لتحقيق أهدافك المالية: الاستثمار هو الفرع .. أما الادخار فهو الأصل

05/07/2009 7
محمد القويز

كثيراً ما نسمع الإطراء والغبطة لفلان من الناس الذي استثمر بشكل جيد ما حقق له النجاح والرفاه، ولكننا قلّما نسمع الإطراء نفسه لشخص آخر تمكن من موازنة دخله مع مصاريفه والمثابرة على الادخار بشكل مستمر. بل في كثير من الأحيان يُنظر للادخار بنظرة سلبية على أنه (بُخل) أو (تقتير) أو (قعاطة). على الرغم من أن الحقيقة غير ذلك تماماً، فالادخار هو الأصل الذي يمكّنك من الدخول لعالم الاستثمار ويحدد المبالغ التي تشغلها فيه، والفرد الذي يبدأ بالادخار مبكراً ويثابر عليه كثيراً ما يحقق عوائد ممتازة دون أن يحتاج عوائد الاستثمار الخرافية (وغير الواقعية في كثير من الأحيان) التي يتغنى بها الكثير من المستثمرين الأفراد.

فلو افترضنا أنك تمكنت أن تقتصد في وجبة غدائك كل يوم عمل وتوفر 30 ريالا سعوديا فقط في اليوم، بعدد أيام الدوام في السنة (نحو 250 يوما). ربما لا يكون ذلك بالكثير، ولكن لو أنك شاب أو شابة في مقتبل العشرينات من العمر، فإن لديك أفضل حليف للمستثمر: وهو الزمن. فلو افترضنا أنك تستثمر ما توفره من قيمة غدائك (نحو 7500 ريال سعودي في العام) كل عام بمتوسط عائد يبلغ 14 في المائة سنوياً (والذي يقل عن معدلات العائد التي يطمح لها الكثير من الناس)، فسيصبح لديك أكثر من عشرة ملايين ريال سعودي لدى تقاعدك في سن الستّين (أي بعد 40 عاماً).

وبالطبع كلما تقدمت في مسارك الوظيفي ومستوى دخلك فإنك ستكون قادراً على تجنيب مبلغ أكبر لاستثماره. فبمجرد زيادة توفيرك إلى 1500 ريال سعودي شهرياً (فاتورة غدائك اليومي إضافة إلى ما تدفعه تقريباً لفاتورة جوّالك) فستحصل على ما يزيد على 24 مليون ريال سعودي خلال المدة نفسها (40 عاماً).وفي هذا الصدد، كلما بدأت بالادخار مبكراً كان الوقت حليفك بشكل أكبر. ولنا في ذلك مثال بسيط نقارن فيه بين عادات الادخار لشابين خلال حياتهما. فأحد الشابين: (عبدالعزيز) يعمل في مطعم وجبات سريعة في المساء ويقضي معظم وقت فراغه في القراءة وجمع الطوابع. وهو يدّخر ألف ريال في العام بدءاً من عمر 15 عاماً ويستثمره في سوق الأسهم بمعدل عائد 12 في المائة في العام لمدة عشر سنوات. وبعد السنوات العشر تلك يكتشف متعة السفر والصرف فيتوقف عن ادّخار أي أموال إضافية ويصرف كل دخله على إجازات في إسبانيا، ولكنه يبقي المبالغ التي ادخرها في الماضي مستثمرةً في السوق.

قارن حسابه بحساب صديقه (دحيّم) الذي بدد رواتبه في أول حياته على مصاريف الوناسة. ولدى بلوغه 40 عاماً تنّبه دحيّم (أصبح اسمه الآن عبد الرحمن) لوضعه عندما تقاعد والده على معاش التأمينات الذي لا يكاد يكفي حاجاته. فتنبّه دحيّم وبدأ بتوفير عشرة آلاف ريال سعودي كل سنة للأعوام الـ 25 التالية.

من تتوقع من هذين الشابين جمع مبلغاً أكبر عند بلوغه 65 عاماً (عند التقاعد)؟ الجواب هو عبد العزيز. فعلى الرغم من أنه لم يوفر إلا ألف ريال سعودي كل عام (أي ما مجموعه عشرة آلاف ريال سعودي في حياته، وهو المبلغ نفسه الذي كان يدخره دحيم في عام واحد) إلا أنه تمكن من جمع 1.6 مليون ريال سعودي عندما أدرك 65 عاماً. بينما دحيّم من جهة أخرى وفّر لمدة 25 عاماً (أو ما مجموعه ربع مليون ريال)، ولكنه انتهى بمبلغ أقل من المليون ريال.

ورغم أن كلا الشابين تمكن من التوفير والاستثمار، إلا أننا نلحظ الفارق الكبير بينهما. فأموال عبد العزيز التي ادخرها من راتب شبابه – على قلّتها - تم تشغيلها واستثمارها لمدة 50 عاماً، أي ضعف مدة استثمار دحيّم، أضِف إلى ذلك أن عبد العزيز لم يخسر كثيراً بتوفير ألف ريال سنوياً في مقتبل عمره، بينما اضطر دحيّم إلى التضحية بكثير من أجل توفير عشرة آلاف سنوياً في مراحل لاحقة من حياته.

أما في الواقع، فتجد الكثير من الشباب لا يولون الادخار أي اهتمام حتى يتقدم بهم العمر قليلاً وتزداد عليهم المسؤوليات، فيبدأون بالادخار متأخراً، ما يقلل من احتمال وصولهم للى أهدافهم المالية، أو يضطرهم إلى تحمل قدر أكبر من المخاطرة بحثاً عن العوائد العالية ليحاولوا التعويض عن الوقت الفائت بعوائد استثمارية أعلى. ولكن كما يقول المثل: "لا يصلح العطار ما أفسد الدهر". بل إن تحمل مخاطر إضافية على هذا النحو قد يكون سبباً في خسارة المبلغ المدخر بأكمله.

لهذا نقول إن النجاح يكمن في أن تعطي للادّخار الأهمية نفسها التي توليها للاستثمار، وأن تبدأ بالادخار منذ سن مبكرة بأن تجعله جزءاً من حياتك اليومية. وهذا ليس بجديد، فلو تفكر فستجد أن معظم قراراتك اليومية تؤثر في وضعك المالي، سواء كان ذلك بطلب كوب كابوتشينو بعشرة ريالات أو بأخذ إجازة سنوية في الخارج. وتذكر دائماً قصة عبد العزيز وصديقه المقرود دحيّم.