سيتم في حلقة اليوم عرض مختصر لتطورات أسواق النفط في الثمانينيات، ضمن مراجعة تاريخية مختصرة لتطورات أسعار النفط خلال 40 سنة الماضية، التي تعد ضرورية لاستعراض النظريات المختلفة التي تشرح سلوك ''أوبك''خلال الفترة نفسها.
1979 ـــ 1981ارتفعت أسعار النفط مرة أخرى عام 1979 بسبب الثورة الإيرانية في بداية ذلك العام. وعلى الرغم من قيام العديد من الدول بزيادة الإنتاج للتعويض عن الإنتاج الإيراني الذي توقف بسبب الثورة، إلا أن أغلبية التعويض جاءت من دول ''أوبك'' التي رفعت إنتاجها بأكثر من 5.5 مليون برميل يوميا. وما أن استقرت الأمور في إيران وحاولت الحكومة الجديدة زيادة الإنتاج، شنت القوات العراقية هجوماً على الأراضي الإيرانية في أيلول (سبتمبر) 1980 معلنة ابتداء الحرب العراقية ـــ الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات. وتوقفت عمليات التصدير والإنتاج في كلا البلدين مع اشتداد الحرب في نهاية عام 1980، الأمر الذي نتج عنه خسارة تسعة ملايين برميل يومياً من الإنتاج. وبسبب أخبار الحرب والدمار الذي لحق بالمنشآت النفطية العراقية والإيرانية، وعمليات المضاربة والتخزين في الأسواق العالمية، ارتفع النفط إلى مستويات قياسية، حيث تجاوزت الأسعار حاجز 40 دولارا في بداية عام 1981.
وأثر أمران في أسعار النفط وسلوك ''أوبك''في عام 1981: تحرير أسعار الطاقة في الولايات المتحدة بعد خضوعها لسيطرة الحكومة لمدة عشر سنوات متتالية، وقيام ''أوبك''بتأسيس الفروق السعرية بين النفط العربي الخفيف والنفوط التي تنتجها دول ''أوبك''الأخرى. كما تم في ذلك الوقت اعتماد النفط العربي للقياس. إن قبول السعودية بطريقة التسعير هذه عنى أن السعودية لن تقوم وحدها بالدفاع عن أسعار النفط، بل تريد أن تشارك الدول الأخرى أيضاً. وبعد مباحاثات مضنية اتفقت ''أوبك''على الأسعار، لكن في الوقت نفسه انخفض الطلب العالمي بشكل كبير فقامت نيجيريا وحدها بتخفيض أسعارها بمقدار 5.50 دولار للبرميل، ثم تبعتها إيران، ثم دول ''أوبك'' الأخرى، على أثر ذلك انهار نظام التسعير.
1982 ـــ 1986نتج عن الارتفاع الشديد في الأسعار انخفاض الطلب العالمي على النفط بسبب الترشيد في استخدام النفط، وتحسن الكفاءة في الاستخدام، والتحول عن النفط لمصلحة البدائل الأخرى. وفي الوقت نفسه استمر إنتاج دول خارج ''أوبك'' في الزيادة. ونتج عن هذه التطورات انخفاض الحصة السوقية لـ ''أوبك''من نحو 31 مليون برميل يوميا في أواخر عام 1979 إلى نحو 14 مليون برميل يوميا فقط في منتصف عام 1985.
ونتج عن انهيار نظام التسعير في عام 1981 اقتناع ''أوبك'' بأن عليها التركيز على الإنتاج والأسعار معاً بدلاً من الأسعار فقط، لذلك قامت، وللمرة الأولى منذ إنشائها، بتبني نظام رخو للحصص الإنتاجية في آذار (مارس) من عام 1982. ولم يتم تعيين حصة إنتاجية للسعودية لاقتناع الأعضاء بأن السعودية ستقوم بدور المنتج المتأرجح بحيث تغير إنتاجها حسب متطلبات السوق. كما تم السماح للعراق بالإنتاج فوق حصته الإنتاجية. ونظراً لعدم موافقة بعض الدول الأعضاء على نظام الحصص الجديد، فإن هذا النظام انهار مجرد الاتفاق عليه لدرجة أن أعضاء ''أوبك''تجاوزوا حصصهم الإنتاجية بمقدار مليوني برميل يومياً مع نهاية 1982.
واستمرت السعودية في الدفاع عن أسعار النفط عن طريق تخفيض الإنتاج حتى انخفض إنتاجها إلى نحو مليوني برميل يومياً، التي لم تكن كافية بأي شكل من الأشكال لدعم الاقتصاد السعودي، ولم تكن كافية لاستخراج كميات كافية من الغاز الطبيعي المصاحب. وللمحافظة على حصتها السوقية، تم الاتفاق على إعطاء السعودية حصة إنتاجية، وللمرة الأولى، قدرها 4.5 مليون برميل يومياً، وهي أقل من نصف ما كانت تنتجه في الماضي. إضافة إلى ذلك فإنه تم التخلي عن النفط العربي الخفيف كنفط قياس لمصلحة متوسط السعر لسلة ''أوبك''. ونتج عن هذه التطورات انهيار أسعار النفط إلى أقل من عشرة دولارات للبرميل عام 1986.
1987 ـــ 1991كما نتج عن ارتفاع أسعار النفط انخفاضها، فإن انهيار الأسعار في منتصف الثمانينيات أسهم في ارتفاعها فيما بعد. فقد ارتفعت أسعار النفط في عام 1987 لأسباب أربعة هي: الدمار الكبير الذي لحق بالمنشآت النفطية في إيران والعراق بسبب الحرب القائمة بينهما، انخفاض تجاوز الإنتاج ضمن دول ''أوبك''، انخفاض إنتاج دول خارج ''أوبك''، وزيادة الطلب على النفط.
وتحسنت أسعار النفط عامي 1989 و1990 واسترجعت ''أوبك''جزءا من حصتها السوقية بسبب زيادة الطلب وانخفاض إنتاج خارج ''أوبك''. لكن الأسعار ارتفعت بشكل كبير عندما قام العراق بغزو الكويت في آب (أغسطس) عام 1990. على أثر ذلك خسر العالم 4.5 مليون برميل، لكن السعودية ودول أخرى تمكنت من زيادة إنتاجها والتعويض عن الإنتاج الكويتي والعراقي معاً. ورغم أن حرب الخليج في بداية عام 1991 أبقت أسعار النفط في مستويات مرتفعة نسبياً، إلا أن انخفاض الطلب على النفط والكساد الذي حل بالولايات المتحدة بعد الحرب أدى إلى تخفيض أسعار في عام 1991. وقامت الأمم المتحدة بفرض مقاطعة اقتصادية على العراق منذ غزو الكويت ولم يجد النفط العراقي طريقه إلى الأسواق العالمية بشكل قانوني إلا نهاية عام 1996.
خلاصة القول إن هذه المرحلة التاريخية مهمة لفهم سلوك ''أوبك'' وتصرفاتها في سوق النفط العالمية، خاصة أن ''أوبك'' لم تتبن نظام الحصص الإنتاجية إلا بعد أكثر من 20 عاما من تأسيسها، وفي فترة انهيار أسواق النفط. كما أن أسعار النفط ارتفعت بشكل كبير مرتين، وكلاهما ارتبط بعامل سياسي: الثورة الإيرانية في عام 1979 وغزو العراق للكويت في عام 1990. هذا يعني أن ارتفاع الأسعار الكبير لاعلاقة له بـ ''أوبك'' أو جهودها في هذا المجال، خاصة أن تبني الحصص الإنتاجية لم يحصل إلا بعد 20 عاما من إنشاء ''أوبك''، وصاحبها انخفاض كبير في الأسعار.