حديد الاتفاق

25/06/2011 3
د. قصي الخنيزي

إعادة هيكلة المديونية هي عملية تتم بين الدائنين والشركات المدينة التي تواجه صعوبات في التدفق النقدي أو التي تمر بصعوبات مالية نتيجة لأزمة ما قد تكون خارجة عن السيطرة أو داخلية، حيث تهدف إلى العمل على تقليل المديونية أو التفاوض بشأنها من أجل تحسين مستويات السيولة لحين العودة إلى تحسين العمليات والإنتاج. وغالباً ما تتضمن عمليات إعادة الهيكلة تخفيض المديونية وتمديد أو تحسين فترات السداد للشركة المدينة، على الرغم من أن التكاليف الأساسية لهذه العملية تتضمن التفاوض مع أطراف مختلفة منها الموردون والزبائن والدائنون، بجانب الوقت الذي يصرف للقيام بالعملية ككل والتأثيرات التي قد تطول التصنيف الائتماني للشركات المصنفة من قبل شركت التقييم الائتماني. إذن، فعملية إعادة هيكلة الديون هي عبارة عن إعادة النظر في الاتفاقيات المبرمة بشأن الديون مع عدد من الأطراف، وقد يمثل الدائنين أو ''يقودهم'' أحد البنوك مثلاً بعد التوافق عليه من البقية، علماً بأن بعض الشركات تقوم بإعادة هيكلة الديون بالتراضي مع المقرضين بهدف الاستفادة من انخفاض أسعار الفائدة.

وقد طالعنا ''جوال الاقتصادية'' بسبق صحافي مساء الثلاثاء الماضي 21/6/2011 بخبر عن ''توقيع أضخم اتفاقية إعادة هيكلة مديونية في المنطقة، وذلك لمصلحة مجموعة الطويرقي بواقع 7.5 مليار ريال في تكتل مصرفي قاده البنك العربي الوطني وشارك فيه نحو 18 بنكا سعوديا وأجنبيا''. فما الذي حدث؟ وما قصة إعادة هيكلة ديون مجموعة الطويرقي التي وصفت في الخبر بأنها أضخم اتفاقية إعادة هيكلة؟

بداية، وكما يوضح موقعهم على الإنترنت، فإن مجموعة الطويرقي هي شركة قابضة تأسست عام 1977، وانطلقت مجموعة الشركات في بداياتها من أنشطة المقاولات والتجارة العامة بجانب شركات تصنيع الصلب. وقد شهدت المجموعة نمواً متسارعاً وقوياً، حيث أصبحت أكبر مؤسسة لتصنيع الصلب مملوكة للقطاع الخاص على مستوى الشرق الأوسط قبل الأزمة المالية العالمية عام 2008. وتأتي تحت مظلة المجموعة 11 شركة، وكانت أولى هذه الشركات التي تنضوي تحت مظلة المجموعة هي شركة الاتفاق للصناعات الحديدية التي يعود تاريخ امتلاكها لعام 1990، وهي من أشهرها وتعد محور الحدث في عملية إعادة الهيكلة.

وبالعودة إلى بدايات مؤشرات الأزمة، فإن من أبرزها من وجهة نظري تصريح خالد الطويرقي، نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة الطويرقي ''حديد الاتفاق'' السعودية التي تعد ثاني أكبر منتج للحديد المحلي في المملكة لصحيفة ''الوطن'' السعودية يوم الأحد 28/12/2008 ''.. إن الشركة مضطرة لتسريح 1800 موظف بعد 90 يوما، حال استمرار قرار حظر تصدير الحديد، وأن الشركة اضطرّت إلى اتخاذ إجراءات عاجلة ومؤقتة بمنح أكثر من 80 في المائة من موظفيها السعوديين البالغ عددهم 2145 إجازات استثنائية غير مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر، تبدأ من الخميس المقبل الذي يوافق مطلع عام 2009''. هذا التصريح الذي أتى في عين عاصفة الأزمة المالية العالمية يشير بلا شك إلى أن حديد الاتفاق أو المجموعة المالكة كانت تواجه أزمة سيولة واختلالا في إدارة التدفقات النقدية التي تعود بالدرجة الأولى للأزمة المالية العالمية وتداعياتها التي تضمنت تذبذب أسعار السلع الأولية وانخفاضها الكبير والسريع بعد أن كانت التوقعات الكلية للسوق تركز على الصين والهند والبرازيل وشرههم الدائم للسلع الأولية. إلا أن بروز الأزمة المالية العالمية والتوقعات بتباطؤ نمو الاقتصاديات الغربية والاقتصاد الأمريكي على وجه الخصوص أدى إلى أن تتأثر التوقعات المستقبلية لنمو الطلب على السلع النهائية، ومن ثم انخفاض أسعار السلع الأولية المستخدمة في إنتاجها بحدة بعد انفجار فقاعة أسعار العقار في الولايات المتحدة.

