ماتزال أحداث السوق تتصرف بطريقة تعود على أسواق السلع بالفائدة حيث وصلت أسعار العديد من تلك السلع خلال الأسبوع الماضي إلى قمم لم تصل إليها منذ عدة سنوات مضت. وهاهي حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تواجه خطر الإغلاق نتيجة فشلها في التوصل لاتفاق حول الميزانية الجديدة، وهاهو البنك المركزي الأوروبي يرفع سعر الفائدة لأول مرة منذ ربيع 2008، وهاهي صفقات الشراء بالاقتراض تعود للرواج مع وصولها لأقصى حد في حالة الدولار الأسترالي مقابل الين الذي استعاد قوته بارتفاع قدره 12% بعد الانخفاضات التي تعرض لها عقب زلزال اليابان.
فقد وصل الدولار الأمريكي لأقل مستوى له منذ ديسمبر 2009 وذلك مقابل سلة من العملات. ومازال المستقبل غامضا فيما إذا كان الاقتصاد قويا بما فيه الكفاية للنهوض دون مزيد من ضخ للسيولة فيه بعد أن أدى ماحدث في شهر يونيو الماضي إلى تغييرات واسعة في أسواق الفضة، والذهب، والنفط الخام، والذرة.
كما قامت الصين برفع سعر الفائدة الأساسي عندها للمرة الرابعة منذ أكتوبر الماضي في محاولة مستمرة لكبح جماح التضخم الآخذ في الارتفاع، وللتحكم في الإقراض. وإضافة إلى ذلك، رفعت الصين- للمرة الثانية خلال العام 2011- أسعار الوقود للمستهلك التي تتحكم فيها الدولة، وذلك نظرا لأن الأسعار العالمية للنفط ما تزال مستمرة في الارتفاع بشكل كبير.
وعاد مؤشر سي آر بي للسلع الأساسية لينخفض بنسبة 1,4% خلال الأسبوع، وبينما لم يحقق اللاعبون الرئيسيون أية مكاسب كبيرة فيما يخص السلع، فإننا رأينا- مع ذلك- بعض المستويات الهامة تتحطم في مختلف الأسواق. وفقدت عقود الغاز الطبيعي 7% خلال الأسبوع عقد إعلان إدارة معلومات الطاقة الأمريكية انخفاضا كبيرا في مخزونها الأسبوعي. واعتبارا من الأسبوع القادم سيعود التركيز على بناء المخزون في وقت يقترب فيه موسم التدفئة الشتوي من الانتهاء، كما أن الإنتاج الجديد سيضيف المزيد من الكميات المعروضة.
الفضة
كسرت الفضة حاجز 40 دولار للأوقية لأول مرة منذ 31 عاما. ويعتقد الكثيرون الآن أن وصولها إلى أعلى سعر حققته على الإطلاق عام 1980 وهو 50 دولار أصبح قاب قوسين أو أدنى. وقد وصلت الأرصدة الإجمالية للفضة- من خلال صناديق الاستثمار المتداولة- إلى آفاق جديدة بعد أن استعادت عافيتها بقوة من تصحيح مارس. وأصبح الرصيد الإجمالي الآن يقل قليلا عن 50 مليون أوقية، أي ما يزيد بمقدار 45% عما كان عليه منذ عام مضى.
وينكب المستثمرون حاليا على شراء أسهم الفضة، وما يزال الطلب على العملات الفضية من الولايات المتحدة إلى الصين عبر الهند يرتفع بوتيرة متسارعة. فقد ارتفعت الفضة بنسبة 12% خلال شهر واحد، وبنسبة 120% خلال العام الماضي حيث يعد هذا انجازا ضخما، خاصة مع عدم وجود نقص في مخزون الفضة.
وبعبارة أخرى، فإن التدفقات الاستثمارية كانت هي المحركات الأساسية، ولحق بها عدد من صناديق التحوط الكبيرة. ومن المحتمل أن يشكل ذلك واحدة من المشاكل التي وقعت بمجرد أن بدأ السباق. فالفضة ما تزال سوقا صغيرة نسبيا، وهي بمثابة إصدار بيتا مرتفع من الذهب الذي يجعل الرحلة نحو الشمال سريعة ومبهجة، إلا أنه على المرء أن يكون أيضا على بصيرة من أن العربة الأفعوانبة بمدينة الملاهي لها سقطات عندما تبدأ سرعتها- عادة- في الازدياد.
وقد عبرت جيه اف ام إس- وهي هيئة استشارية رائدة للمعادن النفيسة- عن قلقها المتزايد هذا الأسبوع بشأن الارتفاع السريع، لكنها لم تر سببا لا يجعل الزخم الحالي يأخذنا نحو 50 دولارا. وحذرت- في نفس الوقت- من أن خطر الهبوط الذي قد يصاحب احتمال قيام المستثمرين بالبيع قد يؤدي إلى زيادة العرض عن الطلب.
