بمناسبة الذكرى 50 لتأسيس «أوبك»: الآثار السلبية لانخفاض أسعار النفط في شركات النفط (8)

12/10/2010 0
د.أنس الحجي

سيتم في حلقة اليوم الاستمرار في استعراض أهم آثار انخفاض أسعار النفط في التسعينيات ضمن مراجعة تاريخية مختصرة لتطورات أسعار النفط خلال الـ 40 سنة الماضية، التي تعد ضرورية لاستعراض النظريات المختلفة التي تشرح سلوك ''أوبك'' خلال الفترة نفسها، علما بأن هذه الآثار نشرت بتفصيل يكاد يكون مملا باللغتين العربية والإنجليزية.

أثر انخفاض أسعار النفط في شركات النفط العالمية

عانت شركات النفط الوطنية والعالمية بشكل كبير في فترتي انخفاض الأسعار في منتصف الثمانينيات وفي فترة 98/1999, حيث انخفضت أرباح بعض الشركات بينما حققت أغلبيتها خسائر فادحة. على أثر ذلك قامت شركات النفط بتخفيض استثماراتها وقامت بتسريح آلاف العمال، ثم انخفض إنتاجها بعد ذلك. هذا الانخفاض في الإنتاج مهم لشرح اتجاهات أسعار النفط في الفترات اللاحقة، وبالتالي فإنه مهم لفهم دور ''أوبك'' في أسواق النفط العالمية. وفيما يلي أهم آثار انخفاض أسعار النفط في شركات النفط العالمية:

1 ـ انخفاض الأرباح: نظرة سريعة لـ 40 شركة نفطية في عام 1998 توضح أن 15 منها حققت خسائر فادحة، بينما انخفضت أرباح الشركات الأخرى بشكل كبير. وكان من الشركات التي حققت خسائر في الربع الرابع من 1998: شيفرون, كونوكو, ماراثون, كير مجي, أركو, أمارادا هس, أناداركو, أباتشي, ويونيكال. كما تضمنت لائحة الشركات التي انخفضت أرباحها بشكل كبير في تلك الفترة: بي بي أمكو التي انخفضت أرباحها بمقدار 37 في المائة, إكسون (39 في المائة), هاليبرتون (64 في المائة), بترو كندا (50 في المائة), وشل (87 في المائة).

2 ـ تسريح العمال: تم تسريح مئات الألوف من عمال النفط في مختلف أنحاء العالم في عامي 1998 و1999 بهدف تخفيض التكاليف وتحسين مستوى الأرباح. وتوضح بيانات الحكومة الأمريكية أن صناعة النفط الأمريكية قامت بتسريح أكثر من 38 ألف عامل في بداية عام 1999, إضافة إلى 20 ألف عامل في شركات الخدمات النفطية. ويتضح من البيانات أن أكثر الشركات تأثراً بانخفاض أسعار النفط هي شركات الخدمات مثل شركة هاليبرتون, التي كان يرأسها ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي السابق, التي قامت بتسريح أكثر من عشرة آلاف شخص دفعة واحدة, و''بيكر هيوز'' التي قامت بتسريح نحو عشرة آلاف شخص عام 1998, وشركة شلمبرجيه التي سرحت 5600 عامل يوم 23 تشرين الأول (أكتوبر) 1998. وعلى سبيل المثال أيضا، قامت الشركات النفطية بتسريح آلاف العمال, حيث قامت شركة أركو بتسريح 900 موظف في نهاية عام 1998، وسرحت ''كونوكو'' 950 موظفا في نهاية عام 1998، أما ''بي وبي أمكو'' فإنها سرحت 4600 شخص في الربع الأول من عام 1999. وقامت شركة فيليبس بتسريح 1400 موظف في بداية عام 1999، بينما سرّحت شركة شل 740 شخصا في الفترة نفسها.

3 ـ انخفاض الاستثمار في الصناعة: تحتاج شركات النفط إلى استثمارات مستمرة للتعويض عن النفط الذي يتم إنتاجه بهدف الحفاظ على قيمة الشركة, والبحث عن حقول جديدة كي تستمر الشركة في النمو, وتطبيق تكنولوجيا جديدة لزيادة الكفاءة وتحسين قدرة الشركة على المنافسة. إضافة إلى ذلك فإن الشركات في حاجة إلى استثمارات مستمرة للقيام بأعمال الصيانة الدورية. وبالنظر إلى فترتي انخفاض الأسعار نجد أن الشركات اضطرت إلى تخفيض استثماراتها, الذي أثّر سلبياً في كل العمليات المذكورة سابقاً. وتوضح البيانات أن إنفاق شركات النفط في مجال الاستكشاف والتنقيب والإنتاج انخفض بمقدار 13 في المائة في عام 1998 و24.3 في المائة عام 1999. أما إنفاق الشركات في مجال التكرير والتسويق والنقل فقد انخفض بمقدار 20.6 في المائة في عام 1998، و7 في المائة عام 1999. وأعلنت عشرات الشركات تخفيض إنفاقها في تلك الفترة مثل شيفرون (23 في المائة), شل (33 في المائة), أوكسيدنتال (17 في المائة), مورفي (8 في المائة), فيليبس (31 في المائة), كونوكو (21 في المائة), بي بي أمكو (33 في المائة), تكساكو (20 في المائة), وجلف كندا (60 في المائة). ولعل أفضل المقاييس تعبيراً عن هبوط مستوى الاستثمارات هو عدد الحفارات العاملة, الذي يعبر عن ''نبض'' صناعة النفط. فقد انخفض عدد الحفارات العاملة في العالم من 2126 في عام 1997 إلى 1845 عام 1998, ثم إلى 1461 حفارة عام 1999. ونتج عن هبوط أسعار النفط انخفاض عدد الحفارات العاملة عام 1999 في الولايات المتحدة إلى أقل مستوى له في تاريخها.

4 ـ اندماج شركات النفط: شهد عاما 1998 و1999 موجة ضخمة من الاندماج وشراء الشركات بشكل لم يشهد له التاريخ مثيلاً من حيث العدد أو القيمة، في محاولة من الشركات لتعزيز مركزها المالي والتنافسي. ولعل أشهر هذه العمليات اندماج شركة إكسون مع شركة موبيل, الذي نتج عنه عملاق صناعة النفط العالمية ''إكسون موبيل''، كما أدى إلى اختفاء عدد من الشركات المذكورة أعلاه. وتضمنت هذه العمليات اندماج ''إكسون'' مع ''موبيل''، و''أمكو'' مع ''بي بي''، و''بيرلنجتون ريسورسيس'' مع ''لويزيانا لاند آند إكسبلوريشن''، و''ميسا'' مع ''باركر آند بارسلي''، و''لوماك بتروليوم'' مع ''دوماك إنيرجي''، و''كير مجي'' مع ''أوريكس''، و''سنايدر أويل'' مع ''سانتافي إنيرجي''، و''ديفن إنيرجي'' مع ''بينز إنيرجي''، و''إلباسو إنيرجي'' مع ''سوناك''، و''فيستا إنيرجي'' مع ''برايز إنيرجي'' و''يونيون باسيفيك'' مع ''أنداركو بتروليوم''، إضافة إلى عدة عمليات اندماج أخرى.

خلاصة الأمر, أن انخفاض الأسعار أسهم في انخفاض إنتاج هذه الشركات فيما بعد، وهذا بدوره أسهم في رفع أسعار النفط في الفترات اللاحقة، الأمر الذي يعني أنه لا يمكن أن تكون ''أوبك'' العامل الأساس وراء ارتفاع أسعار النفط فيما بعد.