هل يعقل أن يكون الفارق 1.1 مليون برميل يوميا؟

29/03/2011 3
د.أنس الحجي

نحن الآن في نهاية الشهر الثالث من عام 2011، ومع ذلك فإن الفارق بين تقديرات ''أوبك'' ووكالة الطاقة الدولية للطلب على النفط في عام الماضي يبلغ نحو 1.1 مليون برميل يوميا. أكرر، الحديث هنا عن العام الماضي...! إن 1.1 مليون برميل يوميا تعني أن الفارق السنوي يبلغ أكثر من 400 مليون برميل! وهي كمية أكبر من إنتاج دولة نفطية وعضو في ''أوبك'' مثل قطر! كيف ستكون ردة فعل المستثمرين والتجار وشركات النقل والطيران والمضاربين على هذا الفارق؟ من هو الأقرب إلى الحقيقة، ''أوبك'' أم وكالة الطاقة الدولية؟ يذكر أن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تقدر الزيادة في الطلب على النفط بمقدار 2.4 مليون برميل يوميا، الأمر الذي يعني أن تقديرات ''أوبك'' أقل من تقديرات إدارة المعلومات بـ 600 ألف برميل يوميا!

لا شك أن انعكاسات هذا الفارق ضخمة جداً، وقد تكبد العالم خسائر بمئات المليارات من الدولارات، وقد تؤدي إلى أزمة طاقة, وذلك لأن كل طرف من أطراف الصناعة سيقترض الأسوأ ويتخذ قراره. فالمستثمرون في قطاع النفط لن يأخذوا بتقرير وكالة الطاقة على سبيل الاحتياط، وسيأخذون برقم ''أوبك''. فإذا كان رقم ''أوبك'' خاطئا والرقم الصحيح أعلى من توقعات ''أوبك'' فلن تكون هناك استثمارات كافية لمقابلة الطلب المتنامي على النفط، لكن المستثمرين سيستفيدون من ارتفاع أسعار النفط. أما إذا أخذ المستثمرون بأرقام وكالة الطاقة الدولية وثبت خطؤها فإن هذا يعني أن هناك كميات إضافية من النفط، وستنهار الأسعار، وسيخسر المستثمرون. أما المستهلكون، خاصة شركات النقل والطيران وغيرها، فإن توخي الحذر يتطلب منهم تبني أرقام وكالة الطاقة الدولية، الأمر الذي يجبرهم على توقيع عقود طويلة المدى بأسعار مرتفعة، وهذا بدوره يدعم أسعار النفط دون مبرر إذا كانت توقعات ''أوبك'' صحيحة، ويجعل مسؤولي ''أوبك'' يتساءلون عن سبب استمرار الأسعار المرتفعة، رغم وفرة المعروض ـــ من وجهة نظرهم.

وتزداد الأمور تعقيدا إذا عرفنا أن توقعات ''أوبك'' ووكالة الطاقة الدولية لنمو الطلب على النفط عام 2011 هو نفسه: 1.4 مليون برميل يوميا. ولا تختلف توقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية عن ذلك, حيث تتوقع 1.5 مليون برميل يوميا. لماذا اتفقت التوقعات عام 2011، واختلفت اختلافا كبيرا عام 2010؟ وإذا نظرنا إلى بيانات عام 2010 نجد أن الفارق يعود إلى اختلاف حول استهلاك كل من الصين وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، ودول الشرق الأوسط. كما نجد أن التوقعات بشأن هذه التوقعات عام 2011 متقاربة، لكنها متباعدة في 2010.

المحير في الأمر أنه تم تكليف منتدى الطاقة الدولي، الذي يتخذ من الرياض مقرا له، بالتنسيق بين الدول الأعضاء، وهي دول منتجة ومستهلكة، لبناء قاعدة بيانات مشتركة عرفت بالحروف الأولى من اسمها بالإنجليزية ''جودي''. وكان الهدف هو تضييق مدى الخلاف في الأرقام والتوقعات بين المنظمات العالمية، وبشكل خاص بين ''أوبك'' ووكالة الطاقة. لكن كما يتضح من الخلاف الكبير بين ''أوبك'' ووكالة الطاقة فإن قاعدة بيانات ''جودي'' لم تنفع في هذه الحالة لأن بياناتها تقتصر على بعض الدول الأعضاء، ولا تشمل العالم ككل، الأمر الذي يوضح محدودية دورها في تضييق الخلاف حول التوقعات بين المنظمات المختلفة ويثير تساؤلات حول الجدوى الاقتصادية لقاعدة البيانات.

