المفاضلة بين استخراج البترول والاحتفاظ به تحت الأرض (1 - 2)

05/02/2011 7
د. أنور أبو العلا

في أحد السيمنارات التي كان يعقدها روبرت مابرو (حاصل على جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله للطاقة عام 2007) في جامعة اكسفورد عن البترول صادف ان كان بجانبي على طاولة العشاء أحد الموظفين في شركة البترول النرويجية فقلت له لماذا لا تخفض النرويج بترولها وتحتفظ به للمستقبل. فقال لي لماذا انتم لا تخفضون انتاجكم. قلت له نحن ليس لدينا دخل أّخر فلو خفضنا انتاجنا سنموت جوعا. يبدو انه اقتنع بكلامي فأشار إلي على رجل يجلس في طاولة امامنا وقال لي تحدث معه فعرفت انه ربما يكون رئيس - او على الاقل مسؤول كبير في - الشركة النرويجية.

تذكرت هذه الحادثة وأنا أسمع تحذيرات ارامكو بأنه لو استمر الاستهلاك المحلي للبترول ينمو بنفس المعدل الحالي فإنه سيصل الى أكثر من 8 (ثمانية) مليون برميل في اليوم عام 2030 ولذا ربما لن يتبقى من انتاج البترول (اّسف قصدي استخراج لأن البترول لا يمكن انتاجه) ما يمكن تصديره للخارج وبالتالي ستعجز وزارة المالية من الحصول على ايرادات الميزانية.

بعضهم (بعض هؤلاء البعض أكاديميون) يتصورون ان باستطاعة ارامكو ان تزيد انتاج (اقصد استخراج) البترول الى اكثر من 15 (خمسة عشر) مليون برميل في اليوم لتعويض زيادة الاستهلاك والتغلب على مشكلة عجز الايرادات ولا داعي للقلق والتشاؤم.

لو سلّمنا بصحة تقدير المهندس علي النعيمي (وهو لا شك انه اعرف الناس بأسرار ارامكو) ان البترول لدينا يكفي لمدة 80 (ثمانين) سنة حسب انتاجنا الحالي وهو (أي انتاج البترول في الوقت الحالي) وفقا لارامكو لا يتجاوز 8.5 (ثمانية ونصف) مليون برميل في اليوم فإن هذا يعني ان ارامكو لو مضت قدما في زيادة انتاجها الى 15 (خمسة عشر) مليون برميل (وفقا لتصريحات بعض المسؤولين في ارامكو) فإن بترول المملكة لن يكفي 40 (اربعين) عاما على أكثر تقدير.

هذا يقودنا الى سؤال يتردد كثيرا في ذهن كثير من الناس (لاسيما العقلاء) هو: هل الأفضل ترك البترول مخزونا تحت الارض؟ ام ان الأفضل استخراج البترول من تحت الأرض وتحويله الى نقود (ريالات ودولارات) للاستفادة من صرفها للعيش والاستمتاع بها فوق الارض.

النظرية الاقتصادية تفرّق بين الثروة (كالموارد الطبيعية) وهي مخزون Stock تتناقص بالاستهلاك User cost والناتج القومي (كصناعة السيارات وألعاب الأطفال والأجهزة المنزلية) وهي تدفق Flow يتجدّد كل سنة بسنة وفقا للنشاط الاقتصادي البشري في المجتمع.

كذلك تفرق النظرية الاقتصادية بين انواع الموارد الطبيعية الناضبة Exhausted (كالبترول والمعادن) والموارد الطبيعية المتجددة Renewable (كالاسماك والغابات).

لكل واحد من هذه الانواع الثلاثة (أي: الناتج القومي، والموارد الطبيعية الناضبة، والموارد الطبيعية المتجددة) نظرية اقتصادية مستقلة مختصة للتعامل معها.

فبالنسبة للناتج القومي (مجموع السلع والخدمات التي يصنعها الانسان) فان تعريفه وطريقة حسابه من اختصاص مبادئ النظرية الاقتصادية التقليدية التي تدرّسها الجامعات كمدخل عام لعلم الاقتصاد للطلاب المبتدئين (سواء الطلاب الذين سيتخصصون في الاقتصاد او طلاب التخصصات الاخرى الذين يسجلون لمجرد استكمال ساعات تخرجهم في الجامعة).

ولذا يبدو من المستغرب عندما يخلط (أي لا يعرف الفرق) بين الناتج القومي وهو تدفق Flow والثروة وهي مخزون Stock بعض الأكاديميين الذين اعتادوا ان يكتبوا في الصحف لدينا فيضللون القراء واصحاب اتخاذ القرارات غير المتخصّصين في الاقتصاد.

بينما الموارد الطبيعية فهي لا يصنعها الانسان ولكنه يستخدمها (يستهلكها) لذا فان طريقة التعامل معها تختلف عن طريقة تعامله مع السلع التي يستطيع ان يصنعها الانسان.

كذلك تفرّق النظريات الاقتصادية بين الموارد الطبيعية المتجددة (كخشب الغابات والاسماك) والموارد الطبيعية غير المتجددة (كالبترول والمعادن) ولكل واحد من هذه الموارد نظرية استغلال تختلف عن الأخرى توضّح طريقة الاستغلال الأمثل التي يجب ان يتبعها مالك المورد اذا اراد ان يحصل على أقصى منفعة من موارده الطبيعية.

الأسبوع القادم - ان شاء الله - سنحاول ان نعطي فكرة موجزة عن الفرق بين نظرية استغلال مورد طبيعي متجدد (يتوالد) كالسمك ونظرية استغلال مورد طبيعي غير متجدّد (ناضب) كالبترول ونحاول ان نجيب على سؤال هل الأفضل استخراج البترول او الاحتفاظ به تحت الارض.