كثيرا ما كنا نسمع عن تردي الحالة الاقتصادية في مصر. وكيف كان المواطن المصري البسيط لا ينال من مقومات العيش إلا الحد الأدنى. ولما بدأت ثورة الشعب على النظام السابق كنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفا من اختلال الأمن. لأننا في الوطن العربي مررنا بتجربتين سيئتين في العراق ولبنان. تعلمنا منهما أن الخلل الأمني أسوأ من أي حكومة مهما كانت شيطانية مستبدة.
إنني أشكر الله تعالى على ما منّ به على أهل مصر من اتحاد الكلمة ونبذ الفرقة. ثم أشكر الرئيس السابق، حسني مبارك، والجيش المصري الذي وُفّـق لوضع ملامح الحكومة الانتقالية في الوقت المناسب بعد بداية الثورة (كما يحب أن يسميها أهلها).
ورغم ظهور بعض العناصر التي استغلت اختلال الأمن وانشغال الحكومة، إلا أنّ الشعب المصري أنفسهم هم من ضبط الأمن. ونظموا شرطة من المتطوعين حافظوا على أمن البلاد ومنعوا من تسول له نفسه العبث بأمن ومقدرات البلاد.
إنّ النضال السلمي للشعب المصري الذي هدف إلى تحسين أوضاعه المعيشية ثم رعايتهم للأمن أثناء عجز جهاز الشرطة عن ذلك وأخيراً تشكيلهم للحكومة الانتقالية وتأييدهم لأهدافها لمنظر من مناظر الحضارة ومفخرة من مفاخر العرب ومشهد من مشاهد الرقي والتقدم.
ما أجمل المنظر عندما انتهى الاعتصام واستقال الرئيس وأنت ترى أولئك الشبان والفتيات ينظفون ميدان التحرير. ولا عجب فهذه بلدهم ومسكنهم الكبير ولكن لم نتعود على هذا الرقي الحضاري في الوطن العربي.
إنّ مشاهد التكافل الاجتماعي وإعانة الضعيف ونصرة المظلوم وتوقير الكبير التي رأيناها أثناء النضال السلمي المصري لترجمة حقيقية للقيم الاجتماعية الافتراضية التي كانت تعرض في مسلسل باب الحارة. كنا نظن أن هذه القيم نُسيَت. لكن تفاجئنا وسعدنا ببقائها على مستوى دولة كاملة وليس على مستوى حارة صغيرة.
إن أهم مظاهر قوة الشعب المصري هو إنصهاره في الهوية الوطنية. ونبذ كل مظاهر العنصرية والطائفية والقبلية. فلم يحصل فيه ما حصل في غيره من البلاد العربية عندما سقطت رئاستهم تقسموا إلى شعوب وطوائف وتيارات. وكل تيار يوالي دولة معينة.
والآن حان الوقت لنتعلم من هذا الشعب أن بلدنا هي مصدر عزتنا وعنوان بقائنا. فنحب أهلها وقيادتها ونتفانى في خدمتها والرقي بها. وننبذ كل مظهر من مظاهر العنصرية والطائفية.