نظرة واقعية لإيرادات الحج

19/06/2025 1
طلعت بن زكي حافظ

الإحصائيات التي ذُكرت خلال لقاء تلفزيوني عُرض مؤخراً عن إيرادات الحج كثاني دخل بعد النفط، لا تستند إلى مصادر سعودية رسمية ضمن المنظومة المعنية بتقديم خدمات الحج والعمرة، مثل وزارة الحج والعمرة، أو برنامج خدمة ضيوف الرحمن، أو الهيئة العامة للإحصاء أو غيرها من الجهات ذات الاختصاص، وهو ما قد يثير تساؤلات حول دقة هذه الأرقام، سيما بالنظر إلى ضخامة الأرقام المطروحة ومعدلات النمو الكبيرة المتوقعة بمعدل نمو تبلغ نسبته 900 % بحلول عام 2030، وهنا أشارك ضيف اللقاء الرأي، وأتفق معه تمامًا في أن المملكة العربية السعودية لا تنظر إلى إيرادات الحج أو العمرة كمصدر دخل مباشر للاقتصاد أو أداة لتمويل الميزانية العامة للدولة، بل إنها تتعامل مع الركن الإسلامي الخامس ومناسك العمرة، من منطلق مسؤولية دينية وتشريف إلهي خصّها الله به.

من أبرز الشواهد على حجم الخدمات والتسهيلات الهائلة التي قدمتها الدولة، رعاها الله، لحجاج بيت الله الحرام في موسم حج هذا العام 1446 على صعيد الرعاية الصحية مثلاً، رفع مستوى الجاهزية للمنظومة الصحية وزيادة الطاقة السريرية بنسبة 60 % مقارنة بموسم حج العام الماضي، بمشاركة أكثر من 50 ألف كادر طبي وفني، جُنّدوا لخدمة ضيوف الرحمن لتقديم أفضل سبل الرعاية الصحية الشاملة لهم.

كما وقد تم تدشين مستشفى طوارئ جديد في مشعر منى بسعة 200 سرير، إلى جانب إطلاق ثلاثة مستشفيات ميدانية إضافية بسعة إجمالية تجاوزت 1200 سرير، وذلك بالتعاون مع وزارات الحرس الوطني، والدفاع، والداخلية، ولم تقف الجهود عند هذا الحد، بل قد تم أيضًا تشغيل 71 نقطة طوارئ، وتوفير 900 سيارة إسعاف، و11 طائرة إخلاء طبي، وأكثر من 7500 مسعف، لضمان الاستجابة السريعة والفعالة في جميع الظروف والمواقع داخل المشاعر المقدسة.

وقد تم إطلاق مبادرات رائدة تُعد الأولى من نوعها عالمياً، باستخدام طائرات الدرونز لتسريع الإمداد الطبي في المناطق الأكثر ازدحاماً، لتقلص زمن توصيل الأدوية من ساعة إلى نحو 5 دقائق فقط في 6 مرافق طبية رئيسية في عرفات ومنى، مع دعم إضافي بالطائرات العمودية لتجاوز الازدحام الأرضي، وضمان سرعة الإمداد، وتم تقديم أكثر من 125 ألف خدمة صحية، والتي استلزمت تنويم أكثر من 4800 حالة في المستشفيات، منها 2156 حالة استدعت الرعاية في العناية المركزة، كما وأجرت الفرق الطبية 16 عملية قلب مفتوح و148 عملية قسطرة قلبية، وبلغ عدد الحجاج الذين قدمت لهم خدمات وقائية عبر المنافذ أكثر من مليون و400 ألف حاج.

وقد أشرت بمقال سابق في الصحيفة، إلى أن وزارة النقل والخدمات اللوجستية، قامت بتبريد الطرقات المحيطة بالأماكن المقدسة، والطرق المطاطية وتطبيق تجربة التاكسي الطائر متعدد الأغراض، الذي يعتبر أول تاكسي جوي في العالم حائز على رخصة الطيران المدني، ويُعد قطار المشاعر المقدسة بتكلفة إجمالية تجاوزت الـ 6,600 مليارات ريال، أيقونة في مجال خدمة سكة حديدية تربط مكة المكرمة بالمشاعر المقدسة (منى وعرفات ومزدلفة)، كما ويُعد قطار الحرمين، أحد أسرع القطارات الصديقة للبيئة على مستوى المنطقة، الذي يربط بين مكة المكرمة، والمدينة المنورة ومدينة الملك عبدالعزيز الاقتصادية، بتكلفة إجمالية بلغت 60 مليار ريال، ونفذت الدولة العديد من المشاريع التوسعية بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، بما ذلك المطارات، من بينها وأهمها توسعة الحرم المكي الشريف بتكلفة تجاوزت 200 مليار ريال.

خلاصة القول، إن ما تخصصه الدولة، رعاها الله، من إنفاق سخي وضخم سنويًا لتطوير الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، لا يُقصد به مطلقًا تحويل موسمي الحج والعمرة إلى مورد اقتصادي أو نشاط تجاري، بل هو نابع من التزام راسخ برسالة سامية وأهداف نبيلة، تتمثل في خدمة ضيوف الرحمن، وتوفير أقصى درجات الراحة، والطمأنينة، والأمن والأمان لهم، ليؤدوا مناسكهم بكل يسر وسهولة.

وفي هذا السياق، أقترح أن تتولى الجهات الرسمية المعنية بشؤون الحج والعمرة نشر الأرقام والبيانات الدقيقة المتعلقة بالتكاليف وبالجهود المبذولة، بشكل دوري وشفاف، بما يسهم في توضيح الصورة الحقيقية، والتصدي لما قد يُتداول من معلومات غير دقيقة أو مبالغات لا تستند إلى واقع حقيق معزز بالأرقام والحقائق، مما سيعزز من الوعي العام، وسيُظهر حجم الجهود الوطنية المبذولة في خدمة ضيوف الرحمن على نحو يليق بمكانة المملكة وبمسؤوليتها التاريخية تجاه الحرمين الشريفين.

 

 

نقلا عن الرياض