الخلاف بين الصين وشركة غوغل أكبر محرك بحث في العالم لم يصل إلى طريق مسدود فقط بإغلاق غوغل لموقعها الصيني على شبكة الإنترنت وتحويل عملائها في الصين إلى موقع هونغ كونغ، بل شكل أول ظاهرة في عالم المال والأعمال لأنه حدث بين دولة والاقتصاد المعرفي بعملاقه غوغل من جهة أخرى فالصين ألزمت غوغل بضرورة ممارسة رقابة ذاتية على المحتوى كشرط لدخولها السوق الصيني، بينما ترى غوغل أن الاختراقات التي تعرضت لها من جهات صينية بأنه لا يتفق مع معاييرها وقوانينها والاتفاقات التي توقعها مع الدول عموما.
إلا أن المهم في الأمر أن غوغل استخدمت حقها السيادي - أن جاز التعبير - ولم ترضخ لأي شروط من دولة أيا كان سوقها مهما بالنسبة للعالم، فرغم إغراء السوق الصيني من حيث قوة النمو على خدمات محركات البحث بنسبة تصل إلى 40% سنوياً لكن غوغل ترى أن انتشارها وسيطرتها على الأسواق العالمية معوض كبير لأي خسارة ستلحق بها خصوصا أن حصتها بالسوق الصيني لا تشكل سوى 1 إلى 2% من إيراداتها التي تبلغ 24 مليار دولار وبأرباح تصل إلى 6.3 مليار دولار سنوياً، وعلى الرغم من أن المحللين رأوا أن الضرر سيحدث على المدى الطويل لكن كل هذا لم يغير من قناعات الشركة بأن السوق غير مناسب لنشاطها إلا وفق أنظمة محددة تحترم قوانين عملها، وبالتالي أصبحت هذه الشركات التي تخاطب العقل والفكر مباشرة وكأنها دولة بحد ذاتها فأمريكا تدخلت على أعلى المستويات لدعم الشركة أمام الصينيين.
فموقف الصين واضح بأن الإنترنت يجب أن لا يشكل مدخلا لغزو الثقافات وبث الأفكار التي تتنافى مع قيمها وهذا حقها الطبيعي، لكن الشركات العالمية ترى أن الفضاء المفتوح يجب أن يثمر عن تعاطي واسع لخدمة البشرية وفي هذا مدخل صريح لتمرير أي أفكار تغير من عادات وتقاليد الشعوب خصوصا أن الثقافة الأمريكية تسود الكثير من بقاع العالم، وبالتالي فإن دولا كبرى كالصين لا تريد أن تستورد فكراً معاكساً لمنهجية بنائها الاجتماعي ولكن إلى أي حد يمكننا القول إننا أصبحنا نواجه دولا تجارية تقوم الدنيا ولا تقعد إذا ما تعرضت إلى أي عقبات أو مطبات تعيق انتشارها الذي لا يحتاج إلى وسائل نقل وجمارك وفحص للمحتوى، فهذه الشركات بقوانينها وقواعدها وقدراتها الهائلة التي تعتمد على العقول فقط أصبحت تقود العالم من خلال تأثيرها في الفرد واعتماد حتى الحكومات على ما تقدمه من معلومات، فغوغل أطلق عليها سابقا «فهرس العالم» وتنبأ الخبراء عند تداولها بالسوق الأمريكي بأنها ستكون في وقت لن يتعدى العام 2013م أهم الشركات الأمريكية من حيث الحجم وأهمية النشاط، وقد نمت بشكل كبير حيث أصبحت قيمتها السوقية تفوق 177 مليار دولار أمريكي متفوقة بذلك على شركات عملاقة كمايكروسوفت وآي بي إم، واليوم تأتي قضايا غوغل التجارية لتتصدر موقع الخبر الرئيس بوسائل الإعلام وترغم الجهات الحكومية الأمريكية للتحرك من اجلها.
هذا النوع من العمل التجاري يتطور بشكل مذهل ويحقق مكاسب مادية ومعنوية كبيرة، فمن خلاله تجتمع العقول لتوجه اهتمامات العالم نحو ثقافة استهلاكية ومعلوماتية وتغيير في طرق العيش والتعامل الاجتماعي وبالتالي فإن الكثير من ممارساتنا تتغير بدون أن نشعر بذلك, لكن أن تصبح هذه الشركات تفرض قوة نظامها وهي في مرحلة الزهور من العمر ليس كشركات الاقتصاد الحقيقي التقليدية القديمة فهو ما يجب التوقف عنده، فنعلم أن السيطرة الاقتصادية جزء من الهيمنة السياسية وداعم لها لكن اليوم تأتي السيطرة الفكرية والمعلوماتية لتنقلنا إلى مرحلة أخرى من الصراع على كل الأصعدة خصوصاً الاقتصادي ومن يدري قد نجد أن هذه الشركات ستصبح دول افتراضية تبعا للعالم الذي تتحرك من خلاله وهو عالم الإنترنت الافتراضي بلا حدود جغرافية، وقد تشكل هذه الدول مجلس أمن خاص بها يعاقب كل من يقفل الأبواب الإلكترونية بوجهها.
هل لاحظتمُ التشابه بين موقف النظام الشيوعي (الصين) وموقف النظام الديني (إيران) وأمثالهما من غوغل والأنترنت؟!!! .. يبدو أن الأمرَ له علاقةًُ بحرية الأفراد وحقوقهم بالحصول على الرأي والرأي الأخر .. أكثر منها بمحاربة الأباحية في مواقع النت!!!.. بإعتقادي المتواضع وإستناداً لتجاربِ البشرية، ستنتصرُ أفكارُ غوغل على أفكارِ الصين وما شابها!!