بدأت المواجهة بين اميركا والصين بسبب التعريفات الجمركية تأخذ منحى خطيراً في احد جولات الحرب التجارية التي اشتعلت منذ بداية الشهر الحالي بسبب النسب الكبيرة التي اعتمدها الرئيس الامريكي ترمب، فقد قام ملاك ومختصون في مصانع صينية تصنع منتجات من الحقائب والملابس وغيرها التي تباع مثيلاتها في العالم بعشرات الآلاف من الدولارات بنشر مقاطع تحدثوا فيها عن التكلفة الفعلية لهذه المنتجات والتي يصنعها الصينيون بعشرة بالمائة من السعر الذي تباع فيه عالمياً في أرقى المتاجر في المدن الأوروبية والأمريكية مما يشكل تشويهاً لمفهوم اقتناء العلامات التجارية الثمينة، وظهرت تقارير غربية تتحدث عن أن هذه الشركات التي تملك اهم العلامات التجارية لا تصنّع منتجاتها في مصانع لا ترتبط بها، إما بملكية أو عقود، ولكن: هل يكفي ذلك لاستعادة الثقة سريعاً بما يقدمونه من منتجات ومستوى الاسعار التي يبيعون فيها وحتى طريقة البيع اي اسلوب التسويق الذي يضفي معايير معينة لمن يقتني منتجاتهم.
من مفهوم هذه الاساليب التسويقية الدقيقة واختيار مواقع المصانع ونوعية مدخلات انتاجها يتضح ان هناك صناعة رسخت اسمها وأصبح له قيمة كبيرة لا يمكن تحييدها عند تقدير سعر كل قطعة؛ فحجم مبيعات أشهر الماركات العالمية بما فيها الساعات والسيارات الفارهة يقدر بما يقارب تريليون دولار سنوياً، فشركة لوي فيتون الفرنسية التي تعد اكبر تلك الشركات من حيث المبيعات تقارب ايراداتها السنوية 100 مليار دولار ومالكها يعتبر من بين أكبر اثرياء العالم وتأسست قبل اكثر من 170 عاماً بل إن اغلب شركات العلامات التجارية المشهورة لا يقل عمر أي شركة منها عن 100 عام مما يدلل على قوة هذه العلامات التجارية، وكيف رسخت سمعتها واستمرت رغم كل الظروف والازمات والحروب التي مر بها العالم.
كما يوضح أيضاً سبب تقليدها لأن هناك شهرة للاسم تبيع اي منتج يحمل اسمها دون تردد من العميل فمن المعلوم ان الدول التي تعتبر حالياً موطن للكثير من الصناعات منخفضة التكلفة يزداد فيها تقليد الماركات العالمية، بل ان من يصادف رحلات متجهة من مطارات اوروبا لتلك الدول واغلبها في شرق آسيا يلاحظ كيفية دقة التفتيش للركاب من تلك الدول ومصادرة منتجات فاخرة معهم اذا كان عددها يتجاوز حد الاستخدام الشخصي أي أن المصانع بدولهم ترسل عمالها ليشتروا تلك المنتجات ويقوموا هم بتقليدها بينما المصانع التي تمتلكها شركات العلامات التجارية الفاخرة او تتعامل معها بعقود للانتاج في دول شرق آسيا معلن عنها رسمياً وعليها قيود والتزامات صارمة ولا يمكن ان يخرج من يديرونها بمقاطع تسيء لمنتجاتها وتدمر اسمها التجاري العالمي الذي بنته على مدى سنوات طويلة ..
كما ان أزمة الرسوم هي بين اميركا والصين وليست مع اوروبا التي تمتلك اشهر الماركات العالمية، ولذلك فإن اي مقطع مسيء بالتأكيد يدخل ضمن سياق ردة فعل من مصانع مقلدة شعرت بأن تجارتها سوف تضعف فحجم البضائع المقلدة عالمياً الذي يتم تمريره للاسواق ويباع فعلياً يفوق حاجز تريليون دولار اميريكي فمكافحة السلع المقلدة سيصبح اشد من السابق، ولذلك استبقوا تلك الاجراءات المشددة بمحاولة تدمير سمعة شركات عