تقرير مركز الجُمان للاستشارات الاقتصادية عن سوق الكويت للأوراق المالية

31/01/2011 0
مركز الجُمان

انخفض المؤشر الوزني لسوق الكويت للأوراق المالية بمعدل 0.7% لشهر يناير 2011 ، وبنصف انخفاض المؤشر السعري الذي كان بمعدل 1.4% ، وذلك استمراراً لنسق العلاقة الغير متجانسة ما بين المؤشرين التي سادت العام الماضي 2010، والمتمثلة في الأداء الضعيف للمؤشر السعري الذي يعكس أداء الأسهم الصغيرة ، بالمقارنة مع الأداء الجيد للمؤشر الوزني الذي يعبَر عن أداء الأسهم الكبيرة ، وتمثل البنوك معظم تلك الأسهم، حيث ارتفع مؤشر جلوبل لقطاع البنوك بمعدل 1.82% ، أي بما يفوق أداء المؤشر الوزني ، من جهة أخرى، ارتفع متوسط التداول اليومي لشهر يناير 2011 بنحو 20% إلى 40.2 مليون دك بالمقارنة مع 33.6 مليون دك للشهر السابق ( ديسمبر 2010 ) ، وتجدر الإشارة إلى أن أداء المؤشرين الوزني والسعري كان إيجابياً بمعدل 1.4 و0.3% على التوالي حتى يوم الأربعاء الموافق 26/01/2011 ، أي قبل بدء التداعيات السلبية على البورصة الكويتية وباقي البورصات العربية على خلفية التوتر الأمني والسياسي في مصر .

تحليل المعطيات

ونعتقد أن المعطيات الإيجابية أعلاه إيجابية بالإجمال ، وذلك عند تحييد أثر الوضع المفاجئ في مصر على بورصة الكويت ، حيث تلمّح المؤشرات أعلاه إلى استمرار عملية الغربلة والمتمثلة في مكافأة الأسهم الجيدة وهي الكبيرة في معظمها ، ومعاقبة الأسهم الرخيصة وهي المتباينة في الجودة ، وذلك رغم كون شريحة مهمة منها أسهم رديئة ، هذا فيما يتعلق بمعطيات المؤشرين الوزني والسعري ، أما فيما يتعلق بمتغيرات المبالغ المتداولة فهي إيجابية أيضاً ، حيث ارتفع التداول بمعدل 20% كما أسلفنا ، وهو ارتفاع حقيقي في معظمه ، أي أن جرعة التداول المصطنع منخفضة نسبياً بالمقارنة مع الوضع السابق ، مما يرفع من صدقية سوق المال الكويتي ، والذي من شأنه استعادة الثقة به ولو بشكل تدريجي وبطيء.

مؤشر "الجُمان" للثقة

وعلى أثر الإيجابيات أعلاه ، ارتفع مؤشر الجُمان للثقة نحو 1% خلال يناير 2011 إلى مستوى 52.32 نقطة مقابل 51.82 كإقفال للعام 2010 ، أي بزيادة مقدارها 0.5 نقطة ، وتعزز القراءة الأولية لمؤشر الثقة توقع الأداء الإيجابي للبورصة خلال فبراير ، حيث إن الهدف الأساسي من هذا المؤشر هو استشراف المستقبل ولو القريب ، وليس قياس الأداء التاريخي .

