مستقبل الطاقة في العالم بعد أحداث اليابان

22/03/2011 2
د.أنس الحجي

أَثـْرَتْ مشكلات مفاعلات مجمع فوكوشيما النووية في اليابان الحوار حول مستقبل الطاقة في العالم بشكل عام ومستقبل الطاقة النووية بشكل خاص, فالمؤيدون للطاقة النووية يرون فيما حصل في اليابان تأكيدا على تقدم تكنولوجيا المفاعلات وإجراءات السلامة، بينما يرى آخرون عكس ذلك، ويذكّرون الناس بما حصل في تشيرنوبل وثري مايل آيلاند. الفئة الأولى ترى أن ما حصل في اليابان لن يؤثر كثيرا في مستقبل الطاقة النووية، بينما يرى الآخرون أن ما حصل في اليابان سيوقف نمو الطاقة النووية في عدد من البلاد، بما في ذلك بعض البلاد العربية. ويرى البعض أن الثورات التي قامت في بعض الدول العربية أخيرا قام بها شباب لهم وجهات نظر معنية، منها معارضتهم للطاقة النووية، الأمر الذي قد ينهي البرنامج النووي لقطاع الكهرباء في تلك الدول.

أدلة المؤيدين

يرى مؤيدو الطاقة النووية أن ردة الفعل العالمية على ما حدث في اليابان، التي تمثلت في إيقاف بعض مشاريع الطاقة النووية وقيام بعض الدول باتخاذ إجراءات احترازية ومراجعة لكل مفاعلاتها، وتخويف الناس من الطاقة النووية, لا مبرر لها. ويرون أن الحوار في هذا المجال يجب أن يوضع في إطاره الصحيح. فالطلب على الطاقة في العالم يتزايد بشكل كبير، واستخدام الوقود الأحفوري سيؤدي إلى الاحتباس الحراري، الذي قد ينتج عنه ارتفاع مستوى البحار، وبالتالي مقتل الملايين من البشر. وهم يرون أن الطاقة النووية هي المصدر الوحيد الذي يمكن أن يوفر الكهرباء لأعداد كبيرة من البشر بتكاليف منخفضة نسبياً وآثار بيئية لا تذكر مقارنة بالوقود الأحفوري. ويرون أنه خلال 50 سنة الماضية لم تحصل إلا كارثتان, واحدة في أوكرانيا وأخرى في الولايات المتحدة، بينما لم تحصل أي حادثة في بلاد تعتمد بشكل كبير على الطاقة النووية مثل فرنسا وألمانيا. وفي الوقت ذاته نرى تكرر كوارث انفجارات وحرائق النفط والغاز والفحم باستمرار، وفي كل أنحاء العالم، وما زالت ذاكرة العالم حية بمشاهد الانفجار في بئر ماكندو في خليج المكسيك والمآسي التي نتجت عنه، إضافة إلى آلاف العمال الذي قتلوا في مناجم الفحم في السنوات الأخيرة، خاصة في الصين.

ويرى هؤلاء أن تكنولوجيا الطاقة النووية تحسنت كثيرا في السنوات الأخيرة، وأصبحت المفاعلات أكثر أمنا، ويستدلون بذلك على ما حصل في اليابان. فما حصل هناك لم يكن نتيجة خطأ في التكنولوجيا أو أي خطأ فني أو بشري، لكن نتيجة كارثة طبيعية مدمرة. ورغم ذلك تحملت المفاعلات الأخرى الهزة، أما المفاعلات التي تأثرت بالهزة فإنه رغم المشكلات فيها إلا أن نظام الاحتواء المتقدم مكن من إغلاق المفاعل بالكامل دون حدوث حادثة مثيلة لتشيرنوبل. ولا شك أن الصناعة ستتعلم مما حصل في اليابان وستقوم بالتحسينات اللازمة لعدم تكرار مشكلات كهذه حتى في حالات نادرة كالهزات الأرضية والبراكين وغيرها. أما بالنسبة للدول العربية، فإنه من المؤكد أن نمو الطلب على الطاقة في المنطقة سيؤدي مع الزمن إلى تلاشي صادرات النفط، وانخفاض إيرادات الحكومة، الأمر الذي سيؤدي إلى مشكلات سياسية واقتصادية في المنطقة, لذلك فإن الطاقة النووية هي الحل الرئيس لتلافي هذه المشكلات.

