لقد شهدت الاستثمارات البديلة المتوافقة مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية معدلات نمو مرتفعة في السنوات الأخيرة، مع تحوّل الطلب نحو حلول أكثر تنوعًا وشفافية وقابلة للتوسع، لا سيما في منطقة الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. هذا التحوّل لا يعيد فقط تشكيل قطاع الخدمات المالية الإسلامية، بل يفتح آفاقا جديدة أمام مؤسسات الاستثمار، والشركات العائلية، والأفراد من أصحاب الملاءة العالية، ممن يبحثون عن استثمارات أخلاقية تحقق عوائد مرتفعة.
يتعزز هذا النمو نتيجةّ للتطور القوي في قطاع الخدمات المالية الإسلامية، حيث من المتوقع أن يصل حجم الأصول تحت الإدارة في هذا القطاع إلى 6.7 ترليون دولار أمريكي بحلول العام 2027، على أن تشكل حصة دول مجلس التعاون الخليجي ما نسبته 77% من هذه الأصول. وفي السياق ذاته، نمت صناديق الاستثمار الإسلامية المتداولة منذ العام 2019 بمعدل خمسة أضعاف لتصل إلى 2.5 مليار دولار أمريكي، حيث تضاعف عددها ثلاث مرات لتتجاوز 30 صندوقًا. كما واصلت إصدارات الصكوك ارتفاعها، حيث تجاوز حجم سوق الصكوك الإسلامية المتداولة عالميًا مستويات 1 ترليون دولار أمريكي في عام 2024، وهو قفزة كبيرة مقارنةً بـ280 مليار دولار أمريكي في عام 2013، مع تصدّر كل من المملكة العربية السعودية وماليزيا قائمة المساهمين الرئيسيين.
وفي المقابل، يشهد قطاع الاستثمارات البديلة العالمي نموًا متسارعًا، مع توقعات وصول حجم الأصول تحت الإدارة في الأسواق الخاصة إلى 18 ترليون دولار أمريكي في العام 2027، أي بمعدل نمو سنوي مركّب يبلغ 11%، وفقًا لتقديرات "ستاندرد آند بورز غلوبال". وأصبحت الأصول البديلة تمثل الآن جزءًا أساسيًا ومتناميًا من المحافظ الاستثمارية، حيث تمثل الاستثمارات في أسهم الملكية الخاصة 33%، والأصول العقارية 24%، والدين الخاص 10%، والاستثمارات البديلة الأخرى 33%.
أما في المرحلة القادمة، فنجد أن الجيل الجديد من المستثمرين الشباب من أصحاب الثروات العالية والملتزمين بأحكام الشريعة الإسلامية يظهر اهتمامًا متزايدًا بأصول الأسواق الخاصة، ما يعزز الطلب على حلول استثمارية بديلة، خاصة في مجالات أسهم الملكية الخاصة والعقارات والائتمان الخاص.
وعلى مستوى العقارات، تحظى الاستثمارات العقارية باهتمام متزايد من المؤسسات الخليجية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية؛ إذ تضاعف عدد المؤسسات التي تستثمر أكثر من 20% منذ العام 2022. ومع استمرار جهود دول الخليج في تنويع اقتصاداتها وتطويرها، فإن اختلال التوازن بين العرض والطلب على العقارات السكنية والتجارية والصناعية عالية الجودة يمثل فرصة استثمارية مجزية. يُذكر أن العقارات الصناعية تُعد من أبرز الشرائح التي نركّز عليها في أنشطتنا الاستثمارية.
أما على صعيد الاستثمار في أسهم الملكية الخاصة، فقد أدى نضوج السوق الخليجية وتزايد تعقيدها، إضافة إلى دخول شركات تضامن متعددة الجنسيات إلى السوق، إلى تغيير المشهد الاستثماري في المنطقة. وتشير التقديرات إلى أن أصول الملكية الخاصة تحت الإدارة حاليًا في منطقة الخليج العربي ارتفعت من 1 مليار دولار أمريكي في العام 2008 إلى ما يتراوح بين 12 مليار و15 مليار دولار أمريكي حاليا. وتضم المنطقة أكثر من 100 شركة تضامن، من ضمنها شركات عالمية. ويُعبر هذا الرقم من حجم رأس المال المُدار في المنطقة، دون احتساب الاستثمارات الخليجية المخصصة لصناديق عالمية. وتتركز الصفقات الاستثمارية في قطاعات التكنولوجيا، والاتصالات، والخدمات المالية، استجابة لتوجهات النمو والتنويع الاقتصادي في المنطقة. ويعتبر نمو الطلب على خدمات الأعمال التعاقدية الخارجية أحد المحفزات الرئيسية التي تعزز هذه الفرص على المستويين المحلي والعالمي.
وتتطلب الاستثمارات البديلة هياكل رقابية شرعية وفعالة، إضافة إلى فرق عمل متخصصة وهياكل مالية مبتكرة للمشاريع الكبرى والشركات ذات الأغراض الخاصة. ويكمن نجاح هذه الاستثمارات في تحقيق التوازن بين الابتكار وقابلية للتوسع، وبين الالتزام القوي بالقيم الإسلامية.
ومن المجالات الذي تشهد إقبالاً متزايدًا، هو تقاطع الخدمات المالية الإسلامية مع الاستثمار الأخلاقي والمستدام، حيث تركّز أحكام الشريعة الإسلامية على مفاهيم المسؤولية الاجتماعية وحماية البيئة.
كذلك، تسهم التكنولوجيا والتقنية المالية، والعملات المشفّرة في تسريع التحوّل في قطاع الخدمات المالية الإسلامية. فمثلا، تتيح تقنية البلوكتشين على سبيل المثال فرصة لتحسين التوافق مع الضوابط الشرعية من خلال ضمان الاحتفاظ بسجلات شفافة للعمليات لا يمكن اختراقها. كذلك فإن التقنية المالية تساعد أيضًا على ديموقراطية الوصول إلى الاستثمارات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، مما يتيح لشريحة واسعة من المستثمرين القدرة على المشاركة في صفقات السوق الخاصة. من جانب آخر، يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا متناميا في تطوير استراتيجيات الاستثمار، وتحسين الكفاءة التشغيلية، ودعم قرارات العناية الواجبة وتقييم المخاطر وإدارة المحافظ، بما يعزز الامتثال لمبادئ الشريعة الإسلامية.
ومن أبرز المفاهيم الخاطئة بشأن الخدمات المالية الإسلامية، هو الاعتقاد بإمكانية الاكتفاء بمراجعات شكلية للتوافق مع الضوابط الشرعية، في حين أن الواقع يعكس تركيزًا جوهريًا على المبادئ خاصة مع تشابه نشاطها مع أعمال المؤسسات المالية التقليدية، حيث يعمل علماء الشريعة على التأكد من التزام العمليات بالمبادئ الاقتصادية الأخلاقية والإسلامية بشكل حقيقي.
ورغم استمرار الجدل حول العملات المشفّرة في قطاع الخدمات المالية الإسلامية، إلا أن الأطر التنظيمية تتطور بشكل مستمر، وتشهد الأصول الرقمية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية توسعا ملحوظا.
وبشكل عام، فإن التوقعات المستقبلية للاستثمارات البديلة المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها واعدة للغاية. ومع تنامي مشاركة المؤسسات في مجالات الملكية الخاصة والعقار، سيواصل هذا القطاع تحقيق معدلات نمو متسارعة، وتعزيز مكانته كأحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي والاستثماري في العالم الإسلامي.
خاص_الفابيتا