الذهب
سار الذهب على خطى الفضة من حيث وصوله إلى رقم قياسي جديد. إذ يبدو أنه في طريقه للوصول إلى سعر 1,500 دولارا للأوقية في وقت ما خلال الربع الحالي من هذا العام. وكما ذكر آنفا، فإن الفضة هي المحرك الحالي الذي انعكس على معدل السعر بين المعدنين. فالسعر الحالي لأوقية الذهب يساوي سعر 36,5 أوقية فضة مقارنة مع 46 أوقية في بداية عام 2011، في حين كان يساوي 63 أوقية منذ عام مضى.
النفط الخام
مازال سعر النفط الخام يواصل ارتفاعه، إذ دخل خام برنت منطقة الخطر بارتفاعه عن 120 دولارا للبرميل، والذي إذا استمر على ذلك مدة طويلة فإنه سيؤثر على النمو العالمي وما يستلزمه من متطلبات. وجاءت الزيادة الأخيرة على الرغم من عدم توافر أنباء إضافية، حيث ماتزال الأزمة الليبية بلا حل، وبدون أية أشارات عن تصاعد الأزمة لتشمل مناطق أخرى في الإقليم.
وستعقد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في نيجيريا- أكبر الدول الأفريقية إنتاجا للنفط، وأكثرها سكانا- في 9 و 16 أبريل على التوالي. وقد ساد العنف والاضطرابات انتخابات 2003 و 2007، وسوف تتابع أسواق النفط الأحداث بعصبية.
الحبوب
ماتزال سوق الحبوب تتفاعل مع التقرير الصادر عن وزارة الزراعة الأمريكية الذي اتسم بارتفاع الأسعار، والذي رسم صورة تظهر الانخفاض الشديد في مخزونات الذرة وفول الصويا. ونتيجة لذلك رأينا سعر الذرة في بداية الشهر يصل ويجتاز سعر 7,65 دولارا للبوشل الذي كان سائدا منذ عام 2008 حيث لن يكفي انتاج هذا الصيف لسد النقص في المستودعات الفارغة على الرغم من ظروف الزراعة المواتية هذا العام. كما أن أسعار البنزين الآخذة في الارتفاع والتي يضطر معها المستهلك الأمريكي لدفع زيادة قدرها 34% عن متوسط أسعار عام 2010، ستجعل من الإيثانول خيارا مغريا جدا. وفي ظل استمرار الطلب، يصبح المخرج الوحيد أمام الأسعار هو الوصول إلى مستويات يلزم معها البدء في تخفيض الطلب لمستويات طبيعية.
القمح
جاء القمح في مستوى أدنى من الذرة بنسبة 9% حيث جاء التقرير على خلفية توقعات أفضل بالنسبة لمخزون القمح للشهر القادم. ويأتي خبر اكتشاف وجود 8 ملايين طن من الحبوب في روسيا ليرفع من إمكانية وقف حظر التصدير من رابع أكبر منتج للقمح في العالم. فقد تم اكتشاف أن الفلاحين احتفظوا بثلاثة ملايين طن لأنهم كانوا يتوقعون ارتفاع الأسعار، كما أن الصوامع في جنوب البلاد احتفظت بخمسة ملايين طن كانت مخصصة للتصدير قبل الحظر.
كما ساعدت التوقعات الحالية بارتفاع إنتاج روسيا من القمح ليصل إلى 85 مليون طنا، أي بزيادة قدرها 41% عن العام الماضي، لتدفع مؤخرا باتجاه انخفاض الأسعار المحلية. ومع ذلك، فمن المتوقع استمرار سريان حظر التصدير حتى يعرف تماما انتاج هذا الصيف.
الكاكاو
من المتوقع استئناف تصدير الكاكاو من ساحل العاج خلال أيام حيث بدأ الرئيس المعترف به من قبل الأمم المتحدة في استعادة السيطرة أخيرا من الرئيس السابق الذي يخوض صراعا عنيفا منذ الانتخابات التي عقدت في 28 نوفمبر الماضي.
يوجد حاليا في المخازن 440,000 طنا من الكاكاو جاهزة للشحن، وقد يكون قد أصاب بعضها التلف. وساعدت التوقعات بقرب نهاية الصراع في انخفاض سعر الكاكاو بنسبة 19% عن أعلى سعر وصل إليه في مارس الماضي مما يجعل مقدار الزيادة في السعر لا تتجاوز 1,2% في السنة بعد سلسلة دراماتيكية من ارتفاع الأسعار طوال الشهور القليلة الماضية.