أدلة المعارضين

يرى المعارضون للطاقة النووية أن ما حصل في اليابان يؤكد أن الطاقة النووية، رغم التقدم التكنولوجي، ما زالت خطرة وغير آمنة، وأن أي مشكلة نووية ستؤدي إلى مقتل المئات، وتأثر صحة عشرات الألوف، إضافة إلى الخسائر الاقتصادية الضخمة الناتجة عن إخلاء المناطق القريبة من المفاعل عند حدوث أي خطر.

ويرى المعارضون في الولايات المتحدة أنه إذا نظرنا إلى مساهمة الطاقة النووية في توليد الكهرباء فإنه يتوقع أن تظل ثابتة خلال العقود القادمة، وأنها لن تزيد بسبب ارتفاع التكاليف من جهة والمخاطر الناتجة عنها من جهة أخرى، ولا يتوقع أن تحل مشكلة التكاليف والمخاطر في المستقبل المنظور، بغض النظر عما حصل في اليابان. هذا يعني أنه حتى لو لم تحصل هذه الكارثة في اليابان، فإن الطاقة النووية لن تنمو في الولايات المتحدة. كما أن هناك بعض الدول الأوروبية التي قررت التخلص تدريجيا من المفاعلات النووية لمصلحة الطاقة المتجددة، الأمر الذي يؤكد قدرة الدول على إيجاد بدائل لتوليد الكهرباء.

النتيجة

حتى لو نجحت اليابان في التحكم في المفاعلات المنكوبة، فإن ما حصل في اليابان سيؤخر مشاريع توليد الكهرباء المعتمدة على الطاقة النووية في أنحاء العالم كافة، بما في ذلك الدول العربية. وسيؤدي هذا التأخير، الذي سينتج عن إجراء المزيد من الدراسات وتأخير الحكومات للرخص اللازمة لبناء المفاعلات النووية، إلى استخدام المزيد من الوقود الأحفوري المتمثل في الفحم والنفط والغاز، وسيؤدي هذا بدوره إلى زيادة التلوث البيئي، حتى في الدول التي مشت شوطا كبيرا في حماية البيئة، مثل اليابان. البلد الوحيد الذي لا يمكن التنبؤ بما قد تفعل في ظل ما حصل في اليابان هي الصين. لكن هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن الصين قد تستمر في برنامجها النووي وكأن شيئا لم يحدث.

ورغم أن مستقبل الطاقة النووية أصبح محل نقاش حاد بين مؤيديها ومعارضيها في الوقت الحالي، ولدى كل فريق أدلة تدعم موقفه، إلا أنه من الواضح أن المستفيد الأكبر مما حصل في اليابان هو صناعة الغاز العالمية، وبشكل خاص في الولايات المتحدة وأستراليا وقطر. ويتوقع أن تشهد سياسة الطاقة الأمريكية تغيرا جذريا خلال الشهور المقبلة بحيث يتم التركيز على الغاز الذي تم اكتشافه بكميات هائلة في صخور السجيل التي تنتشر في أماكن كثيرة، وخفّضَ أسعار الغاز خلال السنوات الثلاث الماضية بنحو 70 في المائة. ويرى بعض الخبراء أن سعر الغاز الأمريكي حاليا أقل من التكلفة الحقيقية للغاز في دول الخليج بنحو 30 في المائة.

إن أهم نتيجة لمشكلات المفاعلات النووية في اليابان هي أن أسعار الغاز المسال في الأسواق الفورية سترتفع ولفترة طويلة من الزمن، وستكون قطر المستفيد الأكبر من ذلك. وتلي ذلك نتيجة أخرى هي أن كندا ستتحول إلى مُصدّر للغاز المسال لأن ما حصل في المفاعلات النووية في اليابان سيعطي دفعة قوية لمشرع ''كيتمات'' لإنتاج الغاز المسال في غرب كندا، الذي سيصدّر الغاز المسال إلى كل من اليابان والصين وغيرهما. كما أن ما حصل في اليابان سيدعم مشروع شركة شنير الأمريكية التي تحاول إقناع المستثمرين بإنشاء مشروع ضخم لتصدير الغاز المسال إلى أنحاء العالم كافة.

إذا ستواجه صناعة الطاقة النووية صعوبات كثيرا في الأعوام القادمة، وقد تقوم بعض الدول، بما في ذلك بعض الدول العربية، بوقف مشروعها النووي، ربما مؤقتا، حتى تتضح الأمور. والنتيجة الحتمية لذلك هي زيادة الطلب العالمي على النفط والغاز، وانخفاض صادرات دول ''أوبك'' النفطية. ولهذا فإنه يمكن القول إن ما حصل في مفاعلات فوكوشيما سيسبب أزمة طاقة، ليس في اليابان، إنما في كل أنحاء العالم.