في الوقت الذي يحتدم فيه النقاش على مائدة أوبك حول كيف يستطيعون ضبط الأسعار لدعم النمو الاقتصادي العالمي هنالك نقاش من نوع آخر يجري تحت قبة الكونغرس الأميركي بين حمائمهم من الديمقراطيين وصقورهم من الجمهوريين حول إقرار أو عدم إقرار خطة جديدة للتيسير الكمي Quantitative easing.
لقد حذر كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي من خطورة عدم الموافقة على خطة التيسير الكمي الثالثة؛ حيث إن هذا من شأنه أن يقوض النمو الاقتصادي الهش لديهم وسيدخلهم في فترة كساد حاولت الإدارة الأميركية تجنبها عبر إقرار خطط التيسير الكمي، فوصف برنانكي الفشل في رفع سقف الديون الأميركية أنه سيسبب تعطلاً في النظام المالي والأسواق المالية، وأما الرئيس أوباما فإنه وصف الحالة بأن نتائجها وخيمة على الاقتصاد العالمي، محذراً من أن أزمة عالمية جديدة في الطريق إذا لم يتم الموافقة على طلبة في زيادة ديون أميركا وآخر موعد هو شهر أغسطس القادم لإقرار هذه الخطة الجديدة.
وهذه الخطط المسماة بخطط التيسير الكمي ما هي في واقع الأمر إلا عملية إصدار إضافي لعملتهم الدولار أي ما نستطيع أن نطلق عليه تجاوزاً عملية طباعة المزيد من الدولارات.
وهذه الخطوة لها خطورتها ليس على أميركا فحسب ولكن على العالم أجمع خاصة تلك الدول التي تربط عملتها بالدولار الأميركي فعندما يضعف الدولار الأميركي ويصبح سعره أقل يكون ذلك من صالح أميركا والاقتصاد الأميركي ولكنه على حساب الاقتصادات الأخرى. ورفض الصقور في الكونغرس لهذا القرار ليس رأفة باقتصادات الدول الأخرى وليس لأنهم يقولون إن هذا القرار سيؤدي إلى التسبب في حصول تضخم في دول الخليج العزيزة على قلوبنا ولكن لأنهم في تخوف من تحول النمو لديهم إلى تضخم، وقد اشترطوا أن يرافق ذلك خفض كبير في الإنفاق بما يؤدي لخفض العجز في الموازنة الأميركية. فهم لا يريدون كسادا يؤدي إلى بطالة ولا نموا يؤدي إلى تضخم والهدف الاقتصادي لديهم هو خلق نوع من التوازن يؤدي إلى القضاء على البطالة والتضخم في الوقت نفسه. فما الفائدة من توفير وظائف تدفع رواتب لا تكفي التكاليف المعيشية نتيجة التضخم، والعكس أيضا أن تكون المعيشة رخيصة ولكن هنالك بطالة ولا أحد يستطيع أن يشتري الرخيص لأنه أصلاً لا يحصل على دخل مطلقا.
إن تبني سياسة التيسير الكمي (1) والتيسير الكمي (2) للفترة اللاحقة للأزمة العالمية كانت من أهم أسباب ارتفاع أسعار المحاصيل الغذائية وسبب الجوع لملايين البشر (مليار جائع في العالم حتى هذه اللحظة) وهي السبب في ارتفاع الذهب لمستويات عالية لاتخاذه كاحتياط بدلا من الدولار، كما ساعدت هذه السياسة على خلق فقاعة في أسعار الأصول مرة أخرى.
إن كل هذه الأسباب هي ببساطة كانت سلبية على طرف وإيجابية لطرف آخر، الرابح منها الولايات الأميركية والخاسر بقية العالم ولا غضاضة.
ومن هذا المنطلق فإن أميركا تتبع سياسة التيسير الكمي وفقا لمصالحها المعلنة ولكن المحير في أوبك أن سياستها المعلنة هي ضمان إمدادات النفط وأن لا يكون هنالك نقص في الإمدادات من هذه السلعة الحيوية العالمية، ولكن الحاصل في اجتماع أوبك الأخير والذي أثار كثيرا من الجدل هو اختلاف جوهري في سياسة أوبك هل من واجبها الحفاظ على الإمدادات أم من مسؤوليتها الحفاظ على استقرار الأسعار؟ والأهم هل تستطيع أوبك فعلا التأثير على الأسعار؟
يجب أن تضع منظمة أوبك اتجاهات الدولار وسياسة أميركا في التيسير الكمي محل الاهتمام إذا ما أرادت أن تدخل في اللعبة السعرية للنفط، فمن غير المعقول أن تبيع النفط بسعر رخيص مقابل دولار ضعيف فتخسر في الطرفين، فإذا كان هنالك ضعف في الدولار ستعوضه الدول النفطية من خلال السعر المرتفع، وإذا كانت أسعار النفط منخفضة فالتعويض سيكون من بيعه بدولار قوي، هذه المعادلة المثالية الطبيعية التي تحفظ حق الطرفين في ربط أسعار النفط بالدولار وهذه المعادلة لا تتدخل فيها أوبك وإنما كفاءة عمل الأسواق العالمية هي ما تضمن لها هذا التوازن.
والسؤال هو من له المصلحة في أسعار نفط رخيصة مقابل دولار ضعيف؟ والأهم من الخاسر هنا؟