أسعار النفط بين كهرباء الصين وكهرباء الخليج

24/05/2011 2
د.أنس الحجي

إذا تغاضينا عن أثر العوامل السياسية في أسعار النفط، فإن كل الدلائل تشير إلى أن أسعار النفط سترتفع بشكل ملحوظ في شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس) بسبب العجز في إمدادات الكهرباء في كل من الصين ودول الخليج. وسيأتي هذا الارتفاع على الرغم من انخفاض الطلب على النفط في الولايات المتحدة وأوروبا. وقد ينتج عن ارتفاع الأسعار هذا زيادة حدة العداء للنفط، وقد تقوم إدارة الرئيس أوباما باستخدام احتياطي النفط الاستراتيجي، بغض النظر عما إذا كان ذلك سيسهم في تخفيض أسعار النفط أم لا.

العجز في إمدادات الكهرباء في الصين وأسعار النفط

شهد عام 2004 ارتفاعا كبيرا ومفاجئا في أسعار النفط لأسباب عدة، أهمها زيادة طلب الصين بشكل كبير على النفط. هذه الزيادة المفاجئة في طلب الصين تعود إلى أسباب عدة أهمها نقص كبير في إمدادات الكهرباء، وهذه النتيجة كانت خلاصة دراسة ميدانية قمت بها في عامي 2004 و2005. فقد قامت الحكومة الصينية بجذب الاستثمارات الأجنبية ومصانع الشركات الغربية عن طريق توفير عديد من الإغراءات، من ضمنها توافر الكهرباء. لكن النمو الكبير الذي تشهده الصين عنى أن أي كهرباء حصلت عليها الشركات والمصانع الأجنبية كانت على حساب المصانع المحلية. ونظرا لأن الطلب على المنتجات الصينية كان كبيرا، فإن شح الكهرباء أجبر هذه المصانع على إغلاق أبوابها رغم تعاقدها مع دول من أنحاء العالم كافة بإمدادها بالمنتجات المطلوبة. واضطرت الحكومة الصينية لوضع جدول لتشغيل هذه المصانع بحيث يقتصر العمل على يومين أسبوعياً. إلا أن الطلب الكبير على منتجات هذه المصانع حث أصحابها على شراء مولدات كهربائية كبيرة لتوليد الكهرباء لتمكين المصانع من الوفاء بالتزاماتها مع التجار من الدول المختلفة. ونتج عن الانتشار الهائل لهذه المولدات زيادة استخدام الديزل بشكل كبير، الأمر الذي أسهم في زيادة في طلب الصين على النفط بشكل لم تتوقعه حتى وكالة الطاقة الدولية وغيرها.

ومنذ أسابيع بدأ عديد من الولايات الصينية تعاني عجزا في الكهرباء بسبب الجفاف الذي خفض من مستوى المياه في السدود التي تشغل بعض العنفات الكهربائية، وبسبب توقف أحد خطوط السكك الحديدية التي تنقل الفحم إلى محطات الكهرباء، وبسبب التدخل الحكومي الذي أجبر بعض محطات الكهرباء على تخفيض إنتاجها لمقابلة الخطة التي أقرتها الحكومة. نتيجة لذلك فإنه يتوقع أن يتكرر ما حدث في عام 2004، حيث ستقوم المصانع باستخدام هذه المولدات، وسيرتفع طلب الصين على النفط، خاصة في أشهر الصيف بشكل أكبر من المتوقع. وكما ارتفعت أسعار النفط في عام 2004 بسبب عجز الكهرباء والتوليد الخاص، فإن الأسعار سترتفع مرة أخرى خلال أشهر الصيف.

