شهدت الفترة بين عامي 2003 و2005 ارتفاعا كبيرا في أسعار النفط, حيث بلغت الزيادة نحو 25 دولارا للبرميل، كان أغلبها في عام 2005. وارتفعت أسعار النفط لأسباب عدة أهمها اقتناع التجار في أسواق النفط العالمية بأن الولايات المتحدة تستعد لغزو العراق، وقيام ''أوبك'' بتخفيض الإنتاج ثم تلاشي الطاقة الإنتاجية الفائضة مع زيادة الإنتاج، والأعاصير في خليج المكسيك، إضافة إلى عوامل أخرى مثل نمو الطلب على النفط، خاصة في الصين، والزيادة الإضافية في الطلب على النفط الناتجة عن العجز في توليد الكهرباء.
2003 وغزو العراق لا شك أن التحضير لغزو العراق أسهم بشكل كبير في رفع أسعار النفط في بداية عام 2003، إلا أن هناك أسباباً أخرى أسهمت في ارتفاع أسعار النفط منها توقف إنتاج النفط في النرويج لأسباب فنية والإعلان رسميا عن انخفاض إنتاج النفط الفنزويلي بنحو 400 ألف برميل يوميا. ونظرا للاستعداد الكبير للغزو، وقيام الشركات والمضاربين بتخزين النفط بكميات كبيرة، فإن أسعار النفط انخفضت مع الاجتياح الأمريكي للعراق، بعد أن كانت مرتفعة فترة طويلة. وكانت الكويت قد أعلنت قبل الاجتياح بيوم أنها زادت إنتاجها بمقدار 300 ألف إلى 350 ألف برميل يومياً لمنع أسعار النفط من الارتفاع بشكل كبير بسبب الاجتياح الأمريكي للعراق.
2004 وزيادة الطلب في الصين استمرت أسعار النفط في الارتفاع عام 2004 بشكل فاق كل التوقعات, وذلك بسبب نمو الطلب العالمي على النفط بشكل فاق كل التوقعات، خاصة في الصين، وبعض العوامل السياسية مثل تهديد الرئيس الفنزويلي هيوجو شافيز بقطع الإمدادات النفطية عن الولايات المتحدة, وتفجيرات أنابيب النفط بشكل متكرر في العراق والتفجيرات في السعودية، والقلاقل السياسية في نيجيريا. كما أسهم إضراب عمال النفط النرويجيين في رفع أسعار النفط في بداية صيف 2004، بإضافة إلى إعصار إيفان في خليج المكسيك. وأسهمت قضية الشركة الروسية يوكوس في تخفيض الإنتاج الروسي وزادت المخاوف من عدم تمكن الشركات الأجنبية من زيادة إنتاج النفط الروسي. ويذكر أن كل توقعات الطلب على النفط كانت أقل من الواقع بنحو 1.5 مليون إلى مليوني برميل يوميا.
وكانت ''أوبك'' قد توقعت بشكل خاطئ انخفاض الطلب على النفط فقررت في شباط (فبراير) تخفيض الإنتاج ابتداء من نيسان (أبريل) وطالبت الدول الأعضاء بالالتزام بالحصص الإنتاجية. ونتج عن انخفاض المعروض وزيادة الطلب ارتفاع شديد في الأسعار, التي ارتفعت أكثر من 20 دولارا للبرميل، ثم انخفضت قليلا بعد ذلك. ومع وصول أسعار النفط إلى 40 دولارا طالبت السعودية بقية أعضاء ''أوبك'' برفع الإنتاج في أيار (مايو)، لكنهم رفضوا. على أثر ذلك قررت السعودية زيادة إنتاجها بغض النظر عن ''أوبك''. واجتمعت ''أوبك'' في بيروت في حزيران (يونيو) وقررت رفع سقف الإنتاج بمقدار مليون برميل يوميا، ثم زيادته مرة أخرى بمقدار 500 ألف برميل يوميا ابتداء من أول آب (أغسطس)، لكن المحللين رأوا أنه تحصيل حاصل لأن دول ''أوبك'' قامت بزيادة الإنتاج والقرار يجعل هذه الزيادات قانونية. ولما استمرت الأسعار في الارتفاع أعلنت السعودية أنه بإمكانها زيادة الإنتاج بنحو 1.3 مليون برميل يوميا. وفي نهاية العام طالبت ''أوبك'' أعضاءها بالالتزام بخصصهم الإنتاجية، الأمر الذي عني تخفيض الإنتاج.
2005 والأعاصير في خليج المكسيك ارتفعت أسعار النفط عام 2005 لأسباب عدة أهمها الأعاصير في خليج المكسيك، رغم زيادة دول ''أوبك'' للإنتاج بشكل مستمر، ورغم استخدام الحكومة الأمريكية للاحتياطي الاستراتيجي. وكان أهم هذه الأعاصير دينيس وإيميلي وكاترينا وريتا.
ويتمثل أثر الأعاصير في أسواق النفط العالمية في ارتفاع أسعار النفط نتيجة في العوامل التالية:
1- انخفاض الإمدادات مؤقتاً بسبب إخلاء المنصات البحرية وتوقف عمليات الإنتاج.
2- انخفاض الإمدادات مؤقتاً بسبب تأخر حاملات النفط في الوصول إلى الموانئ الأمريكية, خاصة من فنزويلا ودول أمريكا اللاتينية.
3- تخوف التجار من تدمير الإعصار لمنصات الإنتاج وأنابيب النفط والغاز.
4- انخفاض الإنتاج فترة طويلة من الزمن بسبب تدمير الأعاصير لمنصات الإنتاج والأنابيب.
ومن الواضح أن أثر العوامل الثلاثة الأولى يقتصر على المدى القصير فقط بينما يرفع العامل الرابع أسعار النفط على المدى الطويل بسبب تدمير الطاقة الإنتاجية والطاقة الاستيعابية للأنابيب. نتج عن إعصاري كاترينا وريتا انخفاض إنتاج النفط الأمريكي بمقدار 26 في المائة والغاز بنسبة 18 في المائة، كما خفض إنتاج المصافي بمقدار 17 في المائة. وكانت أسعار النفط قد ارتفعت إلى 70 دولارا للبرميل حتى قبل وصول كاترينا للشواطئ الأمريكية واستمرت في ذلك المستوى رغم تأكيد السعودية عن استعدادها لزيادة الإنتاج، ورغم قيام الحكومة الأمريكية بالسحب من احتياطي النفط الاسترايتجي.
وكانت ''أوبك'' قد أعلنت في بداية عام 2005 أنها أوقفت ''مؤقتا'' العمل بالنطاق السعري، الذي لم يستخدم إلا مرة واحدة منذ تبنيه بشكل غير رسمي منذ خمس سنوات مضت. كما أعلنت في الوقت نفسه عدم تغيير الحصص الإنتاجية, لكن أشارت إلا أنها على استعداد لتخفيض الإنتاج إذا انخفضت الأسعار. وعلى عكس توقعات ''أوبك'' استمر الطلب على النفط بالارتفاع، واستمرت الأسعار بالارتفاع، الأمر الذي حدا بـ ''أوبك'' إلى زيادة الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميا بدلا من تخفيضه، وذلك في اجتماعها في أصفهان في آذار (مارس). كما تم الإعلان في الاجتماع نفسه أنها على استعداد لإضافة 500 ألف برميل أخرى إذا بقيت الأسعار مرتفعة. إلا أن أهم ما ذكر حول الموضوع هو تصريح السعودية قبل الاجتماع أنها على استعداد لرفع إنتاجها لأقصى طاقتها الإنتاجية عن طريق إضافة 500 ألف برميل يوميا. هذا التصريح يكفي وحده لرفع الأسعار في المستقبل كما سنرى في الحلقات القادمة.
ثم أعلنت ''أوبك'' رفع السقف الإنتاجي بمقدار 500 ألف برميل يوميا في اجتماعها في حزيران (يونيو)، كما أعلنت أنها سترفع السقف الإنتاجي مرة أخرى إذا لزم الأمر. المشكلة أن هذه الزيادة كانت تحصيل حاصل لأنه دول ''أوبك'' رفعت إنتاجها قبل القرار الرسمي، فاستمرت الأسعار في الارتفاع.
وفي اجتماع أيلول (سبتمبر)، قررت ''أوبك'' اتخاذ خطوة غير مسبوقة, وهي إبقاء الحصص على حالها مع السماح للدول التي لديها طاقة إنتاجية فائضة بزيادة إنتاجها إلى أقصى طاقتها الإنتاجية. هذا التصريح أسهم أيضا في رفع أسعار النفط في الفترات القادمة. ثم قررت ''أوبك'' في اجتماعها في نهاية العام إبقاء الإنتاج على حاله. المقصود هنا الإنتاج المرتفع وليس الحصص الإنتاجية.
خلاصة الأمر: أسهم عديد من العوامل الاقتصادية والسياسية في رفع أسعار النفط في تلك الفترة، لكن السبب الأساس لارتفاع أسعار النفط في عام 2005, هو تلاشي الطاقة الإنتاجية الفائضة.