ارتفاع أسعار البترول (سلاح ذو حدّين)

18/12/2010 1
د. أنور أبو العلا

كلما أتابع أسعار البترول وهي تمشي الهوينى في طريقها التصاعدي الى الأعلى كي تتجاوز ال: 100 دولار للبرميل ينتابني - عفويا - شعور غامض يشدّني في اتجاهين متناقضين. أحد هذين الاتجاهين هو نوع من الارتياح والاطمئنان. أما الاتجاه الآخر فهو نوع من الضيق والانقباض.

السؤال الذي يواجهني بإلحاح هو: ماهو ياترى السر في هذا الشعور المتناقض الذي يجمع بين الضّدين الارتياح والانقباض في وقت واحد؟

و أخيرا توصّلت (رغم أنني لست مقتنعا به) الى الجواب التالي: الارتياح لأن ايرادات الميزانية ستزداد بارتفاع أسعار البترول ممّا سيدفع وزارة المالية الى أن تبحبحها مع الجيل الحالي فتزيد الرواتب والبدلات والمكافآت والقروض والإعانات. كما ستخفّض رسوم الجمارك والجوازات وتعفي مديني الصّندوق العقاري من ديونهم وتتساهل في المطالبة بتسديد الضرائب والزكاة.

أما الانقباض فلأن زيادة أسعار البترول ستدفع ارامكو الى الوفاء بوعودها للدول المستهلكة بزيادة انتاجها فينخفض عمر البترول ولا تبقي (بضم التاء) أرامكو شيئا للأجيال القادمة.

كثير من القراء سيقولون والله انك على نياتك يادكتور..! مين قال لك إن وزارة المالية تفكيرها عبيط كتفكيرك، الم تسمع وزارة المالية دائما تصرّح أنها تتبنى سياسة اقتصادية حكيمة طويلة المدى لا تهتم برفاهية الجيل الحالي وانما كل مايهمها التفكير فيه هو كيف يمكنها أن تكتنز قرش اليوم الأبيص لتتحاشى الوقوع - مرّة أخرى - في فخ الديّانة في اليوم الأسود.

أما أرامكو لا تخاف عليها - عمّك جمل - فلديها استراتيجية تسير عليها وفق جداول زمنية محدّدة (تحت رعاية واشراف وزارة التخطيط) فهي لن تُخرج (بضم التاء) آخر برميل بترول من حقل الغوار حتى تبدأ انتاج وتصدير أول برميل طاقة شمسية من حقول شمس الربع الغالي.

الحقيقة التي يجب أن لا تغيب عن بالنا أنه لا يوجد شيء يمكن أن يعوّضنا عن البترول فكل برميل ننتجه اليوم هو انخفاض في ثروة المملكة التي وهبها الله لسكان الصحراء.

هذا - بالتأكيد - لا يعني أنّني أدعو أرامكو الى تخفيض انتاج البترول الى حد الإضرار باقتصاد العالم ولكن بالتأكيد يعني أنه يجب على أرامكو أن لا تزيد انتاج البترول أكثر ممّا تحتاجه المملكة لتمويل تنمية مستدامة توفّر لقمة عيش كريمة لأجيالنا القادمة.

هل يوجد في كلامي تناقض؟ البعض سيقولون نعم كيف يمكن أن نحتفظ بنصيب أجيالنا القادمة من غير أن نخفّض (أو على الأقل لا نزيد) انتاجنا لنلبي احتياج العالم للبترول.

الجواب هو أن نشجّع (بل نحث) الدول الأخرى التي لديها احتياطيات كبيرة كالعراق وروسيا وفنزويلا وحتى كندا أن يشاركونا مسؤولية تمويل الاقتصاد العالمي مما يحتاجه من البترول.

ميزة بترول المملكة ليس في أنه أكبر احتياطي بترول في العالم فهناك بعض الدول تزعم أن لديها احتياطيات بترول أكبر من احتياطي بترول المملكة وانما ميزة بترول المملكة هو سهولة انتاجه (أي انخفاض تكاليف الاستخراج) وهذا هو السبب الذي جعل أكبر مايسمى الاحتياطي المؤكّد (أي الذي يمكن استخراجه اقتصاديا طبقا لسعر البترول الحالي) يوجد في المملكة.

ليس من صالح المملكة أن تكون هي الدولة الوحيدة التي تتحمل مسؤولية زيادة انتاج بترولها الناضب كلما ارتفعت أسعار البترول بحجّة سهولة استخراج بترولها وان تكاليف استخراجه منخفضة ولن يكلّف خزينة الحكومة توفير أموال من مصادر ايرادات أخرى كفرض الضرائب أو عن طريق الاقتراض من البنوك أو اللجوء الى الشركات الأجنبية لتمويل صناعة البترول وانما بإمكان ارامكو أن تموّل - ذاتيا - بالكامل توسيع طاقتها الانتاجية من ايرادات البترول.

الخلاصة:

يجب أن لا تتحوّل سهولة استخراج بترول المملكة من ميزة حباها الله لبترول المملكة الى حجّة لتبرير استنزاف بترولها سهل الاستخراج من أجل الحيلولة - مؤقتا - دون رفع أسعار البترول ومن ثمّ لن يمضي وقت طويل حتى ينتهي البترول السهل وترتفع تكاليف استخراج المتبقي فتتضاءل القيمة المضافة (أي الفرق بين تكاليف الاستخراج وسعر السوق) وبالتالي تفقد أرامكو الميزة النسبية التي يتميّز بها بترول المملكة الآن على بترول الدول الأخرى.

* رئيس مركز اقتصاديات البترول" مركز غير هادف للربح"