العجز في إمدادات الكهرباء في الخليج وأسعار النفط

في دراسة ميدانية أخرى أجريتها بين عامي 2006 و2008، تبين أن العجز في الكهرباء في الدول النفطية، خاصة في دول الخليج، أسهم في رفع أسعار النفط في تلك الفترة، لكن أثر العجز في الكهرباء في الدول النفطية وفي أسواق النفط يختلف عن أثر انقطاع الكهرباء في الصين لأن الدول النفطية مصدرة للنفط بينما الصين مستوردة للنفط. وتشير البيانات إلى أن هناك علاقة طردية بين العجز في الكهرباء في الدول النفطية وأسعار النفط منذ عام 2005. ويمكن شرح أثر عجز الكهرباء في الدول النفطية في أسواق النفط كما يلي:

1 ـ العجز في الكهرباء يجبر شركات النفط الوطنية على تحويل النفط الخام من الصادرات ليحرق في محطات الكهرباء للتخفيف من العجز، خاصة في أشهر الصيف الحارقة.

2 ـ العجز في الكهرباء في بعض المدن بلغ حدودا عالية لدرجة انتشر فيها التوليد الخاص بشكل كبير، تماما كما حصل في الصين. واستفحل الأمر لدرجة أن التصميم المعماري لبعض المنشآت الجديدة أصبح يتضمن منطقة لمحرك توليد الكهرباء مع مكان تخزين الوقود. ونتج عن عمليات التوليد الخاص زيادة ملحوظة في استهلاك الديزل. وبالنظر إلى بعض المدن الخليجية وبياناتها فإنه من الواضح أن أزمة الكهرباء فيها لن تحل قبل عام 2020. هذا يعني أن العجز في الكهرباء سيستمر، وسيستمر هذا العجز في دعم أسعار النفط لأن استخدام الديزل بهذه الطريقة سيخفض صافي الصادرات النفطية.

3 ـ انقطاع الكهرباء في أشهر الصيف أجبر عددا كبير من العائلات في عديد من مدن الدول النفطية إلى اللجوء إلى السيارات للتبريد، الأمر الذي زاد من استهلاك البنزين، وبالتالي خفض من صافي الصادرات.

هذا يعني أن العجز في الكهرباء في الدول النفطية أسهم في زيادة الطلب على النفط الخام، والديزل، والبنزين، الذي يعني في النهاية انخفاضا ملحوظا في صادرات النفط. هذا الانخفاض في الصادرات يعني انخفاض المعروض في أسواق النفط العالمية، الذي يؤدي بدوره إلى رفع أسعار النفط. لهذا فإنه من الواضح أن مستوى إنتاج النفط لم يعد مهما، وما يهم هي الصادرات. إن تركيز دول ''أوبك'' على مستوى إنتاج الدول الأعضاء، خاصة في أشهر الصيف، مضلل لأنه لا يعكس الوضع الحقيقي لأسواق النفط العالمية. الإنتاج لم يعد مهما، ما يهم هي الصادرات. وهناك لا بد من ذكر الحقيقة التالية: كل التوقعات المتعلقة باستهلاك منطقة الشرق الأوسط من النفط خلال السنوات العشر الماضية كان أقل من الواقع بكثير. ويترتب على ذلك أن كل التوقعات المتعلقة بالإمدادات المتوافرة في أسواق النفط العالمية أكبر من الواقع. هذه الاختلافات بين المتوقع وما حصل فعلا تفسر جزءا من الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط في السنوات الماضية.

خلاصة الأمر أن العجز في الكهرباء في كل من الصين والدول النفطية في أشهر الصيف القادمة سيرفع أسعار النفط. وإذا صحت بعض التوقعات التي تقول إن المشكلات التي حصلت أو تحصل في كل من مصر وسورية والأردن واليمن وتونس والمغرب وانخفاض الدولار ستجبر كثيرا من العائلات الخليجية على البقاء في بلادها أثناء فترة الصيف، فإن العجز في الكهرباء في هذا العام سيكون الأسوأ تاريخيا، وستخفض الصادرات النفطية بشكل أكبر، وسترتفع أسعار النفط بنسبة أكبر. المشكلة أن هذا الارتفاع سيضر بالدول النفطية لأنه سيؤثر سلبا في الطلب العالمي على النفط، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة، التي ما زالت تستهلك الجزء الأكبر من النفط العالمي.