بمناسبة الذكرى 50 لتأسيس «أوبك» .. هل تتحكم السعودية في أسواق النفط العالمية؟ (15)

30/11/2010 1
د.أنس الحجي

نتج عن فشل نظريات الاحتكار المختلفة في تفسير سلوك ''أوبك'' وتغيرات إنتاج النفط وأسعاره قيام الباحثين بتقديم نظريات مختلفة. ومن أهم هذه النظريات أن ''أوبك'' ليست منظمة احتكارية، وليست منتجا مسيطرا في أسواق النفط العالمية، وبالتالي فإن وجودها مرتبط بعوامل أخرى لا تتعلق بالسوق النفطية العالمية وإدارتها. ويمكن تفسير سلوك السوق بنظريات أخرى منها أن المنتج المسيطر الذي يحدد السعر في أسواق النفط العالمية هو السعودية، ويستدلون على ذلك بشواهد عدة ستذكر أدناه.

ج ـــ السعودية كمنتج مسيطر: يفترض هذا النموذج أن ''أوبك'' ليست منظمة احتكارية ولا تسيطر على أسواق النفط العالمية، وأن المنتج الوحيد الذي يتمتع بقوة سوقية تمكنه من تحديد أسعار النفط وإدارة أسواق النفط العالمية هو السعودية، الأمر الذي يعني أن السعودية هي التي تتحكم في أسواق النفط العالمية. ووفقاً لهذا النموذج فإن بقية منتجي ''أوبك'' وخارج ''أوبك'' سواء، وينتجون حسب السعر الذي تحدده السعودية، ثم تقوم السعودية بإنتاج الفرق بين إنتاجهم والطلب العالمي على النفط. وقد يكون هذا النموذج هو أفضل نموذج لشرح سلوك ''أوبك'' والتغيرات في الإنتاج والأسعار خلال 40 عاما الماضية لأنه يتواءم مع النظرية الاقتصادية وتدعمه البيانات والتحليلات الاقتصادية. ويتم شرح التغيرات في الإنتاج والأسعار والطلب على النفط بشكل مماثل لنموذج ''أوبك'' كمنتج مسيطر والذي تم مناقشته في الحلقة قبل الماضية، إلا أن الفرق هو استخدام السعودية بدلا من ''أوبك''. وهذه بعض الأدلة التي تدعم هذا النموذج:

تشير البيانات إلى أن السعودية هي الوحيدة التي احتفظت بطاقة إنتاجية فائضة، وأنها الدول الوحيدة التي قامت بشكل طوعي في تخفيض الإنتاج عندما تطلب الأمر ذلك، وهذا على عكس دول ''أوبك'' الأخرى التي لم يحتفظ بعضها بطاقة إنتاجية فائضة على الإطلاق، بينما احتفظ البعض الآخر بكمية صغيرة، ولكمية محدودة من الزمن. حتى عندما ادعت بعض الدول تخفيض الإنتاج وزيادة طاقتها الإنتاجية الفائضة لم يكن ذلك بشكل طوعي وإنما نتج عن مشكلات فنية أو اقتصادية أو سياسية. وقد أسهم استخدام السعودية لطاقتها الإنتاجية الفائضة في تخفيض أسعار النفط بشكل ملحوظ أثناء الأزمات مقارنة بحالة عدم استخدامها.

تشير البيانات إلى أن التغير في إنتاج السعودية ارتبط بشكل عكسي مع التغير في إنتاج بقية دول ''أوبك'' في معظم الأحيان. هذا يعني أنه في الوقت الذي انخفض فيه إنتاج السعودية، ارتفع إنتاج دول ''أوبك'' الأخرى، والعكس بالعكس.

عندما تبنت ''أوبك'' نظام الحصص الإنتاجية في عام 1982، كانت السعودية هي الدول الوحيدة التي لم تخصص لها حصة إنتاجية كي تتمكن من تغيير إنتاجها حسب حاجة السوق لأنها، باعتراف المنظمة ودول ''أوبك'' أخرى، هي ''المنتج المتأرجح'' الذي يوازن السوق.

من المعروف في مبادئ الاقتصاد أن الطلب على بضاعة المنتج المسيطر الذي يسيطر على جزء من السوق يكون مرنا، وأن من صفات المنتج المسيطر في أي سوق أنه ينتج على الجزء المرن من الطلب على بضاعته. وكما رأينا في المقال الماضي فإن ''أوبك'' لا تنتج على الجزء المرن من الطلب على نفطها، الأمر الذي ينفي عنها صفة المنتج المسيطر ويمنعها من التحكم في أسواق النفط، ولكن التحليلات الإحصائية تشير إلى أن السعودية تنتج على الجزء المرن من الطلب على نفطها، الأمر الذي يعطيها قوة سوقية تمكنها من التحكم في أسواق النفط العالمية وفقا لنموذج احتكار القلة.

من الممكن أن تستمر السعودية في وضعها الطبيعي دون ''أوبك''، ولن تتأثر على الإطلاق في حالة تفكك المنظمة وانتهائها. إلا أن المنظمة ستنهار تماما دون السعودية. ويرى بعض الخبراء أن الخطأ الذي وقع فيه بعض الباحثين هو أنهم لم يفرقوا بين قوة السعودية وقوة ''أوبك''، وأن قوة ''أوبك'' التي تكلموا عنها هي في الحقيقة قوة السعودية. وبناء على هذا الرأي فإن ''أوبك'' ما هي إلا منظمة عالمية للتمويه عن اللاعب الحقيقي في أسواق النفط العالمية.

نقد نموذج السعودية كمنتج مسيطر 1 ــ يفترض هذا النموذج أن سلوك دول ''أوبك'' الأخرى مماثل لسلوك دول خارج ''أوبك''، وهذا أمر لا تؤيده البيانات والتحليلات الإحصائية والتي تشير إلى أن سلوك باقي دول ''أوبك: يختلف عن سلوك دول خارج ''أوبك''.

2 ـ لا يشرح هذا النموذج لماذا ضغطت السعودية على دول من خارج ''أوبك''، وخاصة روسيا والنرويج والمكسيك، للتعاون معها في تخفيض الإنتاج. ولكن يرد على هذا الانتقاد بأن هذا السلوك يمكن شرحه بالعوامل السياسية، خاصة أن هذه الدول وعدت بتخفيض الإنتاج ولكن بعضها لم يقم بتخفيضه فعلياً والبعض الآخر خفضه لأسباب فنية بحتة.

3 ــ تشير البيانات إلى أن هذا النموذج ربما لا ينطبق على أسواق النفط العالمية بعد 1999. فالبيانات تشير إلى تعاون وثيق بين السعودية وبعض الدول، خاصة الخليجية، على تخفيض الإنتاج. وعلى الرغم من أن البيانات توضح أن السعودية زادت إنتاجها في الربع الأول من عام 2003 في الوقت الذي انخفض فيه إنتاج دول ''أوبك'' الأخرى، إلا أن هذا التصرف يمكن تفسيره بالاحتلال الأمريكي للعراق، خاصة أن كل دول ''أوبك'' زادت إنتاجها فيما بعد.

4 ــ يرى بعض علماء السياسة أن هذا النموذج لا ينطبق على سلوك السعودية في أسواق النفط العالمية لأنه يتنافى مع الأهداف السياسية للسعودية. فهؤلاء العلماء يرون أن السعودية قد تتخلى أحيانا عن قيادتها لأسواق النفط العالمية لتحقيق أهداف سياسية تعظم من منفعتها. وتعتمد هذه النتيجة على نظرية مفادها أن لأي دولة نفطية تتمتع بقوة سوقية في أسواق النفط العالمية أهدافا منها تعظيم الثروة وتحقيق الأمن والاستقرار، وتعزيز الدور السياسي عالميا، إلا أن هذه الأهداف تنافس بعضها واختيار أي منها كأولوية يأتي على حساب الآخر. مثلا، تحقيق استقرار أمني قد يؤدي إلى عدم تعظيم الثروة. وبهذا فإن النموذج السياسي يعطي نتيجة مختلفة لسلوك السعودية عن النموذج الاقتصادي المبني على تعظيم الثروة أو الربح.

خلاصة الأمر أنه رغم قدرة هذا النموذج على شرح سلوك السعودية، إلا أن هناك ثغرات تتطلب نظريات جديدة لشرح سلوك أسواق النفط العالمية ككل، وهو الموضوع الذي سيتم التركيز عليه في الحلقات القادمة ـ إن شاء الله.