تميزت الفترة بين 2006 و2010 بارتفاع أسعار النفط إلى مستويات تاريخية ثم انهيارها بسبب الأزمة المالية والكساد الذي تلاها، ثم تضاعفها إلى نحو 70 ــ 80 دولارا للبرميل حتى أثناء فترة الكساد. وأرشيف جريدة ''الاقتصادية'' يحتوي على عشرات المقالات التي تركز على هذه الفترة الزمنية, التي تشرح بالتفصيل أسباب ارتفاع أسعار النفط وانهيارها ثم ارتفاعها مرة أخرى.
قامت ''أوبك'' بتغيير سقف الإنتاج عدة مرات خلال تلك الفترة، سواء بالتخفيض أو بالرفع حسب فهمها وتوقعاتها لأسواق النفط العالمية، إلا أن دور ''أوبك'' في رفع الأسعار أو منعها من الارتفاع محل خلاف كبير بين الخبراء والسياسيين ومسؤولي ''أوبك''. ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أن لـ ''أوبك'' دورا في ارتفاع الأسعار بسبب عدم استثمارها بشكل كاف وتخفيضها للإنتاج وانخفاض صادراتها، يرى مسؤولو ''أوبك'' أن السبب الرئيس لارتفاع الأسعار هو المضاربات، لدرجة أن بعضهم ذكر أن أثر المضاربات يصل إلى 50 دولارا للبرميل.
لكن لو نظرنا إلى الفترة ما بين 2003 ومنتصف عام 2008، وهي فترة ارتفاع الأسعار، وركزنا على الحقائق فقط، دون التركيز على الآراء والتحليلات لوجدنا ما يلي:
1- استمرار الطلب العالمي على النفط بالنمو في الوقت الذي بقي فيه الإنتاج العالمي ثابتا نوعا ما. هذا يعني أن الحل الوحيد لمقابلة الطلب المتنامي على النفط هو استخدام الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى ''أوبك''. ولما تلاشت الطاقة الإنتاجية الفائضة، شهدنا الانفجار الكبير في أسعار النفط. وإذا نظرنا إلى بعض التفاصيل نجد أن الإنتاج العالمي من النفط انخفض بمقدار 266 ألف برميل يوميا عام 2006 وبمقدار 460 ألف برميل يوميا في عام 2007، في الوقت الذي ارتفع فيه الطلب العالمي على النفط بنحو مليوني برميل يوميا خلال تلك الفترة. الفرق بين المعروض والمطلوب جاء على حساب الطاقة الإنتاجية الفائضة. لكن تلاشي الطاقة الفائضة أسهم في تخفيض إنتاج ''أوبك'' فيما بعد. مثلا، هبط إنتاج منظمة الدول المصدرة للبترول من النفط الخام بمقدار 280 ألف برميل يومياً عام 2006، ثم 381 ألف برميل يومياً عام 2007.
2- أسهم الإنتاج المنخفض وزيادة الاستهلاك المحلي في الدول المنتجة للنفط في دفع صافي صادرات منظمة الدول المصدرة للنفط إلى الهبوط بمقدار 1.8 مليون برميل يومياً تقريباً في عامي 2006 و2007، وذلك بعد أن زاد بمقدار 4.8 مليون برميل يومياً تقريباً أثناء الفترة 2002 - 2005. وتشير البيانات إلى أن كبار منتجي النفط ينضمون إلى كبار مستهلكي النفط في نمو معدلات الاستهلاك بنسبة تجاوزت 5 في المائة سنوياً.
3- فترة ارتفاع الأسعار، خاصة النصف الأول منها، كانت الفترة الوحيدة في التاريخ التي استمرت فيها أسعار النفط في الارتفاع في الوقت الذي ارتفعت فيه معدلات النمو الاقتصادي والدخول ومعدلات الاستهلاك والإنفاق الحكومي والإنفاق العسكري، في الوقت الذي انخفض فيه الدولار وأسعار الفائدة (والضرائب في الولايات المتحدة). وجود هذه الأمور معا منع ارتفاع أسعار النفط من التأثير في معدلات النمو الاقتصادي، وبالتالي منع ارتفاع الأسعار من التأثير سلبياً في الطلب. هذا لا يعني أن الأسعار المرتفعة لا تؤثر سلبا في النمو الاقتصادي، وإنما يعني أنها لا تؤثر سلبا ضمن شروط معينة.
4- استمرار انخفاض الدولار في تلك الفترة أسهم في زيادة الطلب على النفط في الدول التي ارتفعت عملاتها مقابل الدولار، في الوقت الذي انخفض فيه الإنتاج نسبيا مقارنة بحالة ارتفاع أسعار النفط دون انخفاض الدولار.
5- كان الفارق بين الناتج الفعلي وتوقعات السوق سبباً في تضخيم التأثير الذي خلفه انخفاض معدلات الإنتاج. على سبيل المثال، تكهنت التوقعات في نهاية عام 2006 بزيادة في إنتاج النفط على مستوى العالم مقدارها 1.8 مليون برميل يومياً عام 2007، لكن الإنتاج انخفض بمقدار 460 ألف برميل يومياً. وإذا وضعنا في الحسبان الزيادة التي افتقدتها السوق, فهذا يعني أن الانخفاض الافتراضي بلغ 2.26 مليون برميل يومياً وليس الانحدار الفعلي بمقدار 460 ألف برميل يومياً، وردة فعل الأسعار كانت على الفرق الافتراضي وليس الفعلي.
6- هذه العوامل، إضافة إلى انهيار أسواق العقار والأزمة المالية، زادت المضاربات بشكل عام في كل المعادن والموارد الطبيعية، بما في ذلك النفط. إلا أنه من المعروف أن دور المضاربين يكون دائما على المدى القصير وأثرهم يقتصر على زيادة ذبذبة أسعار النفط, لكنهم لا يستطيعون التأثير في متوسط الأسعار، كما أن المضاربات لا يمكن أن تحدد اتجاه أسعار النفط على المدى الطويل. هذا يعني أنه لا يمكن للمضاربات أن ترفع الأسعار لمدة خمس سنوات مستمرة. وتشير التحليلات الإحصائية، التي أجراها العديد من الخبراء بشكل مستقل وفي مناطق مختلفة من العالم، إلى أن أسعار النفط ترتفع أولا، ثم ترتفع المضاربات، وليس العكس. نظريا، ترتفع المضاربات بناء على معلومات معينة. هذا يعني أن هذه المعلومات هي التي تسهم في رفع الأسعار، وليس المضاربات.
أسواق النفط في الشهور الأخيرة منذ نحو خمسة أشهر، استغرب البعض تراوح الأسعار حول 70 دولارا للبرميل في ظل الانتعاش البطيء في الاقتصاد الأمريكي وأزمة الديون في أوروبا وارتفاع مستوى المخزون في أوروبا والولايات المتحدة، وبناء على هذه المعلومات قررت ''أوبك'' مرة بعد مرة إبقاء السقف الإنتاجي على حاله، لكنها تغاضت عن تجاوز الحصص الإنتاجية الذي وصل إلى مليوني برميل يوميا. وفسر البعض أسعار النفط المرتفعة في ظروف صعبة كهذه بالمضاربات, إلا أن البيانات تشير إلى انخفاض المضاربات بشكل كبير في تلك الفترة، خاصة أن توقعات النمو في الطلب لم تبشر بخير ولم يكن هناك أي حوافز للمضاربات. إذا ما سبب بقاء أسعار النفط مرتفعة، ثم ارتفاعها إلى 87 دولارا للبرميل عند كتابة هذا المقال؟
هناك أسباب عدة ووجيهة منها أن جزءا كبيرا من الزيادة في إنتاج ''أوبك'' تم إحراقها في محطات الكهرباء في دول ''أوبك''، كما أن انقطاع الكهرباء أسهم في زيادة التوليد الخاص للكهرباء، كما أسهم في زيادة استهلاك البنزين كون السيارة هي أبرد مكان في تلك الفترات، الأمر الذي يعني أن جزءا كبيرا من الزيادة في الإنتاج خلال أشهر الصيف لم تترجم في أرض الواقع إلى زيادة في الصادرات. إضافة إلى ذلك فإن العلاقة العكسية بين المخزون وأسعار النفط ضعفت منذ بداية الكساد لأن قوتها تعتمد على نمو الطلب. بعبارة أخرى، العلاقة بين المخزون والأسعار فقدت قيمتها ويجب التركيز على العوامل الحقيقية المتمثلة في ''الصادرات'' من جهة، واستهلاك الصين والهند ودول ''أوبك'' من جهة أخرى، بدلا من التركيز على ''الإنتاج'' في دول ''أوبك'' و''المخزون'' في أوروبا وأمريكا الشمالية.
مقال جيد .... على فكره مازلت بانتظار ردك على الايميل بخصوص استفساري وشكرا