لماذا لم تحل مصادر الطاقة البديلة محل النفط رغم ارتفاع أسعاره بشكل كبير خلال السنوات الماضية، ورغم توقع بقاء الأسعار مرتفعة خلال السنوات المقبلة؟ الحقيقة أن ما يذكر على أنه بديل، ليس ببديل، حتى لو كان بديلا فإن تكلفته مرتبطة ارتباطا وثيقا بأسعار النفط. أما البدائل الحقيقية للنفط فقد أثرت في الطلب عليه، لكنها لا يمكن أن تحل محله بالكامل، لكن هناك تهديدا كبيرا للطلب على النفط في المستقبل، خاصة إذا استمرت الأسعار في مستوياتها الحالية.
عندما كانت أسعار النفط في حدود 25 دولارا، كان هناك اعتقاد عام بأن كثيرا من بدائل النفط ستصبح مجدية اقتصاديا إذا ارتفعت أسعار النفط فوق 50 دولارا للبرميل. ثم وصلت أسعار النفط إلى 50 دولارا للبرميل، ثم تجاوزت ذلك الحد، ولم نر تلك البدائل. ثم قال البعض إن هذه البدائل مجدية إذا وصلت أسعار النفط إلى 75 دولارا للبرميل، لكن أسعار النفط تجاوزت ذلك الحد، ولم نر تلك البدائل. ثم قال البعض إن هذه البدائل مجدية إذا وصلت أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل، وها هي الأسعار فوق 100 دولار للمرة الثانية، ويتوقع لأسعار النفط أن تبقى عند هذا الحد أو فوقه لفترة طويلة بسبب المشكلات في الشرق الأوسط، لكن مع ذلك لم تدب الحياة في هذه البدائل.. ما السر يا ترى؟
إن المنافس الرئيس للنفط يجب أن يكون في سوق النفط الرئيسة، وسوق النفط الرئيسة هي المواصلات. الطاقة النووية والشمسية والهوائية لا تستخدم في قطاع المواصلات، إنما في قطاع الكهرباء، ونسبة استخدام النفط في قطاع الكهرباء في الدول المتقدمة ضئيلة للغاية. إن المنافس الرئيس للنفط في قطاع المواصلات هو الوقود الحيوي الممثل في الإيثانول؛ لذلك فإن قيام السياسيين في الدول المستهلكة باستخدام أموال دافعي الضرائب لدعم الطاقة الشمسية والرياح بحجة تخفيف الاعتماد على النفط أمر مثير للسخرية؛ لأنه لا أثر له في واردات النفط على الإطلاق.
لكن يمكن للبعض أن يقول إن بعض البلاد الناشئة ما زالت تستخدم النفط في توليد الكهرباء؛ لذلك فإن استخدام الرياح والطاقة الشمسية سيؤثر في أسواق النفط. ويرد على ذلك بثلاثة أمور. الأول أن هذه البلاد بلاد ناشئة، مثل الصين، وهي في حاجة إلى كل مصادر الطاقة. هذا يعني أن استخدام الطاقة الشمسية والهوائية لم يتم كبديل عن النفط، إنما لمقابلة الطلب المتزايد على الطاقة. الثاني أنه في البلاد الحارة لا يمكن للطاقة الشمسية أو الهوائية أن توفر الكهرباء في الأيام الحارة؛ وذلك بسبب انخفاض كفاءة الصفائح الشمسية مع ارتفاع درجات الحرارة أو ارتفاع الرطوبة وتوقف بعضها تماما عندما يكون الطقس حارا كما هي الحال في دول الخليج، ولأنه لو هبت الرياح لما كان الجو حارا! الثالث، وهو الأهم، أن كل مصادر الطاقة، مهما كانت، تستخدم المواد الأولية نفسها.. ماذا يعني هذا؟
إذا ارتفعت أسعار النفط كما حصل في السنوات الأخيرة، فإن الطلب على الحفارات والأنابيب والمعدات، والزيوت والشحوم، وغيرها يرتفع بشكل كبير، الأمر الذي يرفع أسعارها وأسعار المواد الأولية التي تستخدم في صناعتها، فترتفع أسعار الحديد والأسمنت، مثلا. لكن هذه المواد تستخدم في مصادر الطاقة الأخرى، الأمر الذي يرفع تكاليف إنتاج مصادر الطاقة الأخرى. لهذا فإن سعر النفط الذي يشجع على استخدام البدائل متغير دائما، الأمر الذي يعني أن الذي سيحسم الأمر ليس السعر، إنما التكنولوجيا. وخطر التكنولوجيا على استخدام النفط هو أنه لا رجوع فيه، حيث إن هذه التكنولوجيا لن تتقهقر مجرد انخفاض أسعار النفط. مثلا، إذا تحسنت كفاءة استخدام محركات السيارات للوقود بمقدار 50 في المائة، فإن هذه المحركات لن تقل كفاءتها إذا انخفضت أسعار البنزين.
الوقود الحيوي والكهرباء والغاز الطبيعي
إن المنافسة الحقيقية التي واجهها النفط في السنوات الأخيرة جاءت من مصدر واحد فقط: الوقود الحيوي ممثلا في الإيثانول، لكن الإيثانول لا يمكن أن يحل بالكامل محل النفط لأسباب كثيرة. أما الخطر المحتمل فإنه سيكون من السيارة الكهربائية؛ لأنها ستؤدي في النهاية إلى جعل مصادر الطاقة غير المنافسة للنفط مثل الفحم والطاقة النووية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية منافسة له. وأما الخطر الحقيقي فإنه سيأتي من تبني حكومات الدول المستهلكة قوانين ينتج منها استخدام الغاز الطبيعي كوقود في السيارات. وأما الخطر المؤكد، فإنه سيأتي من تحسن كفاءة محركات السيارات بسبب ارتفاع أسعار النفط من جهة، وقوانين الحكومات التي تجبر شركات السيارات على تحسين كفاءة استخدام هذه المحركات للوقود. وأقول ''الخطر المؤكد'' لأن قوى السوق تدعم هذا الاتجاه، بينما لا تدعم الإيثانول والسيارات الكهربائية لأسباب عدة، لكن يكفي ذكر الحقيقة التالية: تكسب حكومات الدول المستهلكة مليارات الدولارات من الضرائب المفروضة على استهلاك المنتجات النفطية مثل البنزين والديزل. فإذا تم الاستغناء عنها لمصلحة الإيثانول والكهرباء، فإن الحكومات ستضطر إلى وقف تقديم الإعانات لتشجيع استخدام هذا النوع من الطاقة، وستضطر إلى فرض ضرائب عليها للتعويض عن خسائرها من انخفاض استخدام المشتقات النفطية. عاجلا أم آجلا ستقوم هذه الحكومات بفرض هذه الضرائب؛ لأن السيارات التي تسير بالوقود الحيوي والكهرباء تستخدم الطرق والجسور التي كانت تبنى وتصان من الضرائب على البنزين والديزل! فإذا تم الاستغناء عن البنزين والديزل، كيف يتم بناء وصيانة هذه المرافق؟
أما تحسن كفاءة المحركات في استخدام الوقود فإنها تحقق وفورات كبيرة للمستخدم، في الوقت الذي تضمن استمرار عوائد للحكومة، وإن كانت أقل من قبل. لكن البعض يرى أن المنافع الصحية والبيئية من تحسن كفاءة المحركات أكبر من انخفاض الإيرادات الحكومية، كما أنه قد يسهم في تعافي موازنات هذه الدول لأنه سيخفف من الحاجة إلى الإنفاق على البيئة والصحة.
خلاصة القول: إن أكبر خطر يهدد الطلب على النفط هو ارتفاع أسعار النفط الذي يسهم بشكل كبير في تحسين كفاءة محركات السيارات، والأسعار الحالية كافية لأداء هذه المهمة.
مقالٌ ممتعُ من شخصٍ متمكن.. باركَ الله فيك يا د. أنس ونفعَ الله بكَ وبعلمِكَ أخوانكَ المسلمين.. أحلى ما في المقالِ زبدتُه الواردة في السطر الأخير منه!!!
عندي احساس ان المقال استدراك على المقال السابق عن وجود الغاز بكميات كبيره فى انحاء العالم وانه سوف يوثر على الطلب على النفط ثم مقال لكاتب فى موقع ارقام عن ان الغاز اكثر ثلوث من النفط
يعطيك العافية مقال ممتع
شكرا
صدقت يا فهد الكاتب يستدرك على نفسه
دكتور انس تقول : إن أكبر خطر يهدد الطلب على النفط هو ارتفاع أسعار النفط الذي يسهم بشكل كبير في تحسين كفاءة محركات السيارات، والأسعار الحالية كافية لأداء هذه المهمة. صدقني ان شركات السيارات خفضت الانبعاثات الضاره ( اول و ثاني اكسيد الكربون + الكربوهيدات + الاكاسيد النيتروجينيه + الكبريت ) خفضتها بنسب عاليه جدا بعد ان كانت مدمرة للبيئه و مستهلكه للوقود في بدايه السبعينيات الى ارقام جدا ممتازة و يصعب الوصول اليها في العام 2004 ... حيث ان الاتحاد الاوربي فرض عقوبات قاسيه اسهمت في تخفيض الانبعاثات ... و بصفتي من من عملوا ولازالوا في هذا المجال كتصميم للمحركات جربنا عبر برنامج الادمز ADAMS و الماتلابMATLAB ان نخفض اكثر ... لكن واجهنا مشاكل كثيره ... لذا ارى من الصعب تخفيض اكثر في الانبعاثات الضاره !