تُعتبر الثقة والتمكين ركنين أساسيَّين لنجاح أي شركة مدرجة، إذ يُشكِّلان المحركان اللذان يحددان قدرتها على جذب الاستثمارات والاحتفاظ بها، ومن هذا المنطلق، تعتمد الشركات التي تحقق نجاحًا في برنامجها لعلاقات المستثمرين على ثلاث ركائز:
- التزامها بتمكين المستثمرين من سهولة الوصول والتواصل مع الشركة.
- توفير معلومات دقيقة وكاملة في الوقت المناسب حول أهدافها الاستراتيجية وأدائها المالي والتشغيلي
- التزامها بتطبيق أفضل الممارسات في الحوكمة والاستدامة والشفافية ، مما يُرسّخ جسور ثقة متينة مع المجتمع الاستثماري.
كما يأتي الإفصاح المنتظم والتواصل الفعّال أبرز الممارسات التي تُقلل من التكهنات في السوق، وتعزز وضوح التوقعات للمستثمرين. مما يسهم في بناء علاقات قوية وموثوقة مع المستثمرين، وتعزيز مكانة الشركة في السوق المالية، والارتقاء بسمعتها ككيان رائد في بيئة استثمارية تنافسية.
وتُشكّل ممارسات الحوكمة والاستدامة والشفافية في الإفصاحات لتُشكل حجر الأساس في تحقيق هذه الأهداف، حيث ينعكس ذلك من خلال زيادة تدفقات السيولة في أسهم الشركة، وتعزيز جذب الاستثمارات، وتنويع هيكلة المستثمرين، ورفع مستوى الاعتمادية والكفاءة التشغيلية. فعلى سبيل المثال، تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن الشركات التي تتبنى إفصاحات شفافة ومنتظمة تشهد زيادة في متوسط السيولة بنسبة تصل إلى 15% مقارنة بغيرها ، مما يؤكد أهمية دور الشفافية كأداة جذب استثمارية. .
وتتمثل معايير الشفافية في تفعيل استراتيجية التواصل الفعال والاستباقي مع المجتمع الاستثماري عبر منصات متنوعة ، والذي بدوره يُعزّز في خلق نهجاً إيجابياً للتفاعل مع المستثمرين، ويُتيح تبادل الرؤى حول الأداء وفرص النمو ، وتقديم نظرة أوسع على استراتيجية الشركة ونتائجها، وميزتها التنافسية. ولا يقتصر هذا التواصل على تقديم التقارير المالية الدورية أو المتطلبات التنظيمية، بل يشمل تنظيم جلسات تفاعلية مثل المؤتمرات واللقاءات الافتراضية، التي أصبحت شائعة بعد جائحة كوفيد-19، حيث أثبتت فعاليتها في تعزيز التفاعل مع المستثمرين الدوليين وتقليل التكاليف المرتبطة بالاجتماعات التقليدية.
جذب المستثمرين والاحتفاظ بهم
مع تزايد أهمية السوق المالية السعودية كمركز استثماري عالمي ضمن أكبر 10 أسواق على مستوى العالم حسب القيمة السوقية، وانضمامها إلى المؤشرات العالمية الرائدة مثل "MSCI" و "S&P Dow Jones" و "FTSE Russell"، برزت استراتيجيات علاقات المستثمرين كعاملٍ محوري لتعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي . وذلك من خلال تقديم رؤية واضحة حول الأهداف الاستراتيجية للشركة، والمكانة التنافسية ، مما يدعم سهولة اتخاذ القرارات الاستثمارية الناجحة. وبالنظر إلى آخر الإحصائيات، بلغت القيمة السوقية للسوق المالية السعودية بنهاية العام 2024م أكثر من 2.7 تريليون دولار أمريكي، ووجود أكثر من 4 ألاف مستثمر أجنبي مؤهل بإجمالي قيمة ملكية تخطت 330 مليار ريال سعودي، مما يعكس مكانتها كواحدة من أكبر الأسواق حول العالم، وزيادة الطلب على أهمية وجود علاقات المستثمرين كقناة استراتيجية للمستثمرين للتواصل مع تلك الشركات واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية.
في حين أن الاحتفاظ بالمستثمرين أكثر تعقيدًا من جذبهم، ، إلا أنه يُعتبر العامل الأساسي لضمان استقرار الشركات واستدامتها. حيث يتطلب تواصلاً مستمرًا وفعّالاً يعزز من ثقة المستثمرين خاصة في أوقات الأزمات، فالشركات التي تتبنى تحديثات دورية وقنوات اتصال استباقية مع مستثمريها تُحافظ على قاعدة استثمارية قوية ومستقرة حتى خلال التحديات والأزمات الاقتصادية. مما يُمكّنها من التميز في بيئة الأعمال التنافسية ويوفر لها دعماً استثمارياً مستداماً.
السوق المالية السعودية: إحدى الركائز الأساسية لتحقيق رؤية 2030
تمثل رؤية المملكة الطموحة 2030 نقطة تحول أساسية في مسار الاقتصاد السعودي، حيث تركز على تنويع الاقتصاد وجذب الاستثمارات الأجنبية. وتلعب السوق المالية دوراً محورياً في هذا التحول نحو تحقيق الرؤية، وذلك من خلال عدة مؤشرات من ضمنها زيادة عدد الإدراجات، رفع نسبة القيمة السوقية لسوق الأسهم وسوق أدوات الدين من الناتج المحلي الإجمالي، وحجم تداول المستثمر المؤسسي، ونسبة ملكية المستثمرين الأجانب.
وفي هذا الإطار، يأتي دور علاقات المستثمرين في دعم هذه المؤشرات عبر:
- تبنّي أفضل الممارسات العالمية.
- تعزيز الشفافية وجذب الاستثمارات الأجنبية.
وفي هذا السياق، يأتي برنامج تطوير القطاع المالي (Financial Sector Development Program - FSDP)، الذي أُطلق في العام 2018م، كأحد البرامج الرئيسية لتطوير قطاع مالي متنوع وفاعل يدعم الاقتصاد الوطني، ويحفز التمويل والاستثمار، ويزيد كفاءة القطاع المالي. ووفق وثيقة البرنامج لعام 2022م، يستهدف البرنامج إلى رفع نسبة ملكية المستثمرين الأجانب إلى 17.5% من إجمالي القيمة السوقية للأسهم الحرة بحلول 2025م، مما يعكس تقدماً ملحوظاً مدعوماً بتعاون هيئة السوق المالية وتداول السعودية مع مسؤولي علاقات المستثمرين لتعزيز جاذبية السوق، وتحقيق تلك المستهدفات الطموحة.
ولعبت هيئة السوق المالية دوراً حاسماً في تبني أفضل الممارسات العالمية، حيث تضمنت خطتها الاستراتيجية (2024-2026م) ركيزة تهدف إلى حماية حقوق المستثمرين، كما سبق ذلك، مانصت عليه لائحة حوكمة الشركات الصادرة من الهيئة إلى أهمية تعيين الشركة المساهمة مسؤولاً مختصاً بالمهام المتعلقة بعلاقات المستثمرين بما يحقق التواصل الفعال والعادل بين الشركة والمساهمين.
هذه الممارسات، تعكس التزام السوق المالية بتطوير بيئة استثمارية تواكب المعايير العالمية. كما واصلت تداول السعودية جهودها لتعزيز أهمية علاقات المستثمرين، من خلال إقامة العديد من الورش التوعوية وكذلك إصدارها للنسخة الثانية من دليل أفضل الممارسات لعلاقات المستثمرين بالإضافة إلى الدليل الإرشادي للإفصاح عن الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.
تكللت هذه الجهود في حصد النتائج الإيجابية، حيث شهدت السوق المالية تطوًرا ملحوًظا في تبني ممارسات الإفصاح عن الاستدامة، حيث ارتفعت نسبة الشركات المدرجة التي تفصح عن ُأدائها المستدام إلى 40% من المصدرين في السوق الرئيسية، متجاوزًة الهدف المحدد لعام 2024م والبالغ 35%.
علاقات المستثمرين كركيزة لتعزيز السمعة المؤسسية، ومستقبل رقمي مستدام
في الختام، يبقى الدور الهام على عاتق الشركات المدرجة لتحقيق تلك التطلعات والمستهدفات الطموحة، وأصبحت علاقات المستثمرين أداة استراتيجية لتحقيق التنوع الاقتصادي وتعزيز مكانة السوق المالية السعودية عالميًا، حيث تساهم بدورها في بناء الثقة مع المجتمع الاستثماري وجذب المستثمرين وحماية حقوقهم، وضمان الشفافية، وتحقق الاستقرار المالي والنمو المستدام.
ومع تزايد التوجه نحو الرقمنة والاستدامة، يتعيّن على الشركات تبنّي أدوات تواصل مبتكرة للبقاء في صدارة المنافسة لمواكبة تطلعات المستثمرين محلياً ودولياً، فاليوم، لم تعد هذه العلاقات مجرد وظيفة، بل أصبحت عنصراً أساسياً وضمانًا لنجاح الشركات واستقرار الأسواق.
(الأسهم الحرة: هي الأسهم المملوكة لجهة حكومية تمتلك 5% أو أكثر في شركة مدرجة، أو الأسهم المقيدة "الأسهم التي لا يُسمح بتداولها خلال فترة زمنية"، أو الأسهم المستحقة من خلال إعادة الشراء من قبل شركة مدرجة، أو الأسهم المملوكة من قبل عضو مجلس الإدارة، أو الأسهم التي تمثل ملكية مسيطرة "30% أو أكثر").
خاص_الفابيتا