وبعد النشاط الملحوظ في تداول الشهر الأول (يناير) من العام الجاري 2011 ، نتوقع أن يستمر التداول نشطا للعام المذكور ، وأيضا متباينا من فترة لأخرى ، حيث نتوقع استمرار عملية الغربلة الصحية لأسعار الأسهم ، والتي بدأت بوضوح العام الماضي 2010 ، وأيضا نتوقع نجاح بعض محاولات إعادة جدولة أو هيكلة القروض ، كما لا نستبعد إيقاف مجموعة أخرى من الأسهم عن التداول لتعثر شركاتها ، وأيضا إعادة تداول أسهم تم إيقافها ، ولو بعدد أقل من المجموعة الأولى ، ناهيك عن عمليات التسييل الجبرية التي قد تنفذها بعض البنوك لاسترداد مديونيتها من بعض عملائها المتعثرين أو جزء منها على الأقل ، مما قد يضغط على الأسعار بأكثر من اللازم ولو مؤقتا ، كما نتوقع إعلان نوايا دمج متعددة ، ولكن مع تنفيذ القليل منها ، بالإضافة إلى عمليات السيطرة سواء المعلن عنها سلفا أو المفاجئة ، والتي تستفيد من إعادة هيكلة الملكيات على ضوء مستجدات مالية وقانونية متعددة من شأنها تفعيل التداول من وقت لآخر ولو بشكل متباين كما أسلفنا ، وذلك وفقا للمستجدات التي ستحفل بها الساحة البورصوية.

المساهمون " قوم ماكاري " !

لا شك أن هناك تقصير من قبل الجهات الرسمية الحكومية في التنظيم والرقابة فيما يتعلق بالاقتصاد عموماً ، وبسوق الكويت للأوراق المالية خصوصاً ، وهذا ما نتعرض له بشكل مستمر لأهميته من جانب ، ولتقديم الاقتراحات التي نراها مناسبة لإصلاح الوضع الفاسد من جانب آخر ، إلا أن ذلك الوضع لا تتحمل مسئوليته فقط الجهات الرسمية وحدها ، بل إن القطاع الخاص الكويتي ومساهمي الشركات التي تم إساءة إدارتها أو سرقة أصولها يتحملون قسطاً مهماً من المسئولية ، ولا نقصد هنا بالمسؤولين الفاسدين عن تلك الشركات ، فهذا مفروغ منه ، ولكننا نقصد هنا الشريحة العريضة من مساهمي الشركات المنكوبة ، سواء كانوا مُمثلين في مجلس الإدارة أو غير مُمثلين . ونعتقد بأن سكوت تلك الشريحة العريضة من المساهمين عن سوء إدارة شركاتهم وفساد القائمين عليها قد ساهم في تفاقم الوضع السلبي لتلك الشركات ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، فإن عدة شركات منهارة لا تستطيع حتى الوفاء بفوائد القروض لا أصل القروض ذاتها تتحمل مصروفات إدارية وعمومية غير مبررة ، من جملتها  المكاتب الفارهة والتضخم الوظيفي ، ناهيك عن الرواتب الكبيرة لقياداتها الفاسدة ، والتي تزيد أحياناً عن 20 ألف دك شهرياً للمسؤل الفاسد الواحد ، ناهيك عن المزايا العينية المتعددة.

إن هذا الوضع " المهزلة " للشركات المنهارة والفاسدين القائمين عليها ، يقابله شريحة عريضة من المساهمين بالتفرج وعدم الاكتراث إلا من رحم الله ، حيث ينطبق على تلك الشريحة القول أو المثل الكويتي القديم الجديد " قوم ماكاري " ، والذي يعني عدم المبالاة بالأمور الخطيرة والمصيرية ، والتي تضر بشكل كبير بمصالح المتفرجين غير المبالين في نهاية المطاف ، وهذا ما حدث فعلاً ، حيث تم نهب أموالهم وسرقة مدخراتهم وهم يشاهدون كافة فصول عمليات الإجرام المالي بأم أعينهم ، في حين يتقاضى مسؤولو تلك الشركات المنهارة رواتبهم السخية ويتمتعون بمزاياهم الفارهة دون حسيب أو رقيب !

تصفية قبل التصفية!

ونظراً لعدم محاسبة المسؤولين عن الشركات المنهارة واستمرارهم في عملهم كالمعتاد ، وأيضا نظراً لاحتمال حسم موضوع تلك الشركات ، سواء بالتصفية أو الدمج أو حتى التبخر بأي طريقة كانت ، فإن بعض هؤلاء المسؤولين بدؤوا بإجراءات تصفية استباقية قبل التصفية الرسمية ، وتتمثل عملية التصفية الاستباقية في نقل –  أو نهب بمعنى أدق – ما تبقى من أصول بعض الشركات ، وذلك بتحويلها إلى أسمائهم أو شركاتهم ، أو لأطراف ذات صلة بهم بشكل أو بآخر ، سواء دون مقابل ، أو بمقابل بخس لتغليف سرقة الشركات بصفقات صورية وشكلية ، وذلك حتى لا يجد الدائنون والمساهمون بعد نوم عميق –  أي موجودات ذات قيمة –  وهذا ما حدث فعلاً ، عندما سلّم أحد كبار مسئولي الشركات المدرجة والمنهوبة كامل موجوداتها إلى أصحابها في كرتون واحد لا أقل ولا أكثر ، وذلك بمراسم "رسمية واحتفالية" في أحد المخافر ، والتي نقلت وقائعها بعض الصحف بتاريخ 25/05/2010 .

خطوة إيجابية من وزارة التجارة

ورغم سيل الجرائم والفضائح ، إلا أننا نحاول دائما أن نلتمس نقاطا مضيئة ولو متواضعة للتحدث عنها والتعليق عليها ، وذلك حتى نخرج قدر الإمكان من دوامة اليأس والإحباط ، فقد نشرت بعض الصحف بتاريخ 6/1/2011 أخباراً عن وضع وزارة التجارة والصناعة شروطاً للشركات للتصرف بفوائض رؤوس أموالها ، وتعتبر تلك الشروط بمثابة معايير حوكمة أولية لتفادي سوء إدارة شريحة عريضة من الشركات لأموال المساهمين في أغراض غير التي تم تأسيس تلك الشركات من أجلها ، وتجدر الإشارة إلى أننا طالبنا في عدة مناسبات ومن خلال تقارير منشورة بضرورة التزام الشركات بأغراضها ، وأيضا حوكمة تصرفات القائمين عليها ، وغيرها من المواضيع التي شهدت فوضى عارمة خلال العقد الماضي.

وقد تناولت الشروط أعلاه عدة مواضيع مهمة مثل تحديد نسبة قصوى تبلغ 25% من رأس المال للاستثمار في الأسهم بواسطة مؤسسات متخصصة ، وكذلك ضوابط لرفع رؤوس الأموال بحصص عينية ، وأيضا ضرورة تقديم دراسة جدوى في حالة مضاعفة رأس المال أو أكثر ، ناهيك عن تحديد فترات زمنية وتواريخ محددة لبعض الاستحقاقات المهمة فيما يتعلق بجانب من المواضيع الحيوية الأخرى ذات العلاقة.

ولاشك بأننا نشجع تلك الخطوة – ولو أنها جاءت متأخرة جدا – من جانب وزارة التجارة ، وذلك كبداية لحوكمة عمل الشركات ، إلا أننا من خلال قراءة سريعة لما تم نشره بالصحف عن هذا الموضوع ، وجدنا بعض الثغرات ونقص جانب من النواحي الفنية المحاسبية والمالية الدقيقة لتفويت الفرص على التأويلات والتفسيرات التي قد يستخدمها المتلاعبون للإفلات من قواعد الحوكمة الجديدة ، ومن تلك الثغرات ، عدم تحديد نسب ومعايير للتمويل الخارجي ، أي الاقتراض من المؤسسات المالية ، وكذلك تحديد الهدف من استخدام تلك الأموال ، ناهيك عن حوكمة المخاطرة وآلية متابعتها ، وفوق كل ذلك مدى توفر فريق مهني مؤهل ماليا وقانونيا من جانب وزارة التجارة لمتابعة مدى التزام الكم الهائل من الشركات بمعايير الحوكمة بدقة ، وتنفيذ الجزاءات عند مخالفتها ، وغيره من الإجراءات اللاّحقة لإصدار أي تشريع أو تنظيم يعالج القصور في مواضيع فنية دقيقة وحساسة أيضاً .

