طالعتنا معظم الصحف الكويتية يوم الجمعة الموافق 26/11/2010 بـ مانشيت شبه موحد وهو: " الوضع المالي الكويتي أكثر من رائع " ، والذي تضمّنه تصريح محافظ المركزي الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح على هامش مشاركته في المؤتمر المصرفي السنوي العربي الذي انعقد في بيروت مؤخرا .
ولا شك بأن كلام المحافظ صحيح ، وذلك من حيث احتياطي بنك الكويت المركزي ، والملاءة المالية للدولة بشكل عام ، والذي يرجع بعد فضل المولى عز وجل إلى الطفرة في إيرادات الدولة على خلفية ارتفاع إنتاج الكويت النفطي وتحسن أسعار البترول ، كما أننا نحتاج من وقت لآخر إلى تصريحات مطمئنة من مسئولين كبار في الدولة لرفع الحالة المعنوية المتردية ، خاصة إذا كانت التصريحات مبنية على وضع حقيقي وأرقام لا يمكن الجدل حولها .
لكن الوضع " الرقمي " إن صح التعبير كما ذكره محافظ البنك المركزي ، هو المؤشر الإيجابي الوحيد أو من المؤشرات الإيجابية القليلة ، وذلك في مقابل معطيات سلبية عديدة وخطيرة تلف المشهد الاقتصادي للدولة ، ولن نسترسل في تعداد وتكرار المظاهر السلبية التي نعيشها بكل ألم يومياً ، إلا أننا نريد أن نقول لسعادة المحافظ وللجميع بأن وضع اللصوص في الكويت أكثر من رائع أيضاً ! ، حيث لا يخفى على أحد عدم وجود محاسبة جادّة للعابثين في الشركات والكيانات الاقتصادية ، وقد تمثل ذلك مؤخرا في فضيحة هروب اثنين من اللصوص، أحدهما كان مسؤولا في شركة مدرجة في سوق الكويت للأوراق ، أما الثاني، فكان في شركة غير مدرجة، والعجيب أن هذا حدث رغم صدور أحكام نهائية بالسجن ضدهما ، ومطالبتهما بسداد الملايين من الدنانير الكويتية ، وأيضا رغم صدور قرارات منع سفرهما من منافذ الدولة ، إلا أنهما هربا بتقصير سافِر وواضح من الجهات الرسمية المعنية ، ولا يستبعد أنهما كسرا قوانين الدولة بكل ثقة واطمئنان ، وهربا بأمن وسلام ، وذلك لينضما إلى " كوكبة " اللصوص والمجرمين الكويتيين الفارين من تنفيذ الأحكام القضائية .
فعلا، لقد أصبح هناك خوف للغاية من الوضع " البالغ الروعة " للّصوص ، في مقابل الوضع " الرائع " من الناحية المالية للدولة على حد قول محافظ البنك المركزي ، ويتمثل الوضع الخطير والمخيف في أن بعض " المؤتمنين " على بعض الشركات يقومون بنهبها جهارا نهاراً ، في حين لا يملك المنكوبون من عمليات النهب المنظمة إلا التقدم بالشكاوى لدى المحاكم ، وبعد جهد كبير ووقت طويل ومصاريف طائلة، يتم إثبات التهم على عدد قليل جداً من المشبوهين ، ويتم تجريمهم بشكل نهائي ، كما تتخذ ضدهم جميع الإجراءات الاحترازية من منع سفر وخلافه ، إلا أنهم يهربون تاركين وراءهم المصائب المالية والأمراض البدنية والآلام النفسية ، وفوق كل هذا يخلفون وراءهم حالة من اليأس والإحباط من مساءلة المثخنين في الوطن والمواطنين إجراما وفساداً ، مما يهدد السلم الأهلي والأمن الاجتماعي ، وهما من أهم مقومات الدولة .
لا شك بأننا لا نحمل المحافظ مسئولية ذلك ، كون البنك المركزي وقطاع البنوك في وضع لا بأس به بشكل عام ، لكننا أردنا تسليط الضوء على الجانب المظلم والواسع الذي نعيشه يومياً ، وذلك بشكل متوازٍ مع الجانب المشرق الذي تحدث عنه المحافظ ، حتى وإن كان ضيقا ، حيث نتمنى أن يكون وضع بلدنا أكثر من رائع في معظم المجالات وليس بالضرورة جميعها وذلك لنكون منطقيين ، وأن لا يقتصر جانب " الروعة " على نطاق ضيق ومحدود ، والذي ربما ينقلب بشكل مفاجئ إلى عكس ذلك ، بفعل وضع اللصوص القائم والأكثر من رائع ! ... والله المستعان.