هل تتحول قروض بطاقات الائتمان إلى أزمة مالية

20/06/2010 2
د.محمد إبراهيم السقا

أصبحت بطاقات الائتمان وسيلة الدفع الرئيسية في الولايات المتحدة في عالم اليوم، نظرا لما تتمتع به من مزايا عديدة، أهمها سهولة الحمل، والأمان النسبي ضد السرقة مقارنة بحمل النقود السائلة، فضلا عن ملائمتها لاحتياجات المستخدم في كافة الظروف، ولكافة المبالغ مهما بلغ صغرها. في زيارتي الأخيرة للولايات المتحدة وفي مطار لوس انجيلوس، وجدت أن دفع تكلفة عربة حمل الحقائب في المطار (ربع دولار) يتم أيضاعن طريق بطاقات الائتمان.

أي مبلغ مهما كان تافها يمكن أن تدفعه في أمريكا باستخدام بطاقتك الائتمانية، وهو ما جعل هذه البطاقات هي وسيلة الدفع الرئيسية اليوم، بل ان الكثير من الأماكن لم تعد تقبل الآن أن يتم سداد قيمة المشتريات نقدا، وتسمح فقط للمستهلك بأن يدفع باستخدام بطاقته الائتمانية.

ماذا يترتب على هذا التطور في وسائل الدفع؟

إن أهم ما يترتب على هذا التطور هو تزايد حجم هذا النوع من الديون الشخصية المرتبط باستخدام بطاقات الائتمان. غير أن الجانب الأكبر من هذا الدين القائم على الأفراد يتم تسويته شهريا، أي أنه مع تدفق المرتبات إلى حسابات المستخدمين للبطاقات، تقوم البنوك باستيفاء مستحقاتها نتيجة استخدام البطاقات المصدرة على تلك الحسابات. وبمعنى آخر، فإنه طالما أن المرتبات تتدفق بصورة منتظمة إلى حسابات الأفراد شهريا فانه ليس هناك أي مشكلة في هذا النوع من القروض.

ولكن ما الذي يمكن ان يمنع المرتبات من أن تتدفق بصورة منتظمة لحسابات الأفراد؟

الإجابة ببساطة شديد هي معدلات البطالة، أو بصورة أدق طول الفترة التي يقضيها الشخص في حالة بطالة.

منذ أن بدأت الأزمة المالية العالمية وبدأ الحديث عن ارتفاع معدلات البطالة والتحليلات تصب في أن هناك أزمتين آخريتين قادمتين؛ وهما بالدرجة الأولى أزمة رهونات العقارات التجارية وأزمة بطاقات الائتمان. بالنسبة للأولى لم يكن لدي شك في احتمال انطلاق هذه الأزمة مع تردي الأوضاع الاقتصادية ومن ثم تعقد أوضاع قطاع الأعمال وتوقفه عن سداد أقساط القروض التي منحت لقطاع العقارات التجارية، ولكن مع مرور الوقت كانت تأتينا تدفقات البيانات بأن القطاع يتعافى، وبالفعل مرت الأزمة بسلام.

الأزمة الأخرى التي كانت مرشحة من وجهة نظر البعض للانفجار هي أزمة بطاقات الائتمان، والتي كنت منذ البداية أرى أن من يضخمون من مخاطر اندلاع هذه الأزمة لا يفهمون بصورة دقيقة طبيعة العوامل المؤثرة فيها أو عليها.

فمن حيث الحجم نجد أن إجمالي قروض بطاقات الائتمان يعد الأصغر بين مختلف الديون، ومن ثم يمثل نسبة صغيرة بالقياس إلى إجمالي الدين القائم على القطاع العائلي حيث تدور هذه الديون حول التريليون دولارا تقريبا مقارنة بحوالي 54 تريليون دولار هي إجمالي الديون العامة والخاصة في الولايات المتحدة، وبالمناسبة فإن أعلى مستويات قروض بطاقات الائتمان حدثت في قمة الأزمة في منتصف 2008،وبمعنى آخر فإنه حتى لو اضطرت البنوك إلى إلغاء جانبا كبيرا من هذه القروض من قائمة أصولها بسبب توقف الأفراد عن السداد فإن ذلك لن يؤدي إلى اندلاع أزمة على النحو الذي شهدناه في أزمة رهونات المساكن.

أمابالنسبة للعوامل المؤثرة على أداء الأفراد في سداد التزاماتهم نحو البنوك المصدرة لهذه البطاقات فإن العامل الرئيس الذي يدفع إلى القلق بشأن قروض بطاقات الائتمان ليس هو ارتفاع معدلات البطالة، وإنما طول الفترة التي يقضيها العامل في حالة تعطل عن العمل، حيث ينص قانون التأمين ضد البطالة في الولايات المتحدة على أن يصرف تأمين البطالة لمدة 26 أسبوعا متتالية، فإذا ما ازدادت المدة التي يقضيها العامل في حالة بطالة عن 26 أسبوعا فإنه في أغلب الأحوال يتم قطع إعانة البطالة عن العامل وتنحسر مصادر دخله بصورة كبيرة،ومن ثم تبدأ مخاطر توقف المستهلك عن سداد قروضه التي يستخدم فيها بطاقات الائتمان.

معنى ذلك أنه لو قامت الحكومة بالسماح للعمال بالحصول على إعانات البطالة بعد تجاوز هذا الحل (26 أسبوعا)، فان مخاطر تدهور أداء المقترضين تتراجع على نحو كبير. وعلى ذلك فإن قروض بطاقات الائتمان تتحول إلى مشكلة في حالة واحدة؛ إذا توقفت المرتبات عن التدفق لحسابات الأفراد شهريا، والتي تستقطع منها البنوك أقساط قروض بطاقات الائتمان.

منذعدة أشهر وتأتينا تدفقات البيانات والشواهد على أن أداء المقترضين ببطاقات الائتمان يتحسن على نحو كبير، خصوصا مع انعكاس اتجاهات النمو الاقتصادي وبدء خروج الاقتصاد الأمريكي من الأزمة، وتدفقات بيانات الناتج المحلي الإجمالي التي تشير إلى ارتفاع معدلات نمو الدخل الشخصي بصورة أكبر من معدلات نمو الناتج، وهذا هو الأهم، مما يعني أن الدخل المتاح للإنفاق للأفراد يصبح أكبر ومن ثم تزداد قدرة الأفراد على خدمة ديونهم الشخصية، بصفة خاصة قروض بطاقات الائتمان.

تدفقات المعلومات عن شهر مايو من البنوك الرئيسية المصدرة لبطاقات الائتمان تشير إلى تحسن الأداء بصورة واضحة، مما يدل على ارتفاع قدرة المستهلكين في الولايات المتحدة على سداد ديونهم الشخصية.

على سبيل المثال يشير سيتي بأنك أن معدلات التأخر في السداد انخفضت في مايو الماضي إلى 8.42% مقارنة بـ 9.02% في ابريل الذي يسبقه، كذلك أشار بنك أو أمريكا، وجي بي مورجان، وتشيز، وأمريكان اكسبرس، وكابيتال ون، وديسكفر أن معدلات التأخر في السداد انخفضت بشكل واضح، وأن هناك تحسنا في معدلات الدفع بحد أدنى 0.2%.

بهذا الشكل تكون معدلات التوقف عن السداد قد تحسنت للشهر الخامس على التوالي هذا العام، مما يشير إلى زيادة قدرة المستهلكين على التحكم في مدفوعات خدمة قروضهم الشخصية على الرغم من أن معدلات البطالة ما زالت مرتفعة.

يرجع معظم المراقبين هذا التحسن إلى التحول في سلوك المستهلكين في الولايات المتحدة وميلهم بصورة أكبر نحو الادخار والحد من الإنفاق الاستهلاكي لكي يتمكنوا من دفع ما عليهم من ديون. الأخبار الجيدة هي أنه بالمقارنة بأعلى مستوياتها في منتصف 2008، فإن إجمالي قروض بطاقات الائتمان انخفض بنسبة 12.5% حيث بلغت في ابريل الماضي 838 مليار دولارا (انظر على سبيل المثال هذاالمصدر).

اليوم يقدر إجمالي قروض بطاقات الائتمان بحوالي 816 مليار دولارا فقط. وتجدر الإشارة إلى ان جانبا من هذا الانخفاض يرجع إلى إلغاء بعض هذه الديون من أصول البنوك المصدرة للبطاقات باعتبارها ديون معدومة أو غير قابلة للتحصيل.

بعض المراقبين يرى أيضا ان أحد أسباب التحسن في أداء المستهلكين في سداد قروض بطاقات الائتمان يعود إلى تغير نظم بطاقات الائتمان والتي تم تطبيقها بدءا من فبراير الماضي، والتي قيدت من قدرة البنوك على زيادة معدلات الفائدة على تلك القروض وقيدت قدرة البنوك على فرض رسوم على هذه القروض وهو ما سهل على المستهلكين خدمة هذا النوع من القروض.

وأيا كان السبب فإن المهم هو أن قروض بطاقات الائتمان ليست مرشحة لأن تسبب أزمة مالية، وهذا ما كان واضحا منذ البداية بالنظر إلى حجم تلك القروض.