والذي زعزع الثقة بالاقتصاد الوطني ككل جراء المشاكل المرتبطة بسوء التنظيم والرقابة ، والذي جعل بورصة الكويت – وللأسف الشديد – مدرسة لتخريج المتلاعبين والفاسدين الذين لم يكتفوا بالسوق المحلي فحسب ، بل تجاوزوه إلى الأسواق الإقليمية والعالمية أيضاً .
كفى دجل وهرطقة !
لا زالت بعض الشركات المتورطة في سوء الإدارة والفساد تصدر تقاريراً اقتصادية ونصائح وتوصيات وتحليلات بما يتعلق بأسواق المال وغيرها ، وقد كانت تقارير تلك الشركات تحظى بالاهتمام وربما الاحترام من جانب البعض ، وذلك قبل أن تنكشف حقيقة تلك الشركات ، ونظراً لحالة الفلتان السائدة في التنظيم والرقابة من الجهات الرسمية المعنية ، فلا زالت تلك الشركات المشبوهة تقوم بالنصح والإرشاد وكأن شيئاً لم يكن ، إلى درجة أن أحد الشركات المتعثرة التي انكشفت على ديون هائلة وعجزت عن سدادها أصدرت تقريراً مؤخراً تنصح البنوك بأهمية اتخاذ الإجراءات المناسبة لاحتمال تعرضها أو إنكشافها لمخاطر متغيرات السوق ، في حين أن تلك الشركة الناصحة وغيرها هي من أسباب تعرض بعض البنوك لمخاطر الإئتمان الناجمة عن تعثرها وعجزها عن السداد ، كما أن شركة أخرى متورطة في عمليات تلاعب وتزوير ومُقام عليها دعاوى قانونية بالجملة ، منها التزوير وخيانة الأمانة والنصب والاحتيال ، وهي حديث المدينة حالياً ، لا زالت تستخدم شعارها الذي يطالب الجميع بالثقة بإدارتها ، وذلك استكمالاً لمسلسل الدجل والهرطقة التي تمارسه عدد من الشركات التي خانت الأمانة وبددت أموال المساهمين ، والتي يصدق عليها المثل "إن لم تستح فاصنع ما شئت" .
وربما ينفي الاستغراب من سلوك تلك الشركات البيئة الفاسدة التي يعيشها الوسط الاقتصادي بإعتبار النصب والاحتيال شطارة ومن الأمور المقبولة والمتعارف عليها ، بينما السير بالطريق المستقيم هو ذروة الإنحراف والتخلف عن مجاراة الواقع ، والذي تأصل برعاية وعناية من جانب بعض الجهات الرسمية المعنية ، بالإضافة إلى السكوت المخيف من جانب مؤسسات المجتمع المدني على الوضع المقلوب .
خطوة إيجابية … ولكن !
قامت الهيئة العامة للاستثمار – وهي الصندوق السيادي لدولة الكويت – ببيع حصتها في بنك بوبيان والبالغة نحو 20% من رأسماله بتاريخ 22/07/2009 ، وذلك من خلال إجراءات واضحة وشفافة ، ولا شك بأن الصفقة كانت إيجابية للطرفين البائع والشاري ، حيث تخلصت الهيئة العامة للإستثمار من أصل بربح ممتاز خاصة في ظل الظروف السلبية السائدة ، بينما عزز البنك الوطني حصته الرئيسية في بنك بوبيان من خلال فوزه بشراء شريحتين من ثلاث شرائح معروضة بالمزاد ، وذلك تميهداً للسيطرة عليه ، ومن ثم العمل على إطلاقه من جديد وفق رؤية واستراتيجية واضحة بعيدة المدى تؤدي إلى تكامل عمليات البنك الوطني المصرفية ما بين التقليدية والإسلامية ، سواء على المستوى الإقليمي والعالمي بالإضافة إلى المحلي .
وقد أثارت هذه العملية مصير الحصص الأخرى التي تملكها الهيئة العامة للاستثمار في العديد من الشركات المدرجة البالغ قيمتها 2.5 مليار د.ك ، والتي تشكل 7 % من إجمالي القيمة الرأسمالية لسوق الكويت للأوراق المالية ، هذا بالنسبة للملكيات المعلنة وبشكل مباشر فقط ، حيث لا يستبعد أن تمتلك الهيئة حصصاً أخرى في الشركات المدرجة ، ولكن بشكل غير مباشر وبما يقل عن 5% من رأس مال الشركات المعنية .
وقد أعلنت الهيئة العامة للاستثمار خطة استراتيجية منذ بضع سنوات ، وذلك بُعيد استلام عضوها المنتدب السيد / بدر السعد مهامه فيها ، وذلك لبيع الحصص التي تسيطر عليها في الشركات المدرجة ، وذلك استكمالاً لبرنامج بيع حصصها الذي استمر لعدة سنوات حتى توقف في العام 1998 ، وذلك إثر الانخفاض الحاد في البورصة وقتها ، وقد كان موقف العضو المنتدب لهيئة الاستثمار إيجابياً للغاية من حيث طرحه لبيع حصص الدولة في الشركات المدرجة بشكل علني وشفاف ومن خلال جدول زمني واضح ، وقد تعرضت هيئة الاستثمار لانتقادات مركزة وحادة جراء إعلانها لاستئناف بيع حصصها ، وقد كان المحرّك لتلك الانتقادات أصحاب المصالح الخاصة الذين يرون أن استئناف بيع الحصص يؤثر سلباً على سيطرتهم على عدة شركات ومنها عملاقة بنسب منخفضة ، وذلك اعتماداً على اعتبار أن الدولة هي مستثمر صامت ، أي أن متفرج في غالب الحالات ، حيث أنه لا يتدخل في القرارات الاستراتيجية والمصيرية للشركات التي تستثمر بها الدولة خاصة المدرجة منها ، وقد رضخت – فيما يبدو – الهيئة العامة للاستثمار للأسف الشديد وبسرعة لضغوط المتنفذين الذين يرتكزون على ملكية الدولة في الشركات لتصريف مصالحهم الخاصة .
من جهة أخرى ، فإن الشبهات بدأت تحوم بقوة حول خضوع الهيئة العامة للاستثمار لضغوط البعض لتوجيه بعض استثماراتها بما يخدم مصالحهم ، ولو بشكل غير مباشر ، خاصة في الدول العربية وألمانيا وروسيا تحديداً ، ورغم عدم توفر أدلة قطعية حول هذا الموضوع والتي ليس من السهل الحصول عليها من جانبنا على الأقل ، إلا أننا نتمنى أن تكون تلك الشبهات جرس إنذار صارخ لدرء الشبهات من خلال استثمار أموال الأجيال القادمة للمصلحة العامة قولاً وعملاً ، واعتماداً على المعايير الاقتصادية البحتة لتكون أساساً لعملياتها ، وليس للترضيات وبما يتماشى مع مصالح ضيقة للبعض ، وذلك بشكل مباشر أو غير مباشر ، وسواء بشكل متعمد أو عفوي من جانب الهيئة العامة للاستثمار .
مقال جميل لدي اضافة بسيطة اعتقد ان نظام الضرائب على توزيعات الارباح الجديد الذي طبق على مواطني دول المجلس التعاون هذا العام ايضا ساهم في قلة جاذبية الاستثمار في سوق الكويت للاوراق المالية نحياتي