وإذا نظرنا إلى توقعات ''أوبك'' ووكالة الطاقة الدولية وغيرها، فإنه يمكن الاستنتاج بسهولة أن توقعات ''أوبك'' الخاطئة لنمو الطلب العالمي على النفط أسهمت في رفع أسعار النفط في عامي 2009 و2010. طبعا كانت توقعات وكالة الطاقة الدولية خاطئة أيضا، لكن تأثيرها في السوق أقل بكثير من تأثير توقعات ''أوبك'', وذلك لأن ''أوبك'' تغير إنتاجها بناء على توقعاتها، فإذا لم ترفع ''أوبك'' الإنتاج لأن توقعاتها تشير إلى عدم ضرورة ذلك، في الوقت الذي يرتفع فيه الطلب العالمي بشكل كبير، فإن هذا الخطأ سيؤدي بشكل تلقائي إلى رفع أسعار النفط بشكل كبير. لكن خطأ وكالة الطاقة لا يترجم إلى تغيير في الإنتاج على أرض الواقع، لكنه قد يؤدي إلى تغيرات طفيفة في الطلب أو المخزون.

ما ذكر عن ''أوبك'' أعلاه ليس مجرد رأي قابل للأخذ والرد، إنما حقيقة نجدها في تقارير ''أوبك'' الشهرية. فهذه التقارير تشير إلى أن ''أوبك'' أخطأت بشكل كبير في تقدير نمو الطلب العالمي على النفط، ولم ترفع إنتاجها بشكل يتناسب مع نمو الطلب، فارتفعت الأسعار حتى وصلت إلى نحو 90 دولارا، وهذا قبل الأحداث السياسية في العالم العربي. عندها تم اتهام المضاربين برفع الأسعار، وأصر مسؤولو ''أوبك'' على أن هناك وفرة في الإمدادات. لكن الحقيقة التي أوردتها الأرقام في تقارير ''أوبك'' تشير إلى أن ''أوبك'' اكتشفت أن نمو الطلب العالمي على النفط كان أكبر من توقعاتها السابقة بكثير، لكن بعد فوات الأوان، في نهاية عام 2010 وبداية 2011!

ففي تقرير كانون الأول (ديسمبر) 2009 توقعت ''أوبك'' أن يرتفع الطلب على النفط في عام 2010 بمقدار 800 ألف برميل يوميا، إلا أنها في التقارير الأخيرة تقول إن الطلب على النفط في عام 2010 ارتفع بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا، أي أن الفارق هو مليون برميل يومياً! هل نلوم المضاربين إذا اكتشفوا هذا الفارق وجنوا أرباحا طائلة منه؟

واكتشفت ''أوبك'' الزيادة في الطلب متأخرة, حيث جاءت أغلبية تعديلاتها في آخر العام وبداية عام 2011 على الشكل التالي: تم تعديل معدلات النمو بمقدار 100 ألف برميل يوميا في تشرين الأول (أكتوبر)، ثم 190 ألف برميل في تشرين الثاني (نوفمبر)، ثم 200 ألف في آخر العام في كانون الأول (ديسمبر)، ثم أضافت 300 ألف برميل في بداية عام 2011! بالله عليكم، ما فائدة هذا الإدراك إذا فات الأوان؟ ليس هذا فحسب، لكن حتى الرقم الأخير مازال أقل من وكالة الطاقة الدولية بمقدار 1.1 مليون برميل يوميا، وأقل من تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بمقدار 600 ألف برميل يوميا.

طبعا ليست وكالة الطاقة وإدارة المعلومات وخبراؤهما ومستشاروهما بأحسن حالا من ''أوبك''، فما ذكر عن ''أوبك'' ينطبق أيضا على وكالة الطاقة وإدارة المعلومات، إلا أنه ـــ كما ذكر سابقاً ـــ فإن أثر خطأ توقعات ''أوبك'' على أسواق النفط أكبر بكثير من أثر خطأ توقعات الهيئات الأخرى.

خلاصة الأمر أن وفرة الإمدادات التي يتكلم عنها مسؤولو ''أوبك'' تعتمد على توقعات الطلب التي تنشرها ''أوبك''، فإذا كانت هذه التوقعات أقل من الواقع بكثير, كما توضح تقارير ''أوبك''، فإنه من الواضح أنه لم تكن هناك وفرة في الإمدادات، وأن النتيجة الحتمية لذلك هي ارتفاع أسعار النفط.