ومن نافلة القول، فإن اللاعبين الأساسيين في سوق الحديد في المملكة هم شركة حديد التابعة لسابك، حديد الاتفاق، وحديد الراجحي، بجانب لاعبين أصغر. وقد كان حديد الاتفاق إلى حين هبوب عاصفة الأزمة المالية العالمية هو المهيمن على السوق من ضمن شركات القطاع الخاص مدفوعاً بعدة عوامل مهمة وجوهرية تنبع من نموذج العمل المتبع، الذي يعد نموذجا متكاملا من ناحية الإنتاج والتصنيع الأمامي والمتراجع دون الخوض في التفاصيل العلمية لعملية تصنيع الحديد المسلح والتعامل مع مدخلات الإنتاج من حديد خام ومكرر (سكراب).

فإذا كان نموذج عمل ''حديد الاتفاق'' متميزاً ويتمتع بكفاءة إنتاجية تتفوق على شركة حديد التابعة لـ''سابك'' والمنافسين تبعاً لواقع السوق حينئذ، فأين وقعت المشكلة؟ يبدو أن مشكلة حديد الاتفاق الأساسية هي في إدارة المخزون إنتاجياً وتخزيناً وإدارته مالياً والتنسيق بينهما، أي توظيف منتجات التحوط اللازمة للسلع الأولية خصوصاً في أوقات تقلبات الأسعار! بمعنى آخر، أن تدير مخزوناً من مدخلات الإنتاج هو أمر، وأن تحافظ على قيمته هو أمر آخر، أي أن عملية التنسيق بين المالية والإنتاج يجب أن تكون متناسقة ومتناغمة بطريقة تضمن تقليل المخاطر المالية والإنتاجية وغيرهما. ففي أوقات تذبذب أسعار السلع ومدخلات أو مخرجات الإنتاج، يجب أن تكون هناك متابعة وتحوط على مدار الساعة بهدف تقليل المخاطر والحفاظ على صحة التدفقات النقدية. والجيد في الأمر هنا لحديد الاتفاق ولمعظم المصنعين هو بزوغ نجم السلع الأولية مرة أخرى وارتفاع أسعارها، أي أن المؤشرات تدل على أن أصعب الأوقات أمام مصانع الحديد قد عدت.

وقد تضمن اتفاق إعادة الهيكلة دمج جميع التسهيلات المقدمة للمجموعة في تسهيل واحد بجانب دمج بعض شركات المجموعة المتخصصة في الحديد والصلب. ومن الواضح هنا أن البنوك مقتنعة بأن التأثير السلبي للأزمة المالية العالمية في المجموعة كان بالإمكان التقليل منه لو تم استخدام وسائل تحوط وإدارة مخزون أكثر نجاعة. وختاماً، ظهر أحد مؤشرات تعافي مجموعة الطويرقي حين أعلنت مع ''حديد الاتفاق'' قبل نحو شهر في صفحة أسواق المال في ''الاقتصادية'' عن توافر وظائف الأفضلية فيها لخريجي برنامج خادم الحرمين الشريفين العائدين من الولايات المتحدة ودون اشتراط للخبرة. بين هذا الإعلان، وبين إعلان 2008 عن التسريح حدثت الكثير من الأمور، إلا أن المؤكد هو العودة القوية لأحد المصنعين الوطنيين المشهود لهم بالسعودة والإيمان بقدرة العامل والمشغل والتقني والمدير السعودي.