دور صندوق النقد الدولي بعد الأزمة المالية العالمية

22/05/2010 0
د.محمد إبراهيم السقا

نشر في العدد الخامس من مجلة آفاق المستقبل مايو 2010 مقدمة صندوق النقد الدولي هو أحد أهم المؤسسات الدولية المتخصصة التي تم إنشاؤها بموجب معاهدة "بريتون وودز" في عام 1945، ويهدف الصندوق أساسا إلى الحيلولة دون وقوع أزمات في النظام النقدي الدولي من خلال حث الدول الأعضاء، الذين يتجاوز عددهم 180 عضوا حاليا، على تبني سياسات اقتصادية سليمة ومد الأعضاء بما يحتاجونه من موارد مالية بصورة مؤقتة لمعالجة ما يتعرضون له من مشكلات في ميزان المدفوعات، ويعمل صندوق النقد الدولي على تحسين الأوضاع الاقتصادية العالمية من خلال ضمان التوسع المتوازن في التجارة العالمية، وتحقيق استقرار معدلات صرف العملات، والعمل على وقف تنافس الدول على تخفيض قيم عملاتها، فضلا عن العمل على تصحيح اختلالات موازين المدفوعات للدول الأعضاء، وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، يقوم الصندوق بمراقبة التطورات والسياسات الاقتصادية والمالية للأعضاء وتقديم النصيحة فيما يتعلق بالسياسات التي يجب أن يتبعها الأعضاء، وإقراض الدول الأعضاء التي تواجه مشكلات في موازين مدفوعاتها، ودعم سياسات التصحيح والإصلاح الهيكلي التي تهدف إلى معالجة أوجه الخلل الهيكلي الذي تواجهه، فضلا عن تقديم المساعدة الفنية إلى حكومات البلدان الأعضاء.

ومنذ وقوع الأزمة المالية العالمية مارس الصندوق دورا فعالا في مساعدة العالم على الخروج من الأزمة، واتخذ العديد من الإجراءات بهدف زيادة الموارد المالية التي يتيحها للدول الأعضاء للتكيف مع أوضاع الأزمة، بل وقام بتعديل شروط الإقراض للدول الأعضاء في ظل الأزمة، ولعل حده الأزمة الحالية تفرض الكثير من التساؤلات حول الدور الذي يجب أن يلعبه الصندوق في مرحلة ما بعد الأزمة. ويحاول المقال الحالي عرض متطلبات الدور الذي يجب أن يلعبه صندوق النقد الدولي في مرحلة ما بعد الأزمة، وباختصار فإن الصندوق في حاجة إلى تقييم الدور الذي يقوم به في تقديم الموارد المالية اللازمة للدول الأعضاء فضلا عن تعزيز موارده المالية ومراجعة متطلبات أداء هذا الدور بالفاعلية المطلوبة لتحقيق الاستقرار النقدي الدولي والنظر في تعديل نظامه الأساسي، بصفة خاصة نظام الحصص، وكذلك النظر في إدخال نظام متعدد الأطراف للمراقبة لضمان سلامة النظام النقدي الدولي، وبشكل عام يمكن تصور ثلاث أولويات أساسية للصندوق في أعقاب الأزمة تتمثل في:

العمل على تجنب تكرار مثل هذه الأزمة ان اضطلاع صندوق النقد الدولي بهذا الدور يقتضي تعديلا في طبيعة الدور الرقابي الذي يقوم به الصندوق في النظام النقدي العالمي الآن، إذ يقتصر دور الصندوق حاليا على متابعة الأوضاع المالية والنقدية للدول الأعضاء وبصورة ثنائية Bilateral، ومن ثم تقديم المشورة المناسبة وفقا لرؤيته حول تطورات الأوضاع المالية والنقدية في كل دولة على حده، ومثل هذا الدور في حاجة إلى ان يتطور بصورة تمكن الصندوق من ممارسة دور رقابي ومتابعة للأوضاع المالية بصورة متعددة الأطراف Multilateral، أي على المستوى الدولي، ولا شك ان قيام الصندوق بمثل هذا الدور سوف يتطلب تعديلا جذريا في مهام الصندوق ورسالته، غير ان الحديث يتزايد اليوم عن أهمية ومتطلبات قيام الصندوق بهذا الدور.

تطوير نظم التعامل مع الأزمات لقد أظهرت الأزمة وبصورة جلية المخاطر التي يمكن ان تترتب على نقص الموارد المالية للدول الأعضاء، ويتصور في عالم ما بعد الأزمة ان يطور الصندوق من موارده وإمكانياته المالية بغرض تأمين الحجم اللازم من الموارد المالية الذي يساعد مختلف دول العالم على مواجهة نقص الاحتياطيات في ظل ظروف الأزمات، وبشروط إقراض ميسرة وبالصورة التي تمكن دول العالم من استعادة مستويات النشاط الاقتصادي بسهولة وبدون تكلفة كبيرة.

دعم الاحتياطيات الدولية لقد كشفت الأزمة الحالية عن مدى قصور موارد الصندوق من الاحتياطيات التي يمكن استخدامها لمواجهة متطلبات الاستقرار النقدي في الدول الأعضاء، ولعل الأزمة الحالية تمثل فرصة هامة للصندوق لمراجعة استراتيجياته في هذا المجال، وتطوير نظم مبتكرة لتأمين احتياطيات دولية مستدامة وبما يجنب الدول الأعضاء تكاليف الإفراط في الاحتفاظ باحتياطيات فائضة عن الحاجة على النحو الذي سيرد تفصيله لاحقا.

ولوضع هذه الأولويات موضع التنفيذ يحتاج الصندوق إلى مجموعة من الخطوات الأساسية لتعزيز دوره على المستوى الدولي.

تفعيل الرقابة المالية للصندوق يأمل المراقبون في أن يتمكن الصندوق في المستقبل من الاضطلاع بمهام الرقابة على النظام المالي العالمي ويكون قادرا، بالتعاون مع مجلس الاستقرار المالي، على زرع جهاز للإنذار المبكر الذي يكفل توجيه أنظار العالم للمخاطر المحيطة بالنظام المالي العالمي وأهمية التدخل في الوقت المناسب وكيفية التدخل لمنع تدهور الأوضاع في الأسواق المالية العالمية. كما يأمل الصندوق ببدء برنامج تقييم القطاع المالي FSAP بما يمكن الصندوق من ممارسة قدر أكبر من الرقابة المالية والاقتصادية. غير أنه تنبغي الإشارة إلى ان هذا الدور يقتضي ضرورة تعزيز القدرة الرقابية للصندوق على الدول المتقدمة وعلى الأسواق المالية الأكثر تأثيرا في العالم، وأن قدرة الصندوق على ممارسة هذا النوع من الرقابة سوف تعتمد أساسا على قدرته على إجراء تقييم للأوضاع المالية للدول، بصفة خاصة سياسات القطاع المالي في الدول ذات التأثير الكبير في النظام المالي الدولي، وهو ما يتطلب إعطاء الصندوق صلاحيات ربما تتجاوز صلاحياته الحالية فيما يتعلق بقدرته على القيام بالتقييم والرقابة على الأوضاع المالية للدول الأعضاء، وعلى التزام الدول الأعضاء بالتعاون مع الصندوق لتحقيق مستهدفاته في هذا المجال، ومدى إمكانية إعلان نتائج هذا التقييم بالشفافية المطلوبة التي تجنب النظام المالي الدول المخاطر النظامية التي يمكن أن تنجم عن كشف مثل هذه النتائج. وبشكل عام لابد من إعادة النظر في الصلاحيات الممنوحة للصندوق لتشمل، ليس فقط السياسات الاقتصادية الكلية وإنما أيضا، سياسات الاستقرار المالي التي يمكن أن تحدث تأثيرا على مستويات الاستقرار في العالم، وذلك بدلا من الاهتمام بصفة أساسية بسياسات توازن ميزان المدفوعات والاستقرار النقدي والمالي واللذان يمثلان محط اهتمام الصندوق. كذلك فإن اتساع أسواق المال في ظل مناخ العولمة الجديد لا بد وان يصاحبه أيضا منح الصندوق صلاحيات أكثر في مراقبة تحركات رؤوس الأموال ومنع أي مخاطر نظامية يمكن أن تنشأ عنها.

من ناحية أخرى فإن المشكلة الأساسية في الإطار الحالي للرقابة والمتابعة من قبل الصندوق أنه ينصب بصورة أساسية على النظام الثنائي، أي من خلال تقييم الصندوق للسياسات النقدية والمالية للدول الأعضاء، بشكل ثنائي، والموجهة أساسا لضمان الاستقرار النقدي وتوازن ميزان المدفوعات، بينما لا يوجد حاليا نظام رسمي متعدد الأطراف يتيح للصندوق القيام بهذه المهمة على المستوى الدولي، وان كان الصندوق يقوم حاليا بنشر تقارير في غاية الأهمية عن الأوضاع العالمية مثل تقرير World Economic Outlook، وتقرير Global Financial Stability Report، غير ان هذه التقارير تظل في النهاية مجرد تقييم للأوضاع المالية العالمية دون ان تخول الصندوق للقيام بما يلزم لمنع أو تعديل المخاطر التي يمكن ان تسبب أزمة نظامية.

زيادة الموارد المالية والتسهيلات التي يقدمها للصندوق تعد الموارد المالية الحالية للصندوق، للأسف، محدودة نسبيا قياسا إلى حاجة الدول الأعضاء للاقتراض، بصفة خاصة في الظروف غير الاعتيادية مثل الأزمات المالية، ولذلك غالبا ما يلجأ الصندوق إلى الأعضاء الذين لديهم فوائض مالية لتوفير الموارد بشكل مؤقت لدعم قدرته على توفير المساعدة في أوقات الطوارئ. وقد أثبتت الأزمة الحالية مدى قصور موارد الصندوق عن تلبية احتياجات الاستقرار المالي والاقتصادي في العالم، ويعمل الصندوق حاليا على تنفيذ برنامج مكثف لبيع جانب من مخزون الذهب الذي يملكه، كما يفترض ان تنطوي المراجعة القادمة لحصص الدول الأعضاء عن زيادة جوهرية في إجمالي موارد الصندوق بما يدعم قدرته على تأمين جانب أكبر من الاحتياجات المالية للدول الأعضاء في الأجل الطويل، وبما يساعد على تحقيق الأهداف الأساسية للصندوق كمقدم للمساعدات المالية اللازمة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي للدول الأعضاء، وبما يعمل على تقليل الحاجة لدى الدول على الاحتفاظ باحتياطيات دولية مفرطة لمواجهة احتياجات ميزان المدفوعات، والتي غالبا ما تكون مكلفة للدول وكذلك للنظام المالي الدولي.

من ناحية أخرى فان الدور الجديد الذي يؤمل أن تلعبه حقوق السحب الخاصة سوف يرفع من احتياطيات الدول الأعضاء ومن ثم زيادة قدرتها على التعامل مع اختلالات موازين مدفوعاتها، وحقوق السحب الخاصة هي أصل احتياطي دولي أنشأه الصندوق في عام 1969 لدعم التوسع في التجارة العالمية، ويقوم الصندوق بإصدار هذه الحقوق وتخصيصها للأعضاء حينما تنشأ الحاجة، وقد اقر الصندوق في العام الماضي زيادة جوهرية في توزيعات حقوق السحب الخاصة بحوالي 250 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (حوالي 283 مليون دولارا)، والتي يتوقع ان يترتب عليها تحسينا جوهريا في أوضاع الاحتياطيات الدولية للأعضاء، بصفة خاصة الدول الناشئة. غير أن عملية ربط توزيع حقوق السحب الخاصة بنظام الحصص في الصندوق تقلل من الفوائد المرجوة لمثل هذا التوزيع على الاحتياطيات الدولية للدول الفقيرة، حيث يبلغ إجمالي نصيب الدول المنخفضة الدخل من هذه التوزيعات حوالي 18 مليار دولارا فقط، وعلى كل حال من المفترض، بعد هذه الزيادة الجوهرية في حقوق السحب الخاصة، أن يفكر الصندوق بصورة ملية في تطوير هذه الأداة لكي تلعب دورا اكبر في الاحتياطيات العالمية للدول الأعضاء، ولدعم قدرة الصندوق على توفير تلك الاحتياطيات، بصفة خاصة للدول الفقيرة.

يفترض أيضا ان يحدث تحول جوهري في شروط المساعدات التي يقدمها الصندوق للدول الأعضاء بصفة خاصة فيما يتعلق بتكلفة الاقتراض من الصندوق، وتجدر الإشارة إلى حدوث تحولات مهمة في هذا الجانب حيث أعلن الصندوق عن زيادة غير مسبوقة في الموارد المتاحة للإقراض بشروط ميسرة، ويتوقع ان يصل حجم هذه الموارد إلى 17 مليارا بحلول عام 2014، كما أعفى الصندوق الدول الفقيرة من مدفوعات الفائدة على القروض الميسرة حتى 2011. ومن أهم الخطوات التي اتخذها الصندوق هي إنشاء ما يسمى بخط الائتمان المرن والموجه أساسا لحماية الدول التي تتسم بأدائها الاقتصادي الثابت، الذي يتيح التمويل على الفور بمبالغ جوهرية يمكن أن تصل إلى 500% من حصة العضو وبدون أي شروط إضافية. ويتميز هذا الخط بأنه يسمح للعضو بالسحب من موارد الصندوق بغض النظر عن استيفاءه لأهداف السياسة الموضوعة من قبل الصندوق، على عكس ما عهد عليه الصندوق في الماضي من ربط السحب من موارده بالالتزام بتطبيق إجراءات السياسة الموضوعة في الاتفاق، غير أنه وللأسف الشروط الخاصة بهذا الخط الائتماني لا تنطبق إلا على مجموعة قليلة من دول العالم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستفيد منه دولة فقيرة. كذلك يجري العمل حاليا على رفع الحدود القصوى للاقتراض التراكمي للعضو إلى 600% من حصة العضو.

كذلك يفترض من الناحية النظرية أن يلعب الصندوق في المستقبل دور المقرض الأخير لدول العالم Lender of the last resort، لكي تحصل على احتياجات الاقتراض اللازمة لها منه، وهي مهمة يبدو ان الصندوق غير مستعد لها، على الأقل في الوقت الحالي، ذلك أن وظيفة المقرض الأخير تتطلب حجما من الموارد يفوق الإمكانيات الحالية والمتوقعة في المستقبل المنظور للصندوق، ولذلك تجد دول العالم نفسها تحت ضغط الاحتفاظ بقدر مناسب من الاحتياطيات يتوافق مع احتياجاتها المتوقعة، ولما كان قدرا كبيرا من الاحتياطيات على المستوى العالمي لا يتم استخدامه، فان النظام الحالي للاحتفاظ بالاحتياطيات يترتب عليه تكلفة فرصة ضائعة ضخمة لدول العالم مجتمعة، ولذلك فإن تعظيم العائد من الاحتياطيات قد يتطلب من الصندوق العمل على إنشاء مجمع الاحتياطيات على المستوى العالمي من خلال ابتكار ترتيبات لتجميع الاحتياطيات على المستوى القطري في هذا المجمع، ويتم بمقتضى هذا النظام تسهيل حصول الدول على الاحتياطيات الكافية لها وبما يتوافق مع استدامة قدراتها على رد تلك الاحتياطيات، وهو النظام الذي يمكن الصندوق بأن يضطلع بوظيفة المقرض الأخير وفي ذات الوقت يمكن الصندوق من إدارة قدر هائل من الاحتياطيات الدولية التي تمكنه من أن يلعب دور المقرض الأخير بسهولة وفاعلية وبما يساعد على تدنية الاحتياطيات على المستوى القطري. ومما لا شك فيه أن مثل هذا المقترح سوف يتطلب قدرا عاليا من التنسيق بين الصندوق ودول العالم المختلفة فيما يتعلق بمستويات وكيفية استخدام الاحتياطيات الفائضة من قبل الصندوق وهو أمر ليس متاحا حاليا في النظام النقدي الدولي.

إصلاح نظام الحصص تمثل حصة الدولة في صندوق النقد الدولي مساهمتها في رأس مال الصندوق، ولحصة الدولة أهمية كبيرة لأنها تحدد القوة التصويتية للعضو من جانب، وتحدد أيضا التسهيلات المالية التي يمكن أن يحصل عليها العضو من الصندوق من جانب آخر، بما في ذلك توزيعات حقوق السحب الخاصة. ويتسم التوزيع الحالي للحصص بعدم العدالة بين دول العالم المختلفة، خصوصا دول العالم الفقير، وهي مجموعة الدول الأحوج لمساعدة الصندوق ومساندته. المشكلة أن هذه المجموعة من الدول ممثلة تمثيلا اقل مما يجب، ووزن قوتها التصويتية ضعيف للغاية، ومن فإن الصندوق في حاجة إلى إصلاح النظام الحالي للحصص لكي يعكس ليس فقط الأهمية النسبية للدول الأعضاء في التجارة والمعاملات المالية الدولية كما هو الحال الآن، ولكن أيضا لإتاحة الفرص بصورة اكبر للدول الأقل تمثيلا في الحصص، بصفة خاصة الدول الفقيرة، وتقليص هيمنة الدول الغنية على عمليات اتخاذ القرارات في الصندوق. وتجدر الإشارة إلى ان الصندوق يقوم بمراجعة دورية لنظام الحصص وقد كان آخر موعد للمراجعة هو 2008، وموعد المراجعة القادمة، وهي المراجعة رقم 14، هو 2011، ويقترح في هذه المراجعة ان تتم مضاعفة الحصص بهدف زيادة موارد الصندوق على نحو مستدام، وكانت مجموعة العشرين قد اقترحت إجراء إصلاح في نظام الحصص الحالي من خلال إعادة هيكلة هذه الحصص بحيث يسحب جزءا من حصص الدول ذات التمثيل المرتفع في الصندوق إلى الدول الناشئة والنامية بحوالي 5%-7% على الأقل، ووفقا لهذه الإصلاحات يفترض ان تحصل 54 دولة على زيادات في حصصها، غير ان المراجعات السابقة لم تسفر عن تعديل جوهري في خفض حصص الدول المهيمنة.

تعزيز الحوكمة والشفافية كثيرا ما توجه إلى صندوق النقد الدولي بعض الانتقادات المرتبطة بدرجة الحوكمة والشفافية التي يتمتع بها، على سبيل المثال هناك نقص في الشفافية في اختيار قادة الصندوق، ولتعزيز مستويات الشفافية لا بد وان تتم عملية اختيار مدير صندوق النقد الدولي والموظفين المهمين فيه على أساس من المنافسة والكفاءة وليس على أساس الجنسية أو حجم حصة الدولة العضو التي ينتسب إليها المرشح مثلما هو متبع حاليا بشكل غير رسمي، كما يجب مراجعة تشكيل المجلس التنفيذي للصندوق بحيث تتم إتاحة تمثيل أفضل للدول النامية والفقيرة. من ناحية أخرى فإن تعزيز دور الصندوق عالميا سوف يتطلب إصلاحا مؤسسيا للإطار الذي يمارس فيه الأعضاء عملية التصويت على القرارات التي يتخذها والسياسات التي ينفذها الصندوق، كما أن لجان ومجالس الصندوق في حاجة إلى مراجعة أدوارها ومسئولياتها. كذلك تجري محاولات حاليا لرفع درجة الشفافية في البيانات التي ينشرها والمعلومات المتعلقة بعمل الصندوق، وقد وافق المجلس التنفيذي على نشر الوثائق التي يصدرها الصندوق، ما لم يعترض البلد العضو، وتوسيع نطاق الوثائق التي يجب أن تنشرها السلطات الوطنية بما في ذلك تلك الخاصة بصحة القطاع المالي، ونشر كافة الوثائق المتعلقة بالسياسات مالم تتضمن معلومات تؤثر على السوق.

كذلك فإن تعزيز الحوكمة يتطلب تعديل نظام الحصص الحالي على النحو الذي سبقت الإشارة إليه، ويأتي تعديل الحصص من مصدرين الأول هو زيادة عدد الأصوات الأساسية في الصندوق والثاني إعادة توزيع هذه الأصوات بين الدول الأعضاء. ويأتي مقترح إصلاح نظام الحصص بهدف التأكد من أن الأوزان التصويتية للدول الأعضاء تعبر بشكل أفضل عن المراكز النسبية لكل عضو في الاقتصاد الدولي، وأنه ويأخذ في الاعتبار التغييرات التي حدثت في تلك المراكز، فضلا عن تعزيز تمثيل الاقتصاديات الصغيرة نسبيا.

وكثيرا ما ينتقد الصندوق بأنه يضع شروطا قاسية على الدول التي تلجأ إليه، ويفكر الصندوق حاليا في إصلاح نظام الإقراض وتخفيف الشروط التي يفرضها على الدول الأعضاء التي تلجأ إليه، بما يمكن الصندوق من المساعدة على منع وقوع الأزمات ومعالجة ما يقع منها بفاعلية أكبر، ويعمل الصندوق حاليا على التخفيف من شروط الإقراض في اتفاقيات المساندة، حيث تنقسم الشروط إلى نوعين: شروط اقتصادية كلية وتنصرف إلى ضرورة التزام العضو بالعمل على تخفيض معدل التضخم والسيطرة على عجز الميزانية والحد من نمو الدين العام وإعادة تعبئة الاحتياطيات الدولية.. الخ، وشروط هيكلية، وتنصرف إلى التزام الدولة بضرورة اتخاذ ما يلزم لإصلاح النظام الضريبي والمالية العامة وتعزيز الرقابة المصرفية وبناء شبكات الأمان الاجتماعي، وغالبا ما تشعر الدول التي تضطر إلى اللجوء إلى الصندوق بكثافة الإجراءات المطلوب اتخاذها وتعددها بالدرجة التي تشعر الدولة بافتقاد سيادتها الوطنية على عملية صناعة السياسات بها بسبب الإفراط الشديد في التدخل من قبل الصندوق في شئونها، ولإصلاح النظام الحالي ادخل الصندوق إطارا جديدا لعملية الإقراض يعتمد على الأهداف الأساسية لبرنامج الإصلاح الهيكلي الذي سيطبقه العضو، بدلا من التركيز على استيفاء الإجراءات في التوقيتات المحددة سلفا، وقد كان العضو يحرم من الاستفادة من موارد الصندوق إذا ما لم يتمكن من الالتزام بالشروط الهيكلية المتفق عليها، حتى ولو كانت هناك أسباب وجيهة تؤخر تنفيذ مثل هذه الالتزامات من قبل العضو، وفي جميع الحالات كان ينظر إلى العضو بأنه حاد عن الإطار الصحيح للإصلاح الهيكلي، أما الآن فقد أصبح من حق العضو الاستفادة بالشرائح التالية في القروض طالما أنه ماض في تنفيذ السياسات المتفق عليها مع الصندوق بنجاح، أي أن الصندوق أصبح يركز على مراقبة مدى تنفيذ العضو للسياسات وليس مراقبة معايير الأداء الهيكلية. مثل هذه الإجراءات سوف تشجع الدول على اللجوء إلى الصندوق لمعالجة أزماتها ومشاكلها الهيكلية بعد ان كان الكثير من الدول يتردد في اللجوء إلى الصندوق لتفادي تدخله الحاد في شئونها الداخلية.

تقديم ما يلزم من مساعدات فينة تنبغي الإشارة إلى أنه قد حدث تحول جوهري في المهام التي يقدمها الصندوق من مجرد مقدم للمساعدة المالية عند الحاجة إلى الاهتمام بالمساعدات الفنية التي يمكن أن يقدمها للدول الأعضاء بصفة خاصة الدول الفقيرة. ويهدف الصندوق من وراء تقديم المساعدات الفنية إلى مساعدة الدول على بناء المؤسسات اللازمة لدعم مستويات النمو بها كما يمكنه دعوة المؤسسات الدولية والإقليمية للمساهمة في تحديد السياسات ووضع الأولويات لهذه الدول. وتتمثل أهم مجالات المساعدة الفنية في دعم مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وإعانة الدول الفقيرة على استيعاب المساعدات من الدول المانحة والدول الأخرى المقدمة للمساعدات، والمساعدة في كيفية تقديم وتبويب البيانات والإحصاءات بالصورة التي تسهل عمل التحليلات الاقتصادية والمالية السليمة، ورسم وتنفيذ سياسات للمالية العامة والميزانية وإدارة الإنفاق العام ومراقبته، وإدارة الإيرادات من الثروة الطبيعية بما في ذلك إدارة الصناديق السيادية، وإدارة الدين العام للدولة والتأكد من استدامة قدرة الدول على مواجهة أعباءه وتقوية الأطر الرقابية والقانونية والبنى التحتية للأسواق المالية وتحليل الروابط الاقتصادية الكلية والمالية.