عجز الإمداد يرفع سعر النفط بقيمة 20 دولارا – وماذا بعد؟

27/02/2011 0
ساكسو بنك

منذ اندلاع اعمال التوتر في شمال أفريقيا، بدأ سعر النفط في الصعود بقوة رغم أن إمداد النفط لم يتوقف إلاّ بصورة ضئيلة. إذ اكتنفت الأسواق حالة من عدم الثقة تكاد تتحول إلى حالة من الخوف تعمّ سائر أرجائها.

فما بدأ كأزمة غذاء في شمال أفريقيا دخل منطقة الخطر هذا الأسبوع مع انخفاض إمدادات النفط تزامناً مع اندلاع أعمال العنف في ليبيا. وكان من آثار ارتفاع أسعار الطاقة ارتفاع أسعار الغذاء، إضافة إلى ما يخلّفه هذا من آثار سلبية على توقعات النمو العالمي للعام 2011.

فسوق الأوراق المالية الأمريكي، الذي بدا حتى الآن شديد المرونة وسط تحسن في المؤشرات الاقتصادية وتسهيلات مستمرة من حيث الكم، تراجع لأول مرة منذ أغسطس بسبب الخوف من توقف إمدادات النفط وأثر هذا على الثقة في الأسواق. فارتفاع أسعار مصادر الطاقة يقلل من القوة الشرائية ويزيد من تكاليف الإنتاج التي تتكبدها الشركات وبالتالي تؤثر سلبا على أرباحها. وقد وجدت مؤسسة جي بي مورجان زيادة قدرها 10 بالمائة في سعر النفط مما يؤثر على النمو العالمي انخفاضا بنسبة 0.25 بالمائة تقريبا، علماً بأن الاقتصاديات الناشئة أكثر تعرضا لهذا الانخفاض.

أما النفط الخام فقد وصل إلى أعلى سعر له منذ ثلاثين شهرا مع اقتراب سعر خام برنت من 120 دولارا أمريكيا للبرميل أما خام غرب تكساس (WTI) فقد تجاوز 100 دولار مرة أخرى. وقد أدت الزيادة السريعة عبر هذه الفترة القصيرة إلى توقعات بوصول النفط إلى 150 دولار أو حتى 220 دولار. وبدأ السوق يتأثر بانتشار الأزمة الحالية في الشرق الأوسط، بينما اتجهت الاهتمامات صوب المملكة العربية السعودية وإيران اللتان تمثلان 15 بالمائة من حجم الإنتاج العالمي.

مواجهة انخفاض إمدادات النفط

نظرا لانقطاع الإمدادات من ليبيا حتى الآن، وفي ظل التوقعات بفقدان الكمية التي تنتجها ليبيا والبالغة 1.6 مليون برميل يوميا في الظروف الطبيعية بسبب المستقبل الغامض، فقد يكون لذلك أثر على إيجاد حالة من العجز وستكون هناك حاجة لسد هذا العجز من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لامتلاكهما معظم احتياطي دول الأوبك بواقع من أربعة إلى خمسة مليون برميل يوميا. ومع ذلك، فجودة النفط القادم من شمال أفريقيا تفوق ذلك الذي يتم إنتاجه في الشرق الأوسط وبالتالي لا يمكن استبداله مباشرة.

واللجوء إلى الاحتياطي بهذا المعدل سيقلل من قدرة دول الأوبك تعويض أي توقف إضافي في الإمداد في الشرق الأوسط. غير  إن الاحتياطيات العالمية ومستويات المخزون أفضل مما كانت عليه في العام 2008، عندما تجاوزت الأسعار 150 دولار للبرميل. عندها كان الدولار أضعف بنسبة 15 بالمائة من اليورو وأقوى بنسبة 25 بالمائة من الين الياباني مما جعل الصدمة التي شعر بها العالم هذه المرة مختلفة إلى حد ما. فعلى الرغم من أن أثر ارتفاع الأسعار على مدار فترة زمنية طويلة سيؤثر على العديد من الدول بنسب مختلفة، فإن التحليلات تظهر أن بعض الدول مثل الهند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية ستبدأ في الشعور بالأزمة عندما تتخطي الأسعار 110 دولارا للبرميل، بينما ستتأثر دول مثل ألمانيا والصين واليابان عندما يتجاوز السعر 120 دولارا للبرميل. وبالعودة للعام 2008، فإن سعر النفط الخام ظل ثابتا فوق 110 دولار للبرميل لمدة خمسة أشهر حيث بلغ معدله 125 دولار خلال تلك الفترة.

أداء السلع

تباين أداء السلع الأخرى بشدة حيث ارتفع مؤشر رويترز جيفريز سي آر بي بنسبة 3.5 بالمائة على مدار الأسبوع الماضي، إذ أثر عليه بشدة قطاع الطاقة نظراً لثقله الكبير في المؤشر. وقد نقل المستثمرون أرصدتهم إلى أصول أكثر أمنا وقللوا بذلك من تعرضهم للقطاعات الزراعية والسلع الاستهلاكية غير المعمرة. فالنحاس، الذي يعد مؤشرا عالميا للنمو، يعاني بسبب تراجع النشاط الاقتصادي.

أداء الفضة يتخطى الذهب

منذ اندلاع أعمال التوتر كان الرابح الأكبر من حيث زيادة السعر هو الفضة. فقد ارتفع سعر الفضة بنسبة 23 بالمائة خلال الشهر الأخير ليصل إلى أعلى معدل له خلال السنوات الثلاثين الأخيرة وتجاوزت الفضة الذهب من حيث الأداء بنسبة 18 بالمائة. وعلى الرغم من ارتفاع الذهب، إلاّ أن هذا يقل عن الارتفاعات التي شهدها في العام 2010 مع تواصل تدفقات الصناديق الاستثمارية التي يتم تداولها وكأنها أسهم في سوق الأوراق المالية (EFEs)     وسط شعور عام بالحاجة إلى تقليل التعرض. ويستحوذ الذهب على 59 بالمائة من جميع الأرصدة المستثمرة في المنتجات المتداولة بالسلع، وبالتالي، قد يكون عرضة لتلقي الصدمة في حالة تصاعد الخطر، وعليه سيحقق تقدما أبطأ إلى حد ما.

الزراعة تعاني مع ازدياد الخطر

رغم ازدهار قطاع الزراعة خلال المرحلة الأولى من أعمال التوتر في شمال أفريقيا ومصر على وجه الدقة، حدث الآن العكس حيث اقتصر الأمر على الطاقة بدلا من استقرار الغذاء. لكن، ما السبب في ذلك؟

لكي نفهم ذلك جيدا، يجب أن ننظر إلى الموقف على المدى الطويل أو أن ننظر إلى مكاسب الأسعار التي حققها مديرو صناديق التحوط وكبار المضاربين. فحتى الثلاثاء الماضي، اقتربت التعاقدات طويلة الأجل للقمح وفول الصويا والذرة من تحقيق مليون تعاقدا أكثر مما كانت عليه مع بداية فبراير. ومع انتشار الأزمة في مجمعات الطاقة وأثرها اللاحق على الأسواق المالية، بدأت هذه التعاقدات في التراجع كجزء من الحركة الشاملة تجاه تقليل المخاطر.

ولم تختف العوامل الأساسية التي أدت إلى ارتفاع الأسواق إلى معدلات تكاد تكون قياسية في الآونة الأخيرة لكنها تلقى تجاهلاً الآن. وما إن تنتهي هذه الموجة نحو تخفيف المخاطر، سيعود المشترون على الأرجح مع توقعات الإمدادات للعام 2011.

وقد يؤثر الجفاف الذي أصاب شمال الصين سلباً على إنتاج القمح بينما يهدد الجليد بالإضرار بهذا المحصول في روسيا. ستتواصل مشاكل الطقس وتتواصل معها مخاطر توقف الإمداد، وستكون في المحصلة العامل المؤثر على الأسعار. وفي تلك الأثناء، يعزز من ارتفاع أسعار الذرة وجود أقل مخزون له منذ 34 عاما مع زيادة الطلب على الإيثانول مع ارتفاع أسعار الجازولين.

وعلى الجانب الإيجابي من حيث الأمن الغذائي، تجدر الإشارة إلى أن سعر الأرز انخفض الآن بواقع 16 بالمائة عن الارتفاعات التي شهدها في بداية فبراير. وقد قالت الهند، ثاني أكبر منتج للأرز في العالم، أنها تضع في اعتبارها رفع الحظر على الصادرات لأنها تنتظر محصولا وفيرا.

الخلاصة

ستسهم المستويات الحالية من فائض النفط على تهدئة المخاوف الناجمة عن توقف إمداداته من ليبيا. وقد حاول كبار المنتجين مثل الولايات المتحدة ودول الأوبك والوكالة الدولية للطاقة "سكب النفط على الماء" في محاولة لتهدئة البحار الهائجة. والآن، يغذي خطر العدوى وتقليل الخطر الشعور بأن العالم قد يشهد فترة من التقلب المتزايد.