كانت مجموعة العشرين قد اقترحت إجراء إصلاح في نظام الحصص الحالي لصندوق النقد الدولي من خلال إعادة هيكلة هذه الحصص بحيث يُسحَب جزء من حصص الدول ذات التمثيل المرتفع في الصندوق إلى التي تمتلك حصصا أقل، بصفة خاصة الدول الناشئة والنامية، وذلك بما يراوح بين 5 و7 في المائة على الأقل من إجمالي الحصص، خصوصا أن المراجعات السابقة التي تمت على نظام الحصص في الصندوق لم تسفر عن تعديل جوهري في خفض حصص الدول المهيمنة.
لكن لماذا هذا الاهتمام من جانب دول العالم بإصلاح نظام الحصص في صندوق النقد الدولي؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بد أن نعرف أن حصة الدولة في صندوق النقد الدولي تمثل مساهمتها في رأسمال الصندوق، وبناءً على هذه الحصة يتحدد الآتي:
1- الالتزامات المالية التي يلتزم العضو بسدادها للصندوق، وفي البداية كان يطلب من العضو أن يقوم بسداد 25 في المائة من حصته بالذهب والباقي بالعملة المحلية للعضو.
غير أن انتهاء دور الذهب في النظام النقدي الدولي، تبعه تغير في طريقة سداد العضو لحصته، حيث يتم حاليا دفع 25 في المائة من قيمة الحصة بوحدات السحب الخاصة أو بعملة واسعة القبول عالميا مثل الدولار واليورو والين والجنيه الاسترليني، أما باقي الحصة فيدفع بالعملة المحلية للعضو.
2- القوة التصويتية للعضو في الصندوق، حيث يتحدد ما يمتلكه العضو من قوة تصويتية على القرارات التي تتخذ في الصندوق بحصة العضو.
ويتم حساب القوة التصويتية للعضو بعدد من الأصوات الأساسية التي يتساوى فيها جميع الدول الأعضاء (250 صوتا)، إضافة إلى صوت إضافي يمنح للعضو في مقابل كل 100 ألف وحدة حقوق سحب خاصة من حصته.
معنى ذلك أن القوة التصويتية الإضافية ستعتمد أساسا على حجم حصة العضو في الصندوق.
3- قدرة العضو على السحب من موارد الصندوق، حيث يتحدد حجم التمويل الذي يمكن أن يحصل عليه العضو من الصندوق بحجم حصته.
على سبيل المثال يمكن للعضو الذي يدخل في اتفاقية للمساندة Stand-by مع الصندوق (لمواجهة عجز طارئ في ميزان المدفوعات مثلا)، أن يسحب حتى 200 في المائة من حصته، أما بالنسبة للعضو الذي يدخل في اتفاقية تسهيلات ائتمانية ممتدة Extended arrangements (لمواجهة اختلالات هيكلية يعانيها العضو)، فيمكن للعضو السحب حتى 600 في المائة من حصته، كذلك فإن النظام الحالي للصندوق يسمح بتجاوز هذا الحد في حالات استثنائية.
ومن الواضح أن قدرة العضو على السحب من التسهيلات الائتمانية المتاحة من خلال الصندوق ترتبط بحجم حصته، حيث تلعب حصة الدولة دورا جوهريا في التسهيلات التي يمكن أن تتاح للعضو من الصندوق.
4- نصيب العضو في أي توزيعات لحقوق السحب الخاصة Special Drawing Rights، فعندما يقوم الصندوق بإصدار جديد لحقوق السحب الخاصة (عملة الصندوق الدولية)، فإن عملية تخصيص هذا الإصدار على دول العالم المختلفة تستند أساسا إلى حجم الحصة التي يمتلكها العضو في رأسمال الصندوق.
تدخل هذا الأسبوع تعديلات الحصص والقوة التصويتية التي تم إقرارها في عام 2008 بموجب المراجعة الرابعة عشرة، حيز التنفيذ في صندوق النقد الدولي، وذلك بعد إقرارها من جانب 117 دولة عضو في الصندوق تمثل 85 في المائة من القوة التصويتية في الصندوق.
فعلى مدى عقود طوال مضت منذ إنشاء الصندوق، هيمنت مجموعة محددة من الدول على عملية صناعة سياسات الصندوق من الناحية التقليدية لتركز القوة التصويتية في يديها.
وقد ترتب على قيام الصندوق بمجموعة من المراجعات لنظام الحصص والتصويت إلى حدوث تعديلات في حصص الدول، غير أن أهم الإصلاحات الجوهرية التي تمت على نظام الحصص والتصويت هو ما تم بالفعل في إطار المراجعة الرابعة عشرة.
تتمثل الميزة الأساسية في هذا التعديل أنه يأخذ في الاعتبار الحرص على التمثيل المناسب في الحصص للاقتصاديات الأكثر ديناميكية في العالم، كما أنه يرفع مساهمة والقوة التصويتية للدول ذات الدخل المحدود في العالم.
من ناحية أخرى فقد قام الصندوق بإجراء إصلاحات إضافية في 2010، التي يترتب عليها نقل نحو 6 في المائة من الحصص في الصندوق إلى الاقتصاديات الديناميكية والدول النامية في العالم. وتعد هذه الإصلاحات أهم عمليات تعديل في نظام الصندوق منذ إنشائه في 1945، وأكبر عملية تحويل للحصص في مصلحة الدول الناشئة والنامية.
بدخول المراجعة رقم 14 حيز التنفيذ هذا الشهر يتوقع صندوق النقد الدولي الآتي:
ستتم مضاعفة الحصص في رأسمال الصندوق إلى نحو 751.1 مليار دولار. لكن هذه الزيادة لن توزع بالتساوي بحيث يستمر توزيع الحصص الحالي كما هو، بل يتم توزيعها وفقا لصيغة رياضية تعكس الدور الذي تلعبه الدولة في الاقتصاد العالمي.
سيتم تحويل نحو 6 في المائة من الحصص من الدول الدولة الممثلة بأكبر مما يجب إلى الدول الممثلة بأقل مما يجب، بصفة خاصة إلى الدول الناشئة والدول النامية، ومن ثم ستصبح دول الـ BRIC التي ترمز للحرف الأول من دول البرازيل وروسيا والهند والصين والسعودية، من بين أكبر عشر دول التي تمتلك حصصا في الصندوق، كما ستصبح الصين ثالث أكبر دولة عضو مالكة للحصص في الصندوق.
ستؤدي الإصلاحات إلى زيادة الأصوات الأساسية لثلاثة أضعاف تقريبا، حيث تمت زيادة عدد الأصوات الأساسية لكل عضو من 250 صوتا إلى 677 صوتا، وهي أول زيادة تتم منذ إنشاء الصندوق في 1945، وبحيث تتماشى القوة التصويتية مع القوة الاقتصادية للدولة الأعضاء في الاقتصاد العالم.
سيتم أيضا الحفاظ على الحصة والقوة التصويتية للدولة الأفقر الأعضاء في الصندوق، وهذه الدول هي الدول التي يقل متوسط نصيب الفرد منها من الناتج عن 1135 دولارا في 2008.
سيتبنى الصندوق صيغة رياضية جديدة لتحديد حصة العضو في الصندوق، بدلا من الأسلوب السابق الذي كان يستند إلى تحديد حصة العضو بما يتماشى مع حصص الأعضاء المشابهين للعضو من حيث حجمه الاقتصادي وخصائصه.
أما بالنسبة للنظام الجديد لتحديد الحصص، فسيتم تحديد الحصة من خلال صيغة رياضية يستخدمها الصندوق في هذا المجال، ووفقا لهذه الصيغة تتحدد حصة العضو من خلال استخدام نظام للأوزان يعتمد على أربعة متغيرات هي الناتج المحلي الإجمالي، درجة انفتاح الدولة، درجة تقلب تدفقات صافي رؤوس الأموال إلى الدولة، وأخيرا مستوى الاحتياطيات.
ومجموع الأوزان المعطاة لهذه المتغيرات الأربع هو 1، أو 100 في المائة. وتحسب الحصة بالضبط كالآتي: يعطى وزن 50 في المائة للناتج المحلي الإجمالي للدولة لمدة ثلاث سنوات (مزيج من قياسين للناتج المحلي الإجمالي، الأول مقاسا باستخدام معدلات الصرف السوقية (60 في المائة)، والثاني باستخدام تعادل القوة الشرائية (40 في المائة)، ويعطى وزن 30 في المائة لدرجة انفتاح الدولة، الذي يقاس بمتوسط خمس سنوات لإجمالي الإيرادات من صادرات السلع والخدمات، وإجمالي المدفوعات على الواردات من السلع والخدمات، كما يعطى وزن 15 في المائة لدرجة تقلب تدفقات صافي رؤوس الأموال عبر مدى زمني 13 عاما، وأخيرا يعطى وزن 5 في المائة لمتوسط 12 شهرا لاحتياطيات الدولة التي تشمل احتياطيات النقد الأجنبي، وما تحتفظ به الدولة من حقوق السحب الخاصة، وموقف احتياطيات الدولة لدى صندوق النقد الدولي.
كذلك تشمل الصيغة الرياضية معامل ضغط والذي يقلل من التشتت بين الأعضاء في الحصص المحسوبة.
هذه الصياغة الجديدة لحساب الحصص ستعني أن الدول ذات الوزن الاقتصادي الأكبر والنمو الاقتصادي الأسرع والمتكاملة بشكل كبير في الاقتصاد العالمي ستزداد حصتها وقوتها التصويتية، بينما تتراجع الحصص ومن ثم القوة التصويتية للدول التي يتراجع دورها في الاقتصاد العالمي.
بشكل عام تعد هذه التطورات استجابة للمطالبات طويلة المدى لإصلاح نظام صندوق النقد الدولي ورفع درجة شفافيته، وتعزز هذه الإصلاحات فاعلية صندوق النقد الدولي كما تزيد من درجة مصداقيته كمؤسسة عالمية.
فقد كان توزيع الحصص في رأسمال الصندوق يتسم بعدم العدالة بين دول العالم المختلفة، خصوصا بالنسبة لدول العالم الفقير، وهي مجموعة الدول الأحوج إلى مساعدة الصندوق ومساندته.
من ناحية أخرى، فعلى الرغم من حدوث تحول هيكلي في القوة الاقتصادية التي تملكها دول العالم الناشئ في الاقتصاد العالمي، إلا أنها ظلت غير ممثلة على النحو الصحيح سواء بالنسبة لنصيبها المفترض في حصص رأسمال الصندوق، أو في القوة التصويتية التي تمتلكها هذه الدول، وطالما طالب الأعضاء في الصندوق بضرورة إصلاح النظام الحالي للحصص كي يعكس ليس فقط الأهمية النسبية للدول الأعضاء في التجارة والمعاملات المالية الدولية كما هو الحال الآن، إنما أيضا لإتاحة الفرص بصورة أكبر للدول الأقل تمثيلا في الحصص، بصفة خاصة الدول الفقيرة، وتقليص هيمنة الدول الغنية على عمليات اتخاذ القرارات في الصندوق.
ويكشف الصندوق عن نتائج عملية المراجعة الـ 14 للحصص في الصندوق، كما هو موضح في الجدول رقم (1)، حيث يتضح أن أكثر عشر دول في العالم استفادت من النظام الجديد هي روسيا، التي ارتفعت حصتها بنسبة 0.50 في المائة بسبب النمو القوي الذي تتمتع به، وكذلك الزيادة الكبيرة في صافي تدفقات رؤوس الأموال إليها.
تليها السعودية التي ارتفعت حصتها بنسبة 0.49 في المائة بسبب الزيادة الكبيرة في احتياطياتها، ثم الصين والهند والبرازيل، التي ازدادت حصصها بسبب ارتفاع معدلات النمو في ناتجها المحلي الإجمالي، بينما استفادت باقي الدول، منها الإمارات بسبب تأثير عدد من المتغيرات المحددة للحصص.
أما بالنسبة لأكثر عشر دول تعرضت للخفض في حصصها فتتمثل في الولايات المتحدة واليابان اللتين خسرتا 0.83 في المائة و0.49 على التوالي، الذي يعود إلى تراجع دورهما في الاقتصاد العالمي، بينما تراجعت حصص فرنسا وألمانيا بسبب تراجع صافي تدفقات رؤوس الأموال، أما باقي الدول فيعود الانخفاض في حصصها إلى تراجع مجموعة متغيرة من العوامل المحددة للحصص.
وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن المراجعة الخامسة عشرة لإجمالي الحصص في الصندوق ستتم في كانون الثاني (يناير) 2013، التي بناءً عليها سيتم تقديم تصور حول مراجعة الحصص والقوة التصويتية في كانون الثاني (يناير) 2014 والمتوقع أن تسفر عنها زيادة أيضا في حصص الاقتصاديات الأكثر ديناميكية في العالم؛ وذلك بما يتوافق مع دورها في الاقتصاد العالمي في هذا الوقت.