اتهمت هيئة تداول السلع الآجلة الأمريكية شركة أركاديا السويسرية وفروعها في نيويورك ولندن بالتلاعب في أسعار النفط في الشهور الأربعة الأولى من عام 2008، الأمر الذي نتج عنه ارتفاع في أسعار الخام الأمريكي، وتحقيق الشركة أرباحا قدرها 50 مليون دولار. ونفت شركة أركاديا التهمة وقالت إن تعاملاتها كانت نظامية ومتناسقة مع القانون، وإنها ستدافع عن نفسها في المحاكم الأمريكية.
وقبل أن يقوم البعض بالاستنتاج من الخبر أعلاه أن المضاربات في الأسواق المستقبلية رفعت أسعار النفط، لا بد من توضيح النقاط الآتية:
1- الأمر ما زال اتهاما، وستحدد المحاكم ما إذا كان هناك تلاعب في الأسعار أم لا.
2- هذه المواضيع تتعلق ببحوث متخصصة تتطلب مهارات معينة، لذلك فإن الموضوع لا يتعلق بالرأي، وعلى من يرى أن للمضاربات دورا أن يرينا بحوثه ودراساته في هذا المجال، وألا يقتصر الكلام على نقل من الصحف والمجلات. النتائج المذكورة في المقالات السابقة عن المضاربات كانت مبنية على بحوث قام بها كاتب هذا المقال على مدى عدة سنوات.
3- وجود المضاربين في الأسواق مهم جدا، لأنه يؤدي إلى وظائف عدة أهمها ما يسمى ''اكتشاف السعر''، لأن المتعاملين لا يعرفون السعر في المستقبل. هذه الوظيفة التي يقوم بها المضاربون معروفة منذ زمن بعيد ويتفق على فائدتها الجميع. لهذا فإن الحديث عن المضاربات في أسواق النفط المستقبلية يتعلق بالمبالغة في المضاربات، وليس بالمستوى العادي للمضاربات. المشكلة أنه لا أحد يعرف ما المستوى العادي للمضاربات.
4- وجود المضاربين في السوق يؤدي إلى زيادة تذبذب الأسعار على المدى القصير، ولكن لا يمكن للمضاربين أن يؤثروا في اتجاه الأسعار، خاصة على المدى الطويل. وهنا لا بد أن نذكر أن ارتفاع الأسعار استمر أكثر من أربع سنوات، وأن الاتهام الموجه لشركة أركاديا يثبت هذه النقطة، حيث إن الاتهام يقول إن تعاملات الشركة رفعت الأسعار ثم خفضتها خلال فترة قصيرة من الزمن.
5- لا يمكن نظريا أو عمليا إثبات أن زيادة عدد العقود المستقبلية رفعت أسعار النفط. وقد تمت مناقشة هذا الأمر في مقالات سابقة. وهنا لا بد من التذكير أيضا بأن إنتاج النفط العالمي وإنتاج وصادرات ''أوبك'' انخفضت في عامي 2006 و2007 بشكل فاجأ السوق بشكل شديد، في الوقت الذي تلاشت فيه الطاقة الإنتاجية الفائضة.
6- في الوقت الذي تخضع فيه هيئة تداول السلع إلى ضغوط شديدة من الديمقراطيين للقيام بعمل ما في ظل ارتفاع أسعار البنزين في الفترات الأخيرة، يشير الاتهام إلى أن الأرباح التي حققتها الشركة في الأسواق المستقبلية لا يعود إلى ارتفاع أسعار النفط بل إلى انخفاضها! فالادعاء يقول إن الشركة قامت بشراء النفط وتخزينه، ثم قامت بعمليات شراء وبيع في الأسواق المستقبلية بناء على كمية النفط المخزن. عمليات الشراء والتخزين رفعت الأسعار، فاستفادت الشركة من التخلص من عقودها المستقبلية. وفي الوقت نفسه، قامت ببيع كل النفط مرة واحدة، فأغرقت الأسواق وانخفضت الأسعار، ولكن كانت لديها عقود مصممة للاستفادة من انخفاض الأسعار. والجزء الأكبر من الأرباح تم تحقيقه من الانخفاض وليس الارتفاع.
7- كما يشير الاتهام إلى أن أساس العملية لم يكن الأسواق المستقبلية، وإنما شراء النفط وتخزينه فعلياً، وهو أسلوب قديم قدم الدهر ومعروف في شتى أنحاء العالم. هذا يعني أن ارتفاع أسعار النفط، حسب مذكرة الاتهام، لا علاقة له بالمضاربات في الأسواق المستقبلية، ولا علاقة له بالمشتقات المالية الحديثة، حتى وفقا لمذكرة الادعاء! ويشير الاتهام إلى قيام الشركة بشراء النفط وتخزينه، الأمر الذي أعطى انطباعا بندرة المعروض، فارتفعت الأسعار مرة أخرى، الإشارة هنا إلى الندرة الفعلية، وليس الأسواق المستقبلية!
8- ويقدر الادعاء ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الأمريكية نتيجة هذه العملية بمقدار دولار واحد، في الفترة التي ارتفعت فيها أسعار النفط بمقدار 20 دولارا للبرميل. من المسؤول عن الـ 19 دولارا الباقية؟ حسب الادعاء، فإن الشركة سيطرت على ثلثي النفط في مخازن كوشينج في أوكلاهوما، بينما سيطر آخرون على النفط الباقي الذي استخدموه فعلا، لهذا لا يمكن القول إن هناك شركات أخرى قامت بعمليات مماثلة.
9- على من يحتج بأن ما قامت به الحكومة الأمريكية هو إثبات على دور المضاربات في رفع أسعار النفط أن يتذكر مشاريع قوانين التي تتهم ''أوبك'' بالاحتكار ورفع الأسعار. بعبارة أخرى، لا يمكننا انتقاء الأدلة حسب هوانا، وعلينا أن نتذكر أن فشل القوانين الأمريكية في محاكمة ''أوبك'' لا يعود إلى أدلة اقتصادية، وإنما إلى القانون الدولي الذي يعطي الدول الحرية في التحكم في إنتاج سلعها.
خلاصة القول، أن اتهام شركة أركاديا بالتلاعب في أسعار النفط ورفعها وتخفيضها في بداية عام 2008 هو سيف ذو حدين. فإن ثبت فعلا هذا التلاعب فإنه يشير إلى دور تخزين النفط في رفع الأسعار، وهذا يتناسق مع النظرية الاقتصادية وما يعرف على أرض الواقع، ولكنه في الوقت نفسه يثبت أنه لا يمكن للأسواق المستقبلية أن تؤثر في أسعار النفط إلا إذا صاحبها تخزين فعلي للنفط. وإذا ثبتت براءة الشركة من التلاعب، فإن هذا يعني أنه حتى الدور التقليدي للمضاربين لم يؤثر في أسعار النفط. في الوقت الذي ما زالت هذه الأمور محتملة، المؤكد هو أن إنتاج أوبك وصادراتها انخفضا في أعوام 2006 و2007 و2009 و2010 ومنذ بداية 2011 حتى الآن.
اشكرك د انس في رأيي المتواضع النفط سيسجل 140 دولار خلال 2011 الى الربع الاول من 2012سواء ثبت ام لم يثبت دور اركاديا بالتلاعب اما في منتصف 2012 فالمجال مفتوع للسعر الى ارقام جديده