تختلف دول العالم فيما بينها حول النظام الذي تستخدمه لتحديد معدل صرف عملة أي منها بالنسبة للعملات الأخرى في العالم، فبعض الدول، على سبيل المثال المملكة العربية السعودية تقوم بربط الريال السعودي بالدولار الأمريكي ربطا جامدا، أي لا يسمح لمعدل صرف الريال بالدولار بالتغير ارتفاعا أو انخفاضا، وهو ما يعرض الريال السعودي إلى التقلب الشديد في مقابل العملات الأخرى غير الدولار، نظرا للتقلب الكبير الذي يعاني منها الدولار في سوق النقد الأجنبي، فطبقا لنظام ربط الريال السعودي يتحدد سعر مركزي هو 3.75، ولا يسمح للريال بالارتفاع أو الانخفاض في مقابل الدولار عن هذا السعر، فكيف إذن يتم المحافظة على هذا السعر إذا ما انحرف السعر السوقي عن هذا المستوى المحددة من قبل السلطات النقدية؟
يتم هذا غالبا من خلال تدخل مؤسسة النقد في سوق الصرف الأجنبي ببيع الدولار، في حالة وجود ضغوط على الدولار نحو الارتفاع بالنسبة للريال، أو بشراء الدولار، في حالة وجود ضغوط على الدولار نحو الانخفاض بالنسبة للريال. معنى ذلك أن السلطات النقدية تراقب معدل صرف واحد للريال وهو معدل صرف الدولار بالنسبة للريال السعودي.
ولكن ماذا عن علاقة الريال بالنسبة لباقي العملات؟.هذه يتم تحديدها من خلال الدولار نفسه، بصفته عملة الربط. على سبيل المثال لو فرض ان الدولار تراجع في قيمته بالنسبة لليورو بنسبة 20%، فإن هذا سوف يعني بالتبعية تراجع قيمة الريال السعودي بالنسبة لليورو بنفس النسبة، وتأخذ أسعار السلع التي يتم استيرادها باليورو في الارتفاع بنفس النسبة، بينما تنخفض أسعار السلع السعودية التي تصدر إلى منطقة اليورو بنفس النسبة، والعكس في حالة ارتفاع قيمة الدولار بالنسبة لليورو، فان الريال السعودي يرتفع بنفس النسبة.
ولكن لماذا تلجأ دول مثل المملكة إلى هذا النظام على الرغم من مساوئه؟، الإجابة هي أن هذا النظام بسيط وسهل التطبيق من الناحية العملية، ولا يتطلب خبرات فنية في متابعة معدل الصرف لتحديد معدل الصرف العادل بالنسبة للعملة المحلية في مقابل العملات الاجنبية،فضلا عن أنه يسهل اتباع هذا النظام في الدول التي لديها احتياطيات كافية من الدولار للتدخل في سوق الصرف الأجنبي في الوقت المناسب.
مشكلة هذا النظام الثانية هي ان الدولة لن يكون لها سياسة نقدية مستقلة، بمعنى آخر أنها سوف تتبنى معدل الفائدة الذي يقوم بتحديده الاحتياطي الفدرالي للحفاظ على هوامش معدلات الفائدة بين الدولار والريال.
والآن ما هو نظام سلة العملات وما الفرق بينه وبين الربط الجامد بالدولار.
نظام سلة العملات هو نظام بمقتضاه يتم تحديد معدل صرف العملة استنادا إلى مجموعة من العملات التي يتم انتقاءها من قبل البنك المركزي (والتي ستشكل السلة)، وغالبا ما يتم انتقاء هذه العملات على أساس كثافة التجارة البينية بين الدولة والدول صاحبة هذه العملات، حيث يقوم البنك المركزي بترتيب الدول الشركاء في التجارة مع الدولة حسب أهميتها (أي بحسب نسبة إجمالي الواردات والصادرات من والى هذه الدولة إلى إجمالي التجارة الخارجية للدولة)، ثم يعطى لكل عملة من عملات أهم الدول وزنا في تحديد معدل الصرف بين العملة وعملات هذه الدول.
على سبيل المثال إذا فرضنا ان أهم شركاء الدولة في التجارة الخارجية هم الولايات المتحدة (نسبة الصادرات والواردات إلى إجمالي التجارة الخارجية للدولة هي 50%، سوف نطلق على هذه النسبة الوزن)، ونسبة التجارة مع دول الاتحاد النقدي الأوروبي هي 20% ،ونسبة التجارة مع اليابان هو 20%، ونسبة التجارة مع المملكة المتحدة هي 10%.
بناءا على هذه البيانات يتم إعطاء الدولار الأمريكي وزنا يساوي 50% في معدل صرف العملة المحلية، واليورو وزنا يساوي 20%، والين الياباني وزنا يساوي 20%، والجنيه الإسترليني وزنا يساوي 10% (لاحظ ان إجمالي الأوزان يساوي 100%).
والآن بفرض ان الجنيه الإسترليني انخفض بنسبة 20%، في مثل هذه الحالة سوف تنخفض العملة بنسبة 10% من الانخفاض الذي حدث للجنيه الإسترليني، أي بنسبة 2% فقط، وهكذا.
بمرور الوقت تتغير أوزان العملات المختلفة في السلة مع تغير كثافة التجارة مع دول السلة، أو ربما تتغير مكونات السلة ذاتها بدخول عملات جديدة للسلة، أو خروج عملات من السلة، وذلك حسب التطورات التي تحدث في التوزيع الجغرافي لتجارة الدولة الخارجية، وذلك حتى يحافظ البنك المركزي على معدل الصرف الحقيقي للعملة وبما لا يضر بالموقف التجاري للدولة.
على سبيل المثال يتم تحديد معدل صرف وحدات حقوق السحب الخاصة (عملة حسابية دولية يقوم صندوق النقد الدولي بإصدارها) من خلال سلة عملات مكونة من 4 عملات هي الدولار الأمريكي واليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني.
في نهاية السبعينيات كان الريال السعودي أحد العملات التي تشكل سلة العملات التي يتم تحديد معدل صرف وحدات حقوق السحب الخاصة على أساسها، نظرا لتزايد احتياطيات المملكة بالنسبة للاحتياطيات الدولية في هذا الوقت، ثم تم رفع الريال السعودي من السلة بعد ذلك مع تراجع أسعار النفط.
أهم مزايا نظام سلة العملات هو الحفاظ على معدل الصرف الحقيقي في مواجهة شركاء التجارة وتجنب أي مغالاة في قيمة العملة Overvaluation أو بخس في قيمة العملة Undervaluation، والذي يمكن ان ينجم عن الربط الجامد بعملة محددة مثل الدولار، أما الميزة الثانية فهي الاستقرار النسبي لمعدل صرف العملة، ذلك أن ارتفاع قيمة عملة معينة داخل السلة، على سبيل المثال الدولار الأمريكي،سوف يعني انخفاض العملات الأخرى بالنسبة لتلك العملة والعكس، ومن ثم سوف يكون الأثر النهائي لهذا الارتفاع على محدودا.
أما أهم عيوب النظام فهو أنه قد لا يوفر الاستقرار المطلوب في معدل الصرف إذا كانت التجارة مركزة مع دولة ما أو كان الأوزان في معدل الصرف مرتكزة حول عملة معينة، على سبيل المثال الدولار الأمريكي، في مثل هذه الحالة سوف تكون الأوزان المحددة لمعدل صرف العملة مركزة بشكل كبير في هذه العملة وسوف يعاني النظام من نفس العيوب الخاصة بنظام الربط الجامد.
تجدر الاشارة أخيرا إلى أن كافة دول العالم التي تتبع نظام تحديد معدل الصرف على أساس سلة العملات تقوم بالإعلان عن هذه السلة،وذلك وفقا للتطورات التي تحدث في الأهمية النسبية للتوزيع الجغرافي لتجارتها الخارجية مع أهم شركاءها في التجارة.
غير أن بعض الدول قد تفضل الاحتفاظ بمكونات السلة بصورة سرية، على سبيل المثال سلة العملات التي يتم على أساسها تحديد قيمة الدينار الكويتي. ولا شك أن الهدف الأساسي من هذا الإخفاء هو حماية العملة المحلية من ضغوط المضاربة في حال توقع تغير الأوزان نتيجة تغير توزيع التجارة، مما يعرض العملة المحلية لهجمات المضاربين، بصفة خاصة إذا تعلق الأمر بدولة لها وزن كبير في السلة.
جزاك الله خير معلومات قيمة
أمريكا أكبر شريك تجاري للمملكة والبترول هو أهم صادرات المملكة وكل هذه التعاملات مقومة بالدولار وأيضا عملة الصين مرتبطة بالدولار وكل هذه الأمور تحث المملكة على ربط عملتها بالدولار
يعطيك العافية دكتور على هذا المقال المفيد ...لدي ملاحظات عابرة وسريعة : 1- جربت السعودية عملات الذهب والفضة في البدايات وكانت كارثية بسبب ان الفضة اصلا معدن ثمين اضافة إلى انه عملة فكان يتم تهريبه إلى الخارج عندما تنقص قيمته كعملة وترتفع قيمته كمعدن.,,ونفس الحال بالنسبة للذهب. 2- جربنا حقوق السحب الخاصة والتي تقريبا تشبه سلة العملات ولم توفر استقرار نقديا كما هو الدولار. 3- معظم الصادرات السعودية اصلا مقومة بالدولار ....وفي انخفاضه نعمه كبيرة ايضا لتشجيع الصادرات غير النفطية اضافة إلى ان انخفاض الدولار دائما ينعكس كارتفاع بسعر البرميل ففي كلا الحالتين السعودية تكسب. 4- لايوجد مفعول كبير لسياسة التحكم بسعر الفائدة لان معظم السعوديين يعتقدون بان البنكنوت يقاس على الذهب لذا يعتبرون الفائدة زيادة حقيقية وهي ربا !!! فليس هناك فعلا تاثير على تغير اسعار الفائدة بالنسبة للمواطنين. 5- تحكم مؤسسة النقد قبضتها على المعروض النقدي زيادة ونقصا عبر الاحتياطي النظامي كما هو الحال في الصين ....اضافة إلى مايسمى بالاقناع الادبي مع البنوك لتسهيل او تقييد الاقراض ...هما يسموه الاقناع الادبي ...والحقيقة هي العصا ...لانه كل البنوك تسمع كلام الاخ الاكبر ( مؤسسة النقد) ... اطيب تحية للدكتور محمد ابراهيم السقا