كثيراً ما أُسأل عن توقعاتي لهذا السوق أو ذاك في الأشهر، بل وفي الأسابيع المقبلة، وإذا ما كان الوقت مناسباً للدخول فيه. وكثيراً ما أتجنب الإجابة عن هذا السؤال فأنتقل للحديث عن متوسط العوائد التي يمكن أن يتوقعها المرء من الاستثمار في تلك الأسواق على المدى الطويل، دون التطرق للتوقعات على المدى القصير (والتي أعتبرها من باب التنجيم).
وفي هذه الحالات كثيراً ما يَضِيْق محدثي ذرعاً فيَغضَب من التناقض التام بين ثقتي الكبيرة من متوسط العوائد المتوقعة على المدى الطويل، وبين انعدام ثقتي من التكهن بالعوائد على المدى القصير. وفي هذه الأحوال يكون ردّي في العادة بالحديث عن إحصائيات الوفيات.
ففي العلوم الإحصائية هناك مجال متخصص بدراسة التوقعات لعمر وفاة الإنسان (وهو العلم الإكتواري). ومتخصصو هذا المجال قاموا بإعدادجداول بمتوسط الأعمار المتوقعة للناس على اختلاف جنسهم وجنسيتهم، بل وعرقهم وحالتهم الصحية ووضعهم المادي والثقافي.
هذه الجداول مبنية على كم هائل من العينات الإحصائية التي يتم جمعها وحساب المتوسطات لها للوصول إلى هذه النتائج.
وبالمناسبة فإن هذه التقديرات بالنسبة إلى السعودية تبلغ متوسط 74 عاماً للرجال و78 عاماً للنساء. بالطبع فإن الأعمار بيد الله، فهناك أشخاص يكتب الله أجلهم وقت ولادتهم أو بعدها بقليل، كما أن هناك آخرين يكتب الله لهم أعماراً تزيد على 120 عاماً، لكن هناك قانوناًإحصائياً يسمى "قانون الأعداد الكبيرة" يقول إننا كلما زدنا من حجم العينة محل الدراسة فإن متوسط العينة سيقترب أكثر فأكثر من المتوسط المتوقع.
هذا يعني أننا لو أخذنا عينة حجمها شخصان فإنه من الممكن أن يكون متوسط حياتهم مختلفاً كثيراً عن المتوسط المتوقع الوارد في عاليه (فقد يكون كلاهما شديد الحظ أو قليله)، لكن إذا زدنا حجم العينة من شخصين إلى عشرة أشخاص فمن المتوقع أن يقترب متوسط حياتهم من المتوسط المتوقع الوارد في عاليه، وسيستمر ذلك الاقتراب كلما زدنا حجم العينة حتى نصل إلى نتيجة مطابقة للمتوسط المتوقع بعد حجم معين للعينة (فلنقل 100 أو 1,000 شخص).
ومن هذا يمكن القول إننا نستطيع تقدير متوسط الأعمار المتوقعة لمجموعة كبيرة من الناس بالرغم من أننا لا نستطيع تقدير العمر الذي سيبلغه أي شخص بعينه على وجه الدقة.
هذا الحال نفسه هو ما يشوب الأسواق المالية وتوقعات العوائد. فيمكن النظر للعائد المتوقع في يوم واحد بعينه كأنه العمر الافتراضي لشخص واحد، لا يمكن التكهن فيه بأي شكل من الدقة، لأنه قد لا يقترب من متوسط العمر الا فتراضي المتوقع، فهو في حكم المجهول.
بينما نجد أن متوسط العوائد المتوقعة على المدى الطويل تشبه متوسط أعمار مجموعة كبيرة من الناس، والذين يمكن حساب المتوسط لهم والذي سيكون قريباً من المتوسط المتوقع.
ومن العرض الموجز أعلاه لنا النتائج التالية:
ـ من الصعب جداً التكهن بالعوائد الاستثمارية وحركة الأسواق المالية على المدى القصير، وذلك نظراً إلى وجود عشوائية كبيرة في العينات الصغيرة قد تبعدها كثيراً عن القيمة المتوقعة، وذلك تماماً كما هو الحال في محاولة تقدير مدة حياة شخص معين.
ـ ولكن القدرة على التكهن تزداد ثقة ودقة كلما زاد حجم العينة محل الدراسة، وذلك بإطالة الأفق الاستثماري، حيث يقترب متوسط العائد على المدى الطويل ـ من متوسط العائد المتوقع، وذلك كما هو الحال لدى تقدير حياة 1,000 شخص، حيث سيقترب متوسط أعمارهم من المتوسط المتوقع.
ـ لذا فإن ثقة الإنسان بتحقيق العائد الاستثماري الذي يتوقعه تزداد كلما طال الأفق الاستثماري.
لو كان السوق ظاهرة طبيعية تنطبق عليها قوانين نيوتن وبرنولي وأوم لكان من السهل الاستثمار والربح. ولكنه في الواقع مبني كما تفضل الكاتب على أكاذيب وخزعبلات ونفسيات وأوهام. فأنت عندما تشتري سهم فأنت تشتري ( س + هم) . س = قيمة مجهولة لأن من يتحكم بالسهم فئة غير معروفة هم = قلق عند نزول السهم وعند صعوده. أفضل طريقة هي شراء السهم جيد وواعد ونسيان قيمة الشراء والاحتفاظ به لفترة طويلة والتصحيح كلما نزل.