تخضع العملية التربوية بمفهومها الشامل للتعليم والتربية للتطوير باستمرار في كافة الدول بل يعد ذلك التحدي الأبرز أمام وزارات التعليم عموما، فهم مطالبون بحيوية لا تتوقف عن تقييم الأداء ومواكبة تطورات العصر المتسارعة وانعكاس ذلك على احتياجات تطوير مخرجات التعليم، إضافة لتعزيز قيم المجتمع في الطلاب ورفع مستوى الوعي لديهم لمواجهة سيل الغزو الثقافي الذي يشهده العالم بعد ثورة الاتصالات وانتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فمهمة وزارات التربية والتعليم أصبحت متعددة ومليئة بالتحديات والمتطلبات من حيث التطوير والتفاعل مع مجتمع التعليم، في المملكة يعد جهاز التعليم هو الأضخم من حيث الإنفاق عليه في الميزانية العامة، ولديه العدد الأكبر من موظفي القطاع العام إضافة للقطاع الخاص، وعدد منشآته ضخم فالمدارس يتجاوز عددها 37 ألف مدرسة مع عدد ضخم لإدارات التعليم، بينما يبلغ عدد الطلاب ما يزيد على 6,5 مليون طالب وطالبة.
هذه الأرقام تظهر حجم المسؤولية والتحديات أمام وزارة التعليم، ولذلك تتخذ إجراءات تساعد على فهم ما يدور بالعملية التعليمية لتقييم آليات المخرجات وما تحتاج من تطوير سواء للطالب أو المدرس أو الإدارات وكذلك المنشآت والوسائل التعليمية.
مؤخرا تم تطبيق برنامج الكتروني باسم حضوري لضبط الحضور والانصراف للكادر التعليمي والإداري، ومن حيث المبدأ يعتبر ذلك إجراء متبعا في كل الجهات بالقطاعين العام والخاص، لكن هناك ملاحظتان الأولى أنه يلزم الكادر التدريسي والإداري بالدوام لمدة سبع ساعات بكل المراحل، وعند النظر للمرحلة الابتدائية تحديداً فإنهم يبقون بالمدارس لأكثر من ساعة ونصف تقريباً بعد انتهاء الحصص وخروج الطلاب لمنازلهم ودون أي فائدة أو ضرورة، فأي أعمال يحتاجون لإنجازها لا تتطلب منهم الجلوس كل هذا الوقت على مدار أيام الأسبوع، كما أنهم يحتاجون لتوفر إنترنت بسرعات عالية وتغطية واسعة لإنجاز التحضير لدروس اليوم التالي، إضافة إلى أن بقاء المدرسين والإداريين لوقت طويل يرفع استهلاك الكهرباء للمدارس الابتدائية دون سبب ضروري.
أما العامل الثاني فهو معنوي فإذا كان الأهالي والوزارة يثقون بمربي الأجيال الذين يزرعون في الطلاب الأطفال والشباب القيم التربوية وكذلك العلوم فكيف لا يتم الوثوق في حضورهم وانصرافهم، فغيابهم سيكون ظاهراً ولا يمكن إخفاؤه أو التغطية عليه، فالأصل تعزيز الثقة بالمدرسين وأنهم القدوة في غرس مفهوم الانضباط والالتزام؛ ولذلك يبدو «حضوري» متناقضاً مع هدا المفهوم خصوصاً أنهم يواجهون إشكاليات تقنية فيه أحياناً مثل عدم القدرة على تسجيل الخروج فيضطرون للانتظار بعض الوقت لإعادة المحاولة، وحتى لو كان ذلك لا يتكرر كثيراً لكن مبدأ البرنامج هو ما يفترض إعادة دراسته من الناحية المعنوية للكادر التعليمي.
كما أن إقرار إنشاء ملف إنجاز الطالب الذي يكون هو مسؤول عن تغذيته بأعماله وأنشطته ومطوياته، بينما مسؤولية المدرسين متابعة الملف فإن ذلك يمثل عبئاً على الطرفين، ويفتح الباب أما تنفيذه شكلاً لكن ليس له أي فائدة دقيقة كمحتوى، فقد ينجز الطالب بحثاً بمساعدة مكاتب خدمات التعليم أو من خلال أهله، ويقدَّم على أنه عمله، بينما يقوم المدرس بمتابعة الملف بشكل لا يحمل تدقيقاً مناسباً فلديه مهام عديدة وتحتاج لوقت يصعب معه متابعة تفاصيل عمل عشرات الطلاب بدقة ووقت كافٍ لمناقشتها معهم، كما يطلب من المدرسين ملف إنجاز المدرس الذي يحتوي على إنجازاته منذ بداية مسيرته المهنية.
واللافت موضوع أهمية احتوائه على دورات فما يؤخذ بعين الاعتبار هو الجهة المصدرة لها بأن تكون معتمدة من الوزارة، لكن يبقى الأهم هو أن يكون أغلبها ذات علاقة بتخصص المدرس وإلا فقدت أهميته بتطوير أدائه، ويضاف أيضاً لمهام المدرسين ملفان خاصان بالنشاط وكذلك بشواهد الأداء الوظيفي، حيث يُطلب منه القيام بأنشطة مدرسية وبعضها قد يكون مكلفاً مالياً ولا يوجد بند بميزانية المدرسة يغطي كل هذه التكاليف وبذلك يتحملها المدرسون، كما أن الشواهد التي يجب أن يوثقها عن أعماله وفق استراتيجية يعمل عليها مع طلابه تمثل أيضاً أعباء عديدة، إلا أن العامل الأهم هو كيف يتم التأكد من أنها نفذت وفق الرؤية التي أقرت على أساسها حتى لا تكون النتيجة فقط هو التزام دون مضمون مفيد.
تعدد الإجراءات التي تستهلك وقت وجهد المدرسين والطلاب قد يمثل عبئاً أكبر من كونه يهدف للتطوير، فالعملية التعليمية أساساً يجب أن تراعي جانب تخفيف العبء عن الكادر التعليمي، لأن متطلبات التحضير للدروس وتقييم الطلاب وإعداد الاختبارات وغيرها من المهام الأساسية تستهلك وقتاً وجهداً كبيرين، مما يتطلب النظر بكل المتطلبات الإضافية ووضع آليات لها تحقق الفائدة منها حتى لا تصبح أعباء إضافية دون جدوى.
نقلا عن الجزيرة

