تصور، عزيز القارئ، لو اشتريت سهما بريال واحد ثم بعته بعد فترة وجيزة بـ 37 ريالا، هذا يعني أنك لو استثمرت عشرة آلاف ريال في هذه الشركة فإنه بعد فترة وجيزة يصبح هذا المبلغ 370 ألف ريال! تصور لو اشتريت سهما بـ 20 ريالا ثم بعته فيما بعد بـ 140 ريالا! تصور لو اشتريت سهما بعشرة ريالات وبعته بـ 70 ريالا. هذا ما حصل فعلا لأسهم شركات النفط العاملة في حقل "باكان" في ولاية داكوتا الشمالية، حيث ارتفعت أسهم هذه الشركات بشكل هائل، في الوقت الذي كان الكساد الاقتصادي يضرب أطنابه في كل مكان. (الأول لشركة بريجيم، والثاني لشركة وايتنينج والثالث لشركة كونتيننتال).
وكان قد تبين في المقالات الماضية أن الولايات المتحدة تشهد ثورة "غازية" بسبب زيادة الإنتاج والاحتياطيات بشكل هائل، في الوقت الذي انخفضت فيه أسعار الغاز بشكل كبير. ونتيجة لاستخدام التكنولوجيا نفسها فإن الولايات المتحدة تشهد ثورة نفطية ستلقي بظلالها على أسواق النفط العالمية، وستغير خريطة العالم النفطية. وقبل الخوض في التفاصيل لا بد من تذكير القارئ الكريم بأن الولايات المتحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، حيث كانت تنتج في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات أكثر مما تنتجه السعودية اليوم، وتعد من أكبر خمسة منتجين للنفط في العالم حالياً. كما أن النفط مملوك ملكية خاصة، وأن الحكومة الأمريكية لا تملك إلا النفط الموجود في المياه العميقة في الجرف القاري لخليج المكسيك، وبعض المناطق التي تملكها الحكومة مثل الغابات والمحميات وبعض مناطق ألاسكا.
ارتفاع إنتاج النفط الأمريكي
كما هي الحال بالنسبة للغاز، فإن إنتاج النفط الأمريكي كان ينخفض باستمرار، وكان يتوقع له الاستمرار بالانخفاض. إلا أن التكنولوجيا الجديدة مكنت الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم من فتح مكامن نفطية لم يكن لأحد يتوقع الإنتاج فيها، وأفضل مثال على ذلك حقل باكان في ولاية نورث داكوتا، التي أصبحت تنافس ولايات نفطية أخرى مثل تكساس ولويزيانا وأوكلاهوما.
وتشير بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن إنتاج النفط الأمريكي وصل إلى ذروته في نهاية عام 1970 عندما أنتجت الولايات المتحدة نحو عشرة ملايين برميل يوميا. ورغم الانخفاض المستمر في الإنتاج، إلا أن هذا الإنتاج شهد صعودا ملحوظا بعد افتتاح خط أنابيب ألاسكا عام 1977، الذي لم يكن ممكنا لولا ارتفاع أسعار النفط في تلك الفترة. ولما انهارت أسعار النفط في عام 1986، خسرت الولايات المتحدة جزءا كبيرا من إنتاجها بعد إغلاق آلاف الآبار الحدية (وهي الآبار التي تنتج عشرة براميل يوميا أو أقل). وتسارع الانخفاض عندما انهارت أسعار النفط مرة أخرى في 1998 وبداية 1999. واستقر الإنتاج عند مستوى خمسة ملايين برميل يوميا بعد إعصاري كاترينا وريتا بين عامي 2005 و2008.
ورغم أزمة الائتمان في الولايات المتحدة في عام 2008 ثم الكساد الذي تلاها إلا أن إنتاج النفط بدأ في الزيادة منذ ذلك الوقت بشكل ملحوظ. فقد ارتفع الإنتاج منذ بداية أزمة الائتمان في أيلول (سبتمبر) 2008 وحتى الآن بنحو 1.6 مليون برميل يوميا. وحتى نفهم معنى هذا الرقم علينا أن نتذكر أن إنتاج ليبيا كله قبل الثورة بلغ نحو 1.6 مليون برميل يوميا. هذا يعني أن الزيادة في الإنتاج الأمريكي تساوي الإنتاج الليبي كله! وإذا نظرنا إلى التوقعات نجد أن هناك إجماعا على أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط سيزيد خلال السنوات المقبلة، إلا أن هناك خلافا على مقدار هذه الزيادة، لكن المرجح أن إنتاج الولايات المتحدة سيزيد بين 1.5 و2.5 برميل يوميا خلال السنوات الخمس المقبلة فوق المستويات الحالية.
مصادر الزيادة في الإنتاج
أغلبية الزيادة جاءت من ولاية داكوتا الشمالية من حقل باكان، حيث ارتفع الإنتاج من 100 ألف برميل يوميا في بداية عام 2006 إلى أكثر من 370 ألف برميل يوميا حالياً، ويتوقع أن يتجاوز الإنتاج مستوى المليون برميل يوميا خلال السنوات القليلة القادمة. وفي الوقت الذي ارتفع فيه إنتاج حقل باكان بسبب التقدم التكنولوجي في استخراج النفط من صخور السجيل، أسهم ارتفاع أسعار النفط في رفع إنتاج كل من تكساس (بنحو 170 ألف برميل منذ بداية 2006)، وخليج المكسيك (بمقدار 400 ألف برميل يوميا) رغم الآثار السلبية المترتبة على انفجار بئر ماكاندو التابع لشركة النفط البريطانية وشركاها. وشهدت ولايات أخرى زيادة طفيفة في الإنتاج مثل كولورادو ويوتا، ووايومينج. لكن هذه الزيادة الطفيفة تعد مهمة إذا قورنت بتوقعات الأعوام السابقة التي قالت بانخفاض الإنتاج. وإذا أضفنا إنتاج السوائل الغازية الناتجة عن ثورة الغاز، نجد أن إنتاج السوائل النفطية في الولايات المتحدة زاد بشكل أكبر مما ذُكر أعلاه حيث ارتفع إنتاج السوائل الغازية بأكثر من 300 ألف برميل يوميا في السنوات الثلاث الأخيرة، ويتوقع لها زيادة مستمرة خلال السنوات المقبلة.
نتائج زيادة إنتاج النفط الأمريكي
من أهم نتائج زيادة إنتاج النفط والسوائل الغازية في الولايات المتحدة انخفاض واردات النفط وانخفاض اعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد. هذا الانخفاض مهم لأنه يخالف الاتجاه التاريخي لصافي الواردات الذي استمر في الارتفاع لمدة 24 عاما بين عامي 1982 و2004. لكن صافي الواردات بدأ بالانخفاض منذ عام 2005 مع ارتفاع أسعار النفط، ثم انخفض بشكل كبير في أثناء فترة الكساد الاقتصادي في عامي 2008 و2009. لكن أحدّ انخفاض له حصل في الشهور الأخيرة بسبب زيادة إنتاج النفط الأمريكي من جهة، وارتفاع أسعار النفط من جهة أخرى. في ظل هذه التغيرات لا بد من تذكير من يصرون على تخفيض إنتاج النفط في دول "أوبك" بأن انخفاض الطلب أمر حقيقي وخطير، وأن مستقبل النفط مرهون بالطلب عليه وليس بمقدار احتياطاته.
وكان من أهم النتائج أيضا انخفاض أسعار خام غرب تكساس مقارنة بالنفوط الأخرى. فقد وصل الفرق بين سعر خام برنت وسعر خام غرب تكساس أكثر من 20 دولارا في الفترات الأخيرة، على الرغم من أن الفارق تاريخياً كان لمصلحة خام غرب تكساس بدولار أو دولارين. بعبارة أخرى، زيادة إنتاج النفط الأمريكي (وزيادة الواردات من كندا) أسهمت في تخفيض فاتورة الطاقة الأمريكية عن طريق انخفاض الأسعار وانخفاض الواردات. هذه التغيرات الهيكلية تعد ثورة بحد ذاتها. والأهم من ذلك كله أن كل هذه التغيرات في قطاعي النفط والغاز لم تكن نتيجة التدخل الحكومي، لكن نتيجة الحرية الاقتصادية التي مكنت المبدعين من تطوير التكنولوجيا وزيادة إنتاج النفط والغاز، وجني مليارات الدولارات، لهم ولحاملي أسهم شركاتهم. أما بالنسبة للمستقبل، فإن ثورتي النفط والغاز في الولايات المتحدة ستستمران في تغيير أوضاع أسواق النفط والغاز العالمية، وأكبر خطر يهدد هاتين الصناعتين هو التدخل الحكومي.
المهم في هذه الاكتشافات هو حجم الاحتياطي وليس كمية الانتاج فربما قد تستمر هذه الكميات لعدة سنوات بعدها تنتهي وينخفض الانتاج بشدة كما ارتفع بشدة وهذا يفسر ارتفاع الاسهم المذكورة فلو رجعت إلى الوراء لوجدت أن أسعارها تاريخيا كانت تقريبا مقاربة او نصف اسعارها الحالية ولم ترتفع الى هذه الاسعار الى بعد انخفاضها الى اسعار سحيقة وبالتالي الاستثمار بهذه الشركات يعتبر مقامرة صرفة بغض النظر عن اهمية نشاطها. شكرا على المقال الجميل