موجة المشاكل والمحاكم !

بعد موجة الخسائر الفادحة التي ضربت شريحة عريضة من الشركات المدرجة اعتبارا من الربع الرابع 2008 واستمرت خلال عامي 2009 و 2010 ، نتوقع أن تنحسر هذه الموجة بدءا من العام الحالي 2011 ، ولكن لتبدأ موجة أخرى يمكن تسميتها بـ"بموجة المشاكل والمحاكم" ، والتي بدأت فعلا منذ العام الماضي 2010 ، وربما تكون ذروتها في 2012 ، ويمكن أن تستمر إلى العام 2013 وبعده أيضا ، وذلك لطول إجراءات التقاضي ودرجات المحاكم وتشعب القضايا وتشابكها وتعدد أطرافها.

ونأمل أن يتم تفعيل المحاكم المختصة بهيئة أسواق المال بكامل طاقتها بأسرع وقت ممكن ، وذلك للبت في سيل القضايا الحالية والمحتملة مستقبلا جراء حالة الفلتان والفوضى السائدة على مدى سنوات عديدة ماضية ، حيث إن المحاكم االتقليدية هي غير متخصصة في معظمها ، مما يتطلب إحالة المخاصمات إلى إدارة الخبراء ، والتي تأخذ وقتا طويلا في بحث ودراسة الحالات المطروحة لديها ، والذي يسمح بمزيد من التلاعب "وتضبيط الأمور" لإخفاء وطمس الحقائق والوقائع من جانب المشبوهين .

أزمة مصر  وبورصة الكويت

لا يخفى على أحد التطورات السياسية والأمنية الأخيرة في جمهورية مصر العربية وأثرها البالغ على سوق المال المصري ، حيث انخفض بمعدل 14% خلال يومي 26 و27/01/2011 ، وقد أثّر ذلك الأداء السلبي على باقي أسواق المال العربية ومنها بورصة الكويت خاصة يوم الأحد الموافق 30/01/2011 ، وما يعنينا في هذا المقام أثر الوضع في مصر على سوق المال الكويتي ، وأداء الشركات المدرجة به على وجه التحديد.

ولا شك بأن التداعيات السلبية على البورصات في مثل تلك الأحداث السياسية والأمنية يعتبر أمرا محسوما ومؤكدا، لكن النقطة المهمة من وجهة نظرنا هي درجة أو مقدار التأثر المناسب والمنطقي لتأثر البورصات بالأزمات ، وربما من شبه المؤكد أن درجة التأثر الأولية غالباً ما تكون مبالغا بها لعدة اعتبارات ، منها : أن حركة الأسهم تسبق الأحداث الفعلية ، وكذلك كون رأس المال جبانا بطبيعته ، ناهيك عن التطورات الإلكترونية والتقنية الجديدة وثورة الاتصالات ، والتي تفاقم من تأثر وتفاعل البورصات بالأحداث على اختلافها.

أما بالنسبة للشركات المدرجة الكويتية ، فهناك عدد منها لديه استثمارات في مصر ، ونعتقد أن عددها لا يزيد عن عشر ، ومعظمها متعرض جزئياً وليس كلياً لمتغيرات الوضع هناك ، وبالتالي ، فإننا نعتقد أن الأثر الاقتصادي الجوهري على سوق الكويت للأوراق المالية والشركات المدرجة به عموماً يمكن وصفه بالطفيف ، وذلك بخلاف الأثر النفسي الملحوظ ، والذي تم رصده خلال الأيام القليلة الماضية ، وعليه ، فإننا ندعو المتداولين في سوق الكويت للأوراق المالية إلى تغليب المنطق وجوهر الأمور لا قشورها ، وعدم المبالغة بالهلع والقلق بالتعامل مع مستجدات الوضع في مصر ، والذي لا يعني إلغاء حالة الحذر والترقب الذي نعتقد أن وجودهما منطقيين في ظل مثل تلك الظروف.