العلاقة بين معدل الفائدة ومعدل الصرف

01/09/2010 2
د.محمد إبراهيم السقا

جاءني هذا السؤال من صديقي على الفيس بوك الأخ "سامح كمال"، ينقل سامح الخبر التالي عن الجنيه المصري.

"تراجع الجنيه المصري الأربعاء إلى أدنى مستوى له أمام الدولار في ثلاث سنوات ونصف السنة, بينما توقف الصعود القياسي للين الياباني أمام العملة الأميركية. وهبط الجنيه المصري إلى 5.7040 جنيهات أمام الدولار في نهاية التعاملات بالبورصة المصرية مع تحول المستثمرين العازفين عن المخاطرة إلى سندات الخزانة الأميركية.

وهذا المستوى الذي تراجع إليه الجنيه اليوم هو الأدنى منذ يناير/كانون الثاني 2007. وفي منتصف يوليو/تموز الماضي كان سعر صرف العملة المصرية يحوم حول 5.70 جنيهات مقابل الدولار. وفي وقت سابق هذا الأسبوع, رجح أحد المتعاملين في سوق العملة بالقاهرة أن يقفز الجنيه مرة أخرى أمام الدولار إلى 5.65 جنيهات, وربما إلى 5.60 جنيهات في ظل توقعات بأن البنك المركزي سيتدخل لمنع حدوث ضغوط تضخمية من الواردات. وبينما يتوقع أن يبقي البنك المركزي أسعار الفائدة في الوقت الحالي, يقول محللون إنه لن يسمح للجنيه بالانخفاض بشكل حاد، لأن ذلك سيرفع كلفة واردات المواد الغذائية الرئيسة ويغذي التضخم.

من فضلك دكتور أريد التوضيح بالنسبة للعلاقة بين سعر الفائدة و سعر الصرف"

إجابتي هي:

يتحدد معدل صرف عملة الدولة بعدد كبير من المتغيرات، وأهم هذه المتغيرات هو معدل الفائدة، ويقصد بمعدل الفائدة هنا "معدل الفائدة الحقيقي Real interest rate"، ومعدل الفائدة الحقيقي هو معدل الفائدة الاسمي (ببساطة معدل الفائدة السائد في البنوك) مطروحا منه معدل التضخم، ويتأثر معدل الصرف للعملات بمعدل الفائدة بصور متعددة، ولأغراض التبسيط ولتوضيح العلاقة بين معدل الفائدة ومعدل صرف العملة، سوف نفترض ان الطلب على العملة الأجنبية يتم أساسا لأغراض شراء السندات المقومة بالعملة الأجنبية للاستفادة من فروق معدلات الفائدة على السندات المقومة بالعملات المختلفة.

على سبيل المثال إذا كان معدل الفائدة على السندات المصدرة بالدولار الأمريكي أعلى من معدل الفائدة على السندات المصدرة بالجنيه المصري، فإن الطلب على الدولار الأمريكي سوف يرتفع (لتحويل الجنيه المصري إلى دولارات أمريكية لشراء سندات أمريكية) وذلك للاستفادة من فروق معدل الفائدة بين السندات الأمريكية والسندات المصرية. ويترتب على ارتفاع الطلب على الدولار الأمريكي ارتفاع معدل صرفه بالنسبة للجنيه المصري (انخفاض قيمة الجنيه، وارتفاع قيمة الدولار)، والعكس عندما يكون معدل الفائدة على السندات الأمريكية اقل من معدل الفائدة على السندات المصرية، في هذه الحالة يزيد عرض الدولار (لتحويله إلى جنيهات مصرية بغرض شراء سندات مصرية) للاستفادة من فرق معدل الفائدة بين السندات المصرية والسندات الأمريكية، فيزيد الطلب على الجنيه المصري وترتفع قيمته بالنسبة للدولار. معنى ذلك أن الدولة التي يكون معدل الفائدة (الحقيقي) فيها مرتفعا يزداد الطلب على عملتها ويميل معدل صرف عملة هذه الدولة بالنسبة للعملات الأخرى نحو التزايد، ومن ثم ترتفع قيمة هذه العملة، والدولة التي تكون فيها معدلات الفائدة منخفضة يقل الطلب على عملتها ومن ثم يقل معدل صرف عملتها بالنسبة للعملات الأخرى، وتنخفض بالتالي قيمة هذه العملة.

ويطلق على عملية الاستثمار المشار إليها أعلاه التحكيم في معدل الفائدة Interest rate arbitrage، أي محاولة المستثمرين الاستفادة من الفروق القائمة بين معدلات الفائدة الحقيقية في الدول المختلفة لتحقيق عوائد إضافية نتيجة لذلك. عمليات التحكيم في معدل الفائدة هي إذن التي تؤدي إلى تغير الطلب على العملات المختلفة ومن ثم تغير معدل الصرف.

