نظراً للسهولة والتسارع في انخفاض تكلفة النقل والتوزيع في العقود الثلاثة الماضية، باتت عملية التصنيع والاستثمار في منطقة جغرافية معينة واستهداف السوق الإقليمية لهذه المنطقة من الخيارات المطروحة بقوة على طاولة المديرين التنفيذيين وصناع القرار في الشركات المتعددة الجنسية.
فعند اتخاذ المستثمر الأجنبي لقرار استهداف سوق معينة (السوق الخليجية مثلاً)، يقوم المستثمر بعمل دراسات جدوى يتم فيها حساب مختلف الخيارات ومختلف الحوافز المتوافرة في كل دولة على حدة، وكيفية تعظيم الربح من اتخاذ القرار المناسب بخصوص موقع المنشأة أو الاستثمار، فهل يتم تعظيم الربح وتقليل المخاطرة باختيار موقع المنشأة ليكون في السوق الأكبر والكثافة السكانية الأعلى مع وجود بعض الحوافز وبعض المعوقات؟ أم هل يتم اختيار الموقع في مكان آخر، حيث توجد مميزات وعوائق أخرى والاعتماد على نظم النقل والتخزين للوصول إلى مناطق الكثافة السكانية؟ هنا، يقوم المستثمر الأجنبي بأخذ مختلف العوامل في الحسبان قبل أن يقرر أين سيكون منطلق عملياته الإقليمية، حيث إن للعوائق الإجرائية والبيروقراطية وغيرها قيمة مالية يتم تقديرها واحتسابها عند القيام بدراسات الجدوى الاستثمارية.
ولكون قرار تفضيل المستثمر الأجنبي لسوق على أخرى يكون مبنياً على كم كبير من المتغيرات، من المهم التأكد من صحة بيئة الأعمال والنظم والإجراءات والإحصاءات لتكون أكثر تنافسية إقليمياً ودولياً. فلبيئة الأعمال التي ينشط فيها الاستثمار الأجنبي المباشر أهمية كبرى، حيث إن المستثمر الأجنبي يعتمد في تعاملاته التشغيلية مع منشآت الأعمال المحلية لتوفير بعض مدخلات الإنتاج وعمليات الدعم بجانب الاعتماد في توفير البعض الآخر من مدخلات الإنتاج والدعم على الاستيراد من الخارج.
ولتحسين بيئة الأعمال وتهيئتها لتوفير المساندة التي يحتاج إليها المستثمر الأجنبي, تبرز الحاجة إلى التأكيد على سيادة القانون، الشفافية، ووضوح الأنظمة التي تحكم جميع تعاملات المستثمر، إضافة إلى العمل على تحفيز تعامل المنشآت المحلية مع نظيرتها الخارجية، وتحرير التجارة، وإلغاء التمييز ضد المستثمر الأجنبي في النظام الضريبي والفرص الاستثمارية المحلية والدخول في المناقصات والمشاريع المختلفة ليتساوى في المعاملات الاقتصادية والنظامية مع نظيره الوطني. فالمساواة في التعامل التجاري وتحرير الاستثمار مربوط بالتزامات المملكة وغيرها من الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، خصوصاً وأن انضمام المملكة للمنظمة جاء بعد مفاوضات شاقة تضمن المصلحة الاقتصادية الوطنية.
وعلى الرغم من وضوح عدد كبير من النظم والقوانين التي تحكم التعاملات التجارية والاستثمارية، إلا أن هذه الاتفاقيات قد لا تخلو من ثغرات تؤدي إلى تضرر أو عدم استفادة بعض المنشآت الوطنية وبالذات في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة كالحال في وجود مستثمر أجنبي لسلسلة من مطاعم الحمص أو «مخرطة» تعتمد على تقنيات بسيطة مرخص لها كمصنع لمستثمر أجنبي.
وفي الختام، بعد طفرة أسعار النفط والأداء الممتاز للمؤشرات الاقتصادية الكلية في السنوات القليلة الماضية، أصبح الاقتصاد السعودي والخليجي في قائمة المتابعة للمستثمر الأجنبي. بيد أن الاتحاد الجمركي الخليجي وسهولة الوصول إلى أي من أسواق الخليج بعد التمركز في أحدها يستدعي المنافسة الإقليمية. لذا، من المؤمل أن تأخذ استراتيجيات جذب الاستثمار في الحسبان عوامل المنافسة الإقليمية لجذب وإغراء المستثمرين الهادفين للربح أولاً وأخيراً، أي أن تكون الاستراتيجية مركزة وتتعامل مع دراسات الجدوى والمسح التي تقوم بها الشركات والمستثمرين العالميين قبل اتخاذ قرار الاستثمار.