أستراليا لا أفريقيا!

29/08/2010 6
سليمان المنديل

سعدت مثل غيري بقرار خادم الحرمين، عندما أعلن حفظه الله، حرصه على حماية المخزون المائي، على حساب زراعة القمح، والأعلاف المحلية. وبدأت الحكومة الخطوات العملية لاستيراد القمح، وإلغاء إعانات زراعته محلياً، وعززت الحكومة تلك الخطوات بتأسيس شركة للاستثمار الزراعي خارج المملكة، ومؤخراً عقدت احتفالية بحضور أربعة وزراء سعوديين، في مؤتمر يدعو المستثمرين السعوديين للاستثمار في دول شرق أفريقيا، على فرضية أن توفر مياه النيل كفيل بخلق سلة غذاء في تلك الدول (السودان، إثيوبيا، كينيا، أوغندا).

هذه هي الفرضية، وهذا هو الأمل، ولكن ما يجب تذكره، هو تجارب الماضي المأساوية، ودعوني أستعرض بعضاً منها:-

- منذ الطفرة البترولية الأولى، في منتصف عقد السبعينات الميلادي، كونت دول الخليج مع باقي الدول العربية، شركات لغرض دعم التنمية الاقتصادية العربية، مثل الشركة العربية للاستثمار، والشركة العربية للتعدين، وشركة سكر كنانة إلخ، كما قامت المملكة بتأسيس شركات ثنائية مع عدد من الدول الشقيقة، والصديقة، وكان الغرض من تلك الشركات العربية المشتركة، والشركات الثنائية، هو خلق تنمية اقتصادية، من خلال تنفيذ مشاريع، مبنية على دراسات اقتصادية، بدلاً من أسلوب تقديم الدعم المالي المباشر. ولكن ما حدث فعلياً هو أن أغلب تلك الشركات أصبحت مرتهنة لهوى الدول التي تستضيف تلك الشركات، وقلما وزعت تلك الشركات أرباحاً.

- مشروع سكر كنانة: هو مشروع عربي مشترك، حاول الاستفادة من البيئة الزراعية في السودان، ولكن منذ أن بدأ المشروع إنتاجه، منعت الحكومات السودانية المتعاقبة تصدير الإنتاج، وكذلك منعت تحويل الأرباح، وأصبحت عملية استيراد قطع الغيار المطلوبة للمصنع قضية تتطلب إقناع البنك المركزي في كل حالة، لغرض توفير العملة الأجنبية.

هذا هو واقع السودان، ولم يتغير الوضع كثيراً، وأوضاع باقي دول شرق أفريقيا لا تختلف، بل تزيد على السودان. هنا أتساءل، ويمكن أن أتفهم بأننا يجب أن نبذل جهداً لضم شرق أفريقيا إلى محيطنا، لأنهم الأقرب، ونحن نحتاج إلى فضاء أوسع، وأرحب، ولكن هل نتوقع أن استثماراتنا هناك ستكون مأمونة؟ وهل ستترك لنا حرية شراء المحاصيل، وكذلك تحويل الأرباح بالعملة الأجنبية بكل حرية؟! وللمقارنة، ماذا لو ذهبنا إلى أستراليا لتأمين احتياجاتنا من القمح، ولا أعني بالضرورة أن نشتري مزارع، وإنما أن نوقع عقوداً طويلة الأجل، ألا تكون فرصنا أفضل في توفير احتياجاتنا، بدلاً من التعويل على حكومات لا نعلم مدى استمراريتها، ومدى وفائها بالتزاماتها؟ مقارنة بما يوفره القانون الأسترالي من ضمانات؟

إلغاء زراعة القمح هو قرار صائب، وموضوع دعم الدول الأفريقية لكي ينفعوا أنفسهم، فذلك قرار سيادي، ولكن أن نعوّل على تصدير منتجاتهم الزراعية لنا بكل حرية، فذلك مشكوك فيه، وهناك خيارات أخرى يحسن النظر فيها، وبدون ذلك قد تتعثر استثماراتنا الجديدة، مثلما تعثرت استثمارات شركاتنا العربية، والثنائية السابقة.