بدأت عملية جني الأرباح داخل الأسواق الرئيسة في ظل استعادة الدولار الأمريكي لبعض القيمة التي فقدها وظهور تكهنات باعتزام بنك الصين زيادة معدلات الفائدة مرة ثانية. وعاودت المخاوف بشأن الديون السيادية الظهور على الساحة لتنال من منطقة اليورو مع تعرض البلدان الأقل نمواً لخسائر كبيرة في سنداتها الحكومية حيث زادت فوارق العوائد من سندات الحكومة الألمانية زيادة كبيرة. وقادت الجدوى الائتمانية لسندات الحكومة الأيرلندية -ذات العائد على عشر سنوات والتي ارتفعت كثيراً قبل أن تهبط مرة ثانية يوم الجمعة خلال مناقشات الاتحاد الأوروبي- إلى البدء في إجراء عملية إنقاذ مثل العملية التي بدأت في اليونان في فترة مبكرة من هذا العام. كما أسفرت المخاوف التي أحاطت باليورو إلى عودة ارتفاع الدولار الأمريكي الذي بيع قبل إعلان بنك الاحتياطي الفيدرالي عن إجراء تيسير كمي.
أخفق الدولار الذي أصبح قوياً في إيقاف حالة النشاط التي شهدتها السلع حتى عملية التيسير الكمي الثانية وبعدها. إن الأمر الذي غير هذا الاتجاه، في الوقت الراهن على الأقل، هو وجود قراءة قوية أخرى حول التضخم في الصين. وقد أسفر هذا، خلال يوم الجمعة، عن انخفاض بنسبة 5.2 في المائة لمؤشر بورصة شنغهاي، إذ ظهرت تكهنات بأن بنك الصين يعتزم زيادة أسعار الفائدة مرة ثانية، الأمر الذي سيؤدي إلى تباطؤ حركة النشاط الاقتصادي ويحول دون حدوث نشاط في قطاعات معينة مرة أخرى.
ومن العوامل التي أثرت على السلع خلال هذا الأسبوع جولة الزيادات في الهامش التي فرضتها البورصات الأمريكية وتأثرت بها سريعاً الفضة والسكر حيث زاد الهامش بمعدل يتراوح ما بين 30 إلى 65 في المائة على التوالي. كما هبطت الفضة بمعدل 11 في المائة إثر هذه الأخبار، وهبط السكر كثيراً بمعدل 14 في المائة، إذ تم خفض حجم مراكز المضاربة الطويلة للوفاء بالزيادة في مبالغ الهامش.
ولا يزال الوقت مبكراً للتكهن إن كانت هذه الأحداث ستضع نهاية لسيناريو هذا العام الذي يدفع إلى البعد عن المخاطر أم لا. إلا أنها برغم ذلك قد تغير من وجهات نظر المستثمرين في أسواق محددة حيث يعود البعض منها بدون شك إلى الرغبة العامة في الابتعاد والتحوط من هبوط الدولار الأمريكي. وشهدت بعض السلع ارتفاعاً في الأسعار لم يصل إلى السلع الأساسية مما قد يكون له عواقب. أما السلع الأخرى فسيزداد سعرها سريعاً بصورة نسبياً وستمنح المستثمرين فرصة أخرى لاستخدام المراكز الطويلة.
ووقت كتابة هذه النشرة، هبط مؤشر "رويترز جيفريز سي آر بي" بنسبة 0.7 عما كان عليه خلال الأسبوع، حيث بدأ قطاع الزراعة في جني أرباح السكر والأرز والذرة. وأظهر قطاع الطاقة مستوى قوي في فترة مبكرة، بيد أنه بدأ في جني الأرباح رغم إجراء عملية سحب أخرى من المخزون الأمريكي. وشهد النحاس أسبوعاً جيداً رغم المخاوف ذات الصلة بارتفاع الفائدة الصينية، الأمر الذي قد يقلل من الطلب داخل أكبر بلد مستهلك للنحاس في العالم.
وقفز الذهب والفضة إلى مستويات جديدة، إذ بلغا 1.425 و29.36 قبل أن تطلق العوامل السابقة الذكر جولة لجني الأرباح. واتسم هذا الأسبوع بصفة عامة بزيادة التقلبات خلال اليوم، وازداد الحال سوءاً يوم الثلاثاء. ولا أحد يدري ما إن كانت زيادة التقلبات هذه تمثل إشارات مبكرة على إقفال مراكز في نهاية العام أم لا. لم نشهد أية مستويات دعم كبيرة في الوقت الحالي، إلا أننا سنتابع عن كثب الدعم عند 1315 بعدما كان 1350 للذهب.
