اليوم ومع الانتشار المتزايد والمتكرر للإعلانات الخارجية أصبح من الصعب علينا تجاهل هذه الإعلانات لاسيما مع ما تشهده شوارع مدينة دبي مثلاً من ازدحام مروري يومي. ولكن هل كلها يؤثر بنا؟؟.. بالطبع لا. فالإعلانات الملفتة والمؤثرة تحتاج إلى دراسة دقيقة وموضوعية يتم توظيفها في خلق فكرة إبداعية وتصميم مبتكر وإيجاد مكان مناسب لنشرها.
خلال السنوات الماضية، كان من الملاحظ أن بعض المحطات التلفزيونية الخليجية بدون ذكر اسماء حظيت بنسبة كبيرة من الإعلانات والتي تعطي مؤشراً واضحاً على زيادة الإنفاق الإعلاني بشكل عام، وبالتالي زيادة الدخل الإعلاني لتلك المحطات. ولكن ومع غياب القوانين المحددة للإعلانات من حيث مدة بثها وعدد المرات التي تسمح بتكرارها خلال فترة زمنية معينة، كان الخاسر الوحيد هو المشاهد أو ما اسميه بالمتلقى ، حيث لجأت بعض القنوات التلفزيونية إلى بث الإعلانات بشكل مكثف ومكرر خلال بعض المسلسلات ولكن دون مراعاة الحد الأدنى من متطلبات البث الإعلاني، ودون الاهتمام بالانعكاسات السلبية على متعة المشاهدة التي يسعى إليها المشاهدون، بحيث يمكننى القول إنها كانت تبث إعلاناً بين الإعلان والآخر!
وفى اوقات تفسد على المشاهد متعة المشاهدة. هذا الزخم الإعلاني أو ما اسميه بمدفعية الاعلانات مازال يواصل نموه في منطقة الخليج العربي، ولكنه لم يقتصر على الإعلانات المطبوعة أو المتلفزة، بل امتد إلى إعلانات الطرق التي باتت هي الأخرى تعاني من اكتظاظ شديد حتى أنى أظن أن أغلب حوادث الطرق يكون سببها أو أحد أسبابها هو الاعلانات وانشغال السائق بها وأنا أحدهم. واليوم وصل الإنفاق الإعلاني في منطقة الخليج ودول المشرق العربي ارتفع خلال العام الماضي 2008 ليصل إلى 7.9 مليارات دولار بزيادة 19% مقارنة بالعام 2007، حيث جاءت دولة الإمارات العربية المتحدة في المركز الأول من حيث الإنفاق الإعلاني بنحو 1.3 مليار دولار، تلتها السعودية 998 مليون دولار، ثم مصر 934 مليون دولار، واحتلت الكويت المركز الرابع بنحو 644 مليون دولار، بينما جاءت قطر في المرتبة الخامسة بنحو 292 مليون دولار، ولبنان سادساً 278 مليون دولار.
وبينما تتخذ الصحف المرتبة الأولى دوماً باستحواذها على نسبة كبيرة من إجمالي الإنفاق الإعلاني نظراً لسهولتها وانخفاض تكاليفها مقارنة بالإعلانات المتلفزة واعتياد مديرى التسويق عليها معظم الوقت وتجاهلهم لاى وسيلة أخرى، بينما احتلت المجلات المركز الثالث، تليها إعلانات الطرق، ومن ثم إعلانات الراديو ودور السينما وبالطبع تتبؤ الاعلانات الرقمية المركز الاخير نظرا للعديد من الاسباب قد ذكرتها فى مقالى السابق بعنوان البدان العربية وجهاد التكنولوجيا ( معوقات التقدم ومؤشرات النجاح) من المؤكد أن الإعلان الخارجي أصبح يحظى باهتمام كبير، ولم يعد يقتصر على الشركات الصغيرة أو المتوسطة الحجم التي لا تملك ميزانية إعلانية كافية، بل امتد إلى الشركات الكبرى التي تحرص على تنويع أسالبيها الإعلانية بهدف الوصول إلى أكبر عدد من المستهلكين والسعي إلى ترسيخ علاماتها التجارية في عقولهم بالاكراه. وبالفعل انتشرت إعلانات الطرق بشكل مكثف في شوارع المدن الخليجية لاسيما دبي حيث انى متابع جيد لها وعن قرب، وبدأت تأخذ حيزاً من اهتمام المستهلك. ولكن هذه الوسيلة الإعلانية تبقى بحاجة إلى إدراك أعمق لطبيعتها بحيث أن نتائجها لا تتحقق خلال فترة زمنية قصيرة. ورغم أنها وسيلة فعالة لإيصال الرسالة الإعلانية إلى المستهلكين أو لترسيخ العلامة التجارية في عقولهم، إلا أنها بالإضافة إلى متطلبات الوقت، فهي تحتاج أيضاً إلى العديد من العوامل التي تساهم في إنجاحها وليست أعلن اليوم أجنى الارباح غدا. وأرى أن كثير من الشركات التي أصبحت تحرص على تواجد إعلانها وتكراره في مناطق تشهد كثافة بحركة المرور والسعي إلى اختيار أفضل المواقع التي تحقق مشاهدة واضحة من وجهة نظرى لن تحقق الهدف المرجو وهو تحقيق الارباح، ولكن يبقى تصميم الإعلان وإظهار فكرته بشكل واضح وذكي من أهم النقاط التي تساعد على نجاحه ووصوله إلى المستهلكين، وبالتالي التأثير في قراراتهم الشرائية.
وبالرجوع الى الامارات فالانتشار المكثف لإعلانات الطرق في مدينة دبي تخلله إعلانات ناجحة ومتكاملة، كما تخلله أيضاً إعلانات تعاني من نقص الإبداع، سواء من حيث الفكرة أو من حيث التصميم. كما انتشرت العديد من الإعلانات التي تعاني من الأخطاء اللغوية ومعظمها أخطاء باللغة العربية! والسبب معروف لتواجد بعض الجنسيات غير العربية من الجنسية-----لاداعى لذكرها بكثرة . إضافة إلى إعلانات ابتعدت عن الأخطاء اللغوية لكنها دخلت في متاهات الترجمة الحرفية أو غير المتقنة، وأخرى دخلت في دهاليز نسخ بعض أفكار الإعلانات الأجنبية. وعلى ما يبدو فإن هذا المشهد الإعلاني هو نتيجة لعدم حرفية بعض الوكالات الإعلانية أو لسعيها إلى تنفيذ أكبر قدر ممكن من الإعلانات دون الالتفات إلى مستويات الجودة، ومحاولات التقليد والنسخ سعياً إلى النجاح، بالإضافة إلى تدخل بعض المعلنين "الشركات المعلنة" في تصميم الإعلان وتحجيم دور الوكالة الإعلانية بادعاء احنا فاهمين بنعمل ايه هذة المقولة الشهيرة فى دبى.
وأود الاشارة الى سوق المملكة العربية السعودية الذى يعاني من نقص الانفتاح في الوقت الذي ترتفع فيه مستويات الرقابة على كل ما ينشر من الإعلانات في كافة الوسائل الإعلامية، نظراً للقناعات المنتشرة في المجتمع والمؤسسات الرقابية بأن العديد من الإعلانات "لاسيما التي تظهر فيها النساء" مخالفة لتعاليم الدين والتقاليد الاجتماعية. وبذلك أصبحت الكثير من الوكالات الإعلانية تلقي بكامل مسؤولية فشل الإعلانات التي تقوم بتنفيذها من حيث المضمون والتصميم على عاتق العادات والتقاليد، وتبرر سوء تصميم إعلاناتها بأنه عائد إلى القيود المفروضة! ومن المؤكد أن العرف والمحرمات تؤثر بشكل كبير على المستوى الإبداعي، ولكن ألا يمكن صناعة إعلانات طرق تحقق الحد الأدنى المطلوب منها؟ أو باختصار ألا يمكن صناعة إعلان جيد؟! حقيقى الوطن العربى لديه الكثير والكثير للوصول للمستوى المطلوب. فبنظرة بسيطة إلى الإعلانات التي تمثل منتجات الشركات العالمية الكبرى أو علاماتها التجارية مهما اختلفت الوسيلة الإعلامية التي تبثها، نلاحظ أن هذه الشركات: مثل "يونيليفر" و"بيبسي" و"كوكاكولا" وغيرها، تراعي تماماً طبيعة وثقافة المجتمع الذي تعمل فيه، لكنها لا تتنازل أبداً عن متطلبات الإعلان الجيد. فمثلاً من يشاهد إعلانات منتجات شركة "يونيلفر" في التلفزة الغربية، ويشاهد إعلاناتها في التلفزة العربية يلاحظ الفارق الكبير بينها من حيث المحتوى الإعلاني! وهذا ما يؤكد أن هذه الشركات تعي تماماً طبيعة المستهلك الذي تتوجه إليه وثقافة مجتمعه وتعتمد على وكالات إعلانية تستطيع صنع إعلان مبدع أو جيد يراعي العادات والتقاليد أو يجاملها أو يغازلها أو علة الاقل لايلقى بعاتق الفشل على العادات والتقاليد.
واليوم لاأحد يستطيع ان ينكر ما يشهده هذا السوق من تطور مستمر ومنافسة وتسابق على تنويع الأساليب الإعلانية ومحاولة الاستفادة من كافة الوسائل والأماكن والأحداث، من الطبيعي أن تلعب التقنيات دوراً مهماً في هذا الاتجاه. فمن بساطة الملصقات الإعلانية المتحركة على الحافلات وسيارات الأجرة والتي أصبحت شيئاً معتاداً في شوارع دبي، إلى الانتشار المتزايد لإعلانات الطرق بأشكال وأحجام مختلفة، إلى محاولات نشر شاشات العرض المرئي الإعلانية والتي يمكن استخدامها في الكثير من المناسبات وعلى نطاق واسع يظهر اسلوب جديد ومتطور وهو الاعلان الرقمى عبر الانترنت من خلال مواقعة ومدوناتة. إلا أنها مازالت لا تحظى بذلك الانتشار. وتعانى كثير من المواقع الالكترونية ذات المحتوى العربى الجيد والتى تستحوذ على نسبة مشاهدات عالية من تجاهل معظم الشركات وخصوصا الشركات التى تستحوذ على الميزانيات الاعلانية لتلك الشركات (شركات الميديا). وان غدا لناظره لقريب فاليوم تسعى المواقع الالكترونية لاقناع تلك الشركات ولكن الغد سيكون الوضع منقلبا رأسا على عقب فسوف تقوم تلك الشركات نفسها بمطاردة تلك المواقع لوضع نصف ميزانياتها الإعلانية لديهم ونحن فى انتظارهم. واله المستعان