وهناك نوعين من التحكيم في معدل الفائدة، التحكيم المفتوح أو غير المغطي، Uncovered interest arbitrage، وفي هذه الحالة يكون موقف المستثمر مكشوفا لأي تغيرات يمكن أن تحدث في معدل الصرف. على سبيل المثال إذا كان معدل الفائدة على السندات الألمانية لمدة 3 أشهر هو 4%، بينما معدل الفائدة على السندات المصرية لنفس المدة هو 2%، في هذه الحالة يمكن أن يحقق المستثمر المصري عائدا إضافيا نسبته 2% من خلال تحويل الجنيه المصري إلى اليورو ثم شراء سند ألماني. غير ان المستثمر المصري يكون في وضع مكشوف في هذه الحالة لأنه عندما يحل ميعاد استحقاق السند فإنه لا بد وان يقوم بتحويل اليورو إلى جنيهات مصرية مرة أخرى، في هذه اللحظة من الممكن ان يتغير معدل صرف اليورو بالنسبة للجنيه ويتغير وفقا لذلك معدل العائد الفعلي الذي يحققه المستثمر المصري.

على سبيل المثال، إذا انخفض معدل صرف اليورو عند تاريخ استحقاق السند الألماني بنسبة 2% فان صافي عملية التحكيم في معدل الفائدة هذه هو صفر%، لأن العائد الإضافي الذي حققه المستثمر المصري في السند الألماني يكون قد خسره نتيجة انخفاض قيمة اليورو. أما لو افترضنا أنه عند ميعاد استحقاق السند انخفض اليورو بالنسبة للجنيه المصري بنسبة 4%، فإن صافي العائد الذي يحققه المستثمر المصري من عملية التحكيم هذه سيكون سالب 2%، أي خسارة بنسبة 2%. هذا طبعا لا ينفي احتمال ان يحقق المستثمر المصري صافي عائد أعلى إذا ارتفع معدل صرف اليورو عند تاريخ استحقاق السند، وبالتالي فإن صافي عائد المستثمر المصري في هذه الحالة يتكون من فروق معدل الفائدة بالإضافة إلى نسبة الارتفاع في قيمة اليورو. معنى ذلك أن التقلبات في معدل صرف اليورو سوف تمثل مصدر للمخاطرة بالنسبة للمستثمر المصري في هذه الحالة، وعلى المستثمر أن يقوم بعمل شيء حيال هذا المصدر للمخاطرة.

لهذا السبب فإن المستثمر لا بد ان يغطي موقفه ضد مخاطر تقلبات معدل الصرف بين الجنيه المصري واليورو الأوروبي، حتى تكون حسابات المستثمر دقيقة، ويطلق على عملية التحكيم في هذه الحالة التحكيم في معدل الفائدة المغطى Covered interest arbitrage. ويتم ذلك بعدة طرق على سبيل المثال من خلال بيع قيمة السند + الفائدة في سوق الصرف الأجل بعقد بيع آجل Forward، أو من خلال عمل عملية SWAP، أو من خلال الدخول في عقد خيارات Options ... الخ، وللتبسيط سنفترض ان المستثمر سيقوم ببيع اليورو بعقد بيع آجل، وفي عقد البيع الأجل يتم بيع اليورو على أساس معدل الصرف الأجل بين الجنيه المصري واليورو، ومعدل الصرف الأجل هو معدل الصرف المتوقع ان يسود بين الجنيه واليورو في المستقبل، وغالبا ما يختلف معدل الصرف الأجل عن معدل الصرف الحاضر Spot أما بالزيادة أو بالانخفاض، فإذا كان معدل الصرف الأجل لليورو أعلى من المعدل الحاضر، يقال في هذه الحالة ان اليورو يباع بعلاوة premium، أي أنه من المتوقع ان ترتفع قيمة اليورو في المستقبلExpected appreciation ، أما إذا كان معدل الصرف الآجل لليورو أقل من المعدل الحاضر فأننا نقول بان اليورو يباع بخصم discount، أي أنه من المتوقع أن تنخفض قيمة اليورو Expected depreciation.

غير ان استمرار عمليات التحكيم في معدل الفائدة سوف تؤدي في النهاية إلى زوال فروق معدل الفائدة بين السندات المصرية والألمانية. فمع خروج الأموال من مصر للاستثمار في ألمانيا تميل معدلات الفائدة في مصر نحو التزايد، ومع دخول رؤوس الأموال إلى ألمانيا تميل معدلات الفائدة نحو الانخفاض بحيث تميل الفروق بين معدلات الفائدة نحو الزوال فتتوقف عمليات انتقال رؤوس الأموال بين مصر وألمانيا، ومن ثم تتوقف عمليات التحكيم في معدل الفائدة.

هذا باختصار شديد وبدون الدخول في التفاصيل، العلاقة بين معدل الفائدة ومعدل الصرف، وأثر هذه المعاملات الربوية على تقلبات قيمة العملة.