وارتفع سعر النفط الخام إلى 88.63، وهو سعر لم يصل إليه منذ عامين، وواصل النشاط الذي بدأ الأسبوع الماضي عندما قام وزير النفط السعودي بتغيير المستوى الأعلى للأسعار ليصل إلى 90 دولاراً أمريكياً بعدما كان 80 دولاراً أمريكياً في السابق. وسجلت جميع مراكز المضاربة الطويلة في النفط الخام التي يمتلكها مدراء الأموال كصناديق التحوط وصناديق السلع المشتركة ومستشاريو المتاجرة بالسلع رقماً جديداً اعتباراً من الأسبوع الماضي ومن المتوقع أن تستمر في الزيادة أكثر خلال هذا الأسبوع.
وتأتي القوة التي اكتسبها الدولار الأمريكي وإجراء الصين لفرملة اقتصادية في وقت يشهد مراوغات وتقلبات وتزداد مخاطر المراكز التي تم خفض حجمها. وجاء الدعم أيضاً من أخبار السلع الأساسية التي أشارت إلى أن المخزون الكبير في الولايات المتحدة قد بدأ في الانكماش، الأمر الذي يفسح المجال أمام حدوث زيادة أكبر في الأسعار خلال العام القادم مع استمرار تحسن المشهد الاقتصادي العالمي.
ولا يتوقع حدوث تغييرات كبيرة في المراكز، إلا إذا هبط السعر إلى ما دون 84.50، الأمر الذي قد يعطي إشارة إلى العودة إلى نطاق الأسعار الذي كان سائداً خلال شهر أكتوبر وكان يتراوح ما بين 80 إلى 85 دولاراً أمريكياً. فتغيير الحاجز إلى 90 دولاراً أمريكياً هو المسؤول عن حدوث التراجع الذي بلغت نسبته 50 في المائة عن مبيعات 2009/2008.
ودخلت أسواق الحبوب الأمريكية هي الأخرى في عملية جني الأرباح هذا الأسبوع. وقد بدأت هذه العملية رغم تقرير وزارة الزراعية الأمريكية الذي أصدرته في فترة مبكرة من الأسبوع وتطرق مرة ثانية إلى عملية خفض الإنتاج. وتوقف نشاط الذرة عند 6.17 دولار أمريكي للبوشل مع بدأ عملية جني الأرباح. وبصرف النظر عن تأثير الدولار الأمريكي، فقد ساعد في ذلك أيضاً وجود اعتقاد بأن المزارعين الأمريكيين قد يقومون بتعزيز زراعاتهم خلال العام القادم، وهو ما أزال المخاوف العالمية بشأن العرض. وتتوقع وزارة الزراعة الأمريكية حدوث عجز في الإنتاج العالمي بمعدل 18.8 مليون طن خلال هذا العام. ويتمثل أكبر تهديد للأسعار الحالية في استمرار مراكز المضاربة الكبيرة التي تتضمن ما يزيد على ملياري بوشل وقد تبدأ في عملية البيع إذا قرر أصحاب المراكز الخروج منها قبل نهاية العام.
ومن الناحية الفنية، ينبغي أن تجد عقود الذرة تسليم مارس سبيلاً للوصول إلى 5.40 حتى يتم سد الفجوة التي نتجت عندما ارتفعت أسعار السوق مرة ثانية في أكتوبر.
وبدأ الصعود الرأسي الذي شهده السكر على مدار الأشهر القليلة الماضية في التوقف يوم الخميس، إذ رفعت بورصة العقود الآجلة الأمريكية هامش الاحتفاظ بعقود آجلة في السكر بمعدل 65 في المائة. ويأتي ذلك بعد نشاط بلغ 130 في المائة بدءاً من شهر مايو وأدى إلى حدوث زيادة في الأسعار بما جعلها تسجل رقماً جديداً حيث بلغت 33.40 سنتاً للرطل. كما أدى طلب المستهلكين النشط بالإضافة إلى المخاوف التي تكتنف نوايا الهند بشأن التصدير إلى أن أصبح المشترون يتحدثون في أسعار أعلى من ذلك جراء مخاوفهم. وقد أعاد هذا التغير في الاتجاه، الذي حدث على مدار بضع ساعات والبالغ نسبته 17 في المائة، إلى ذاكرة المستثمرين مرة ثانية المخاوف المتعلقة بالسيولة التي ترافق الاستثمار في هذه الأسواق.
ما طار طير و أرتفع إلا كما طار وقع. حكمة قالتها العرب قديماً لم و لن ندركها.
أتوقع وصول الذهب لـ 2000 دولار للأونصة ..