لعل من اهم الموضوعات التى نتطرق اليها فى سلسلة مقالاتنا التثقيفية عن المراجعة الداخلية والرقابة هو مفهوم الرقابة واهدافها وسوف نتطرق فى هذا المقال الى مفهوم الرقابة ونتبعه فى مقال قادم بإذن الله تعالى الى اهداف الرقابة الداخلية.
تعرف الرقابة بأنها جزء أساسي في الإطار النظري للرقابة الداخلية ، ولقد تطور التعريف عدة مرات ، تبعا للتطور الذي طرأ على تطور الرقابة الداخلية في الوحدات على اختلاف أنواعها.
وفي الحقيقة فإن تعريف الرقابة الداخلية المقبول حاليا قد عكس تصورات مختلفة للرقابة الداخلية وأدخل تعديلات جوهرية على التعريف السابق لها ، الصادر عن لجنة الرقابة الداخلية التابعة للهيئة الأمريكية للمحاسبين القانونيين عام 1948. فالرقابة ، وفقا لتعريف 1948 ، هي مسئولية الإدارة تتكون من الخطة التنظيمية والوسائل والأساليب والإجراءات التي تكفل تحقيق مجموعة من الأهداف. في نفس السياق وبمنظور مختلف ، جاء تعريف تقرير لجنة المنظمات عام 1992 ، حيث عرف الرقابة الداخلية بأنها " عملية ، تتأثر بمجلس الإدارة ، وبالإدارة ، وبالأفراد الآخرين ، تصمم لتقديم تأكيد معقول عن إنجاز مجموعات الأهداف المحددة."
الاختلاف الجوهري بين تعريف الرقابة الداخلية عام 1948 وتعريفها عام 1992 ، هو أن الرقابة الداخلية ، في التعريف الحديث ، تتأثر بمسئوليات جميع العاملين في الوحدة ، إلى جانب مجلس الإدارة.
تعريف لجنة دعم المنظمات قدم الحد الأدنى من المفاهيم والتصورات بالنسبة للرقابة الداخلية في جميع الوحدات. إضافة على ذلك ، فإن الهيئات المعنية الأخرى قد عرفت الرقابة بما يلائم طبيعة وظروف الوحدات التي تشرف هذه الهيئات على تنظيم المحاسبة والمراجعة بالنسبة لها. في المجالات الحكومية ، فإن تعريف المنظمة الدولية لهيئات الرقابة والمراجعة العامة INTOSAI ، وتعريف مكتب المحاسب العام في الولايات المتحدة GAO ، قد عبرا عن مفاهيم الرقابة الداخلية بما يتفق مع طبيعة الرقابة في الوحدات الحكومية.
من التقارير الصادرة عن الهيئات المعنية بالوحدات الحكومية فإن الرقابة الداخلية تعرف بأنها:
" عملية تنظيمية متكاملة تتأثر بإدارة وأفراد الوحدة ، تصمم للتعامل مع مخاطر الوحدة ولتقديم تأكيد معقول بأنه ، في سياق رسالة الوحدة ، قد تم تحقيق الأهداف المحددة للرقابة الداخلية."
المفاهيم الأساسية للرقابة الداخلية:
من التعريف السابق للرقابة الداخلية يمكن استخلاص المفاهيم الأساسية للرقابة الداخلية على مستوى الوحدات الحكومية فيما يأتى:
الرقابة الداخلية تعتبر عملية process: وهذا يعنى أنها جزء من الهيكل الإدارى ويتزامن تشغيلها مع الإجراءات التنفيذية لنظام العمل فى الوحدات الحكومية ، وأنها تتكامل مع كل العمليات التنفيذية لتحقيق الأهداف بحيث أنه لا يمكن فصل أى منهما عن الآخر وأن العمل الحكومى لا يمكن أن ينفذ بدون آليات الرقابة ، وأن فرض الرقابة وسيلة لتحقيق الأهداف وليس غاية فى حد ذاته.
أنها تتأثر بالمستويات العليا من الإدارة سواء على مستوى الوحدة الحكومية أو على مستوى الوزارة أو الهيئة التى تتبعها الوحدة ، كما تتأثر بكافة الأفراد العاملين على كافة المستويات الإدارية فى الوحدة ، وهذا يعنى أن الرقابة الداخلية ليست مجرد سياسات وتعليمات وإجراءات ولكنها أيضا الأفراد في كل المستويات التنظيمية.
الرقابة الداخلية عملية مستمرة ومتطورة: وهذا يعنى أن الرقابة تمارس كجزء من المهام اليومية وليست مجرد متابعة تتم بعد إنجاز الأعمال.
أن الرقابة تقدم تأكيدا معقولا: وهذا يعنى أن الرقابة الداخلية لا يمكن أن تقدم تأكيد مطلق بتحقيق الأهداف التي توضع الرقابة الداخلية من أجل تحقيقها، كما أن اعتبارات التكلفة تراعى عند تصميم وتنفيذ إجراءات الرقابة الداخلية.
أهم ما يميز التعريف الحديث للرقابة الداخلية عن التعريف السابق لها ، أنه اعتبر أن الرقابة هي جزء من العملية التنظيمية للوحدة ، تبدأ من وضع التنظيم الأساسي لأي وحدة ، ثم تتطور بتطور الأحداث والظروف الجديدة المسببة للمخاطر في تلك الوحدة ، كما تتطور أيضا بحسب قدرة الإدارة والعاملين بها على الابتكار والتطوير لتمكين الوظيفة الرقابية بها. كما أن الرقابة الداخلية في المنظور الحديث لم يعد ينظر لها على أنها مجموعة من الإجراءات والأساليب التي تمنع حدوث كل مجالات الغش والأخطاء أو تكتشفها فور حدوثها وتعمل على تصحيحها ، بل ينظر لها على أنها عملية للسيطرة على المخاطر وأنها تقدم تأكيدا معقولا بأن هذه المخاطر في الحدود المسموح بها.
كما تجدر الإشارة إلى أن التعريف يربط أهداف الرقابة بالرسالة التي تسعي الوحدة إلى إرساءها في المجتمع ، وفي ذلك إشارة صريحة إلى الوظيفة الأساسية أو النشاط الأساسي للوحدة ، سواء كان ذلك في مجالات الخدمة العامة مثل التعليم والصحة والدفاع والأمن وغيرها ، أو في مجالات اقتصادية خاضعة للإشراف الحكومي. وهذا ما سنتاوله فى المقال القادم مع خالص دعواتى للجميع بالتوفيق والنجاح.