وليس كل الازدهار محمودا

30/06/2025 0
ثامر السعيد

إن ازدهار الاقتصاد والأسواق بسمتها العامة سمة محببه يتطلع لها صانعي القرارات في الدول وينعم بنتاجها المساهمون والمستفيدون من المنشآت والأفراد يأتي ذلك بتعزيز مستويات التوظيف، تحسين مستويات الدخل، زيادة أعداد الأسر، تعظيم أرباح المنشآت، تحسن الدورة الاقتصادية وغيرها من التأثيرات الإيجابية لازدهار الأسواق والاقتصادية، لأنها سلسة مترابطة من المتغيرات تتأثر بعضها ببعض ضمن دائرة انتاج اقتصادي كبرى, ففي مره يقدر حجم الناتج الصناعي وفي أخرى حجم النمو في أنشطة التجزئة وفي غيرها إنفاق المستهلكين لقياس ازدهار الأسواق وتحسن قدرة الأسر على الإنفاق.

هذا الأثر الإيجابي للازدهار قائم على منفعة شاملة ومستهدفة، إلا أنه وسط هذا النشاط المحبب، يقود الطمع لتحقيق المكاسب المالية إلى نشأة وازدهار أسواق سوداء لا ترعي لأخلاقيات الأمم والمجتمعات أي اهتمام، وبكل حال أين ما وجد الخير يتقابل معه الشر فهذه هي الطبيعة الحياتية.

إن نشاط سوق المنتجات الخبيثة كالمخدرات والتهريب متسارع وينمو على أطراف الازدهار والنمو الحقيقي الفعال وينجح في استغلال وفرة المال وفضول البشر لاكتشاف جوانب مختلفة متجاوز لحدوده الحياتية الطبيعية وهذا عامل يضاف إلى عوامل اجتماعية عديدة إلا أن وفرة المال وغياب الرادع يشكل خطر أكبر للوقوع في متاهات هذه الآفات.

إن صناعة المخدرات قديمة بقدم التاريخ ومرت بمراحل مختلفة عبر الأزمنة انطلاقا من المركبات الطبيعية التي أكتشفها البشر ليبدأ استخدامها كعناصر علاجية ومهدئة حتى أن الهروين صنع طبيا لإضافته ضمن عقارات المساعدة لعلاج السعال من أحد الشركات الألمانية وصولا إلى المنتجات المصنعة الأشد فتكا.

بدأ الاتجاه العالمي نحو تجريم صناعة وتجارة المخدرات في العام 1912 ضمن اتفاقية لاهاي وبعد ذلك بدأ العالم في المحاربة المستميتة للمخدرات في كل اتجاه من الصناعة للتجارة والتعاطي أتى ذلك على أثر التثبت من أثار الإدمان والشواهد المدمرة لها، من هنا انتقلت هذه الصناعة من الوضوح إلى التهريب والشبكات الخفية حول العالم.

غم من الجهود التي تبذلها الدول والجهات الرسمية لمكافحة هذه الآفة إلا أنها لا زالت تشكل خطر رغم كل الجهود العالمية، تشير الإحصائيات إلى أن المتعاطين عالميا يتجاوز عددهم 320 مليون انسان وأن معدلات الإنتاج العالمية للمخدرات قد تضاعفت، ولأنها سوق سوداء وتعتمد على التخفي يصعب تقدير قيمة هذه السوق على وجه الدقة إلا أن هذا السوق يقدر في منطقة بين 430 و630 مليار دولار سنويا وهذا يصل في التمثيل إلى نحو 1% من حجم التجارة العالمية.

كل ما حقق هذا السوق الأسود نمو قابله في الاتجاه الآخر تدمير وفتك للبشر، للأسر، المجتمعات والدول فهذه الآفة تزدهر على دمار الأمم.

حققت السعودية نجاحات في تتبع آثار المروجين ومعالجة المدمنين واليوم تقدم النيابة العامة مبادرة مجتمعية تضمن احتواء المبتلى بهذه الآفة للمعالجة وعدم إقامة الدعوى عند التقدم لطلب العلاج وتسليم حيازته من المخدرات. إن الاحتواء لهؤلاء المبتلين باب مهم للتشجيع على الإقلاع.

 

 

نقلا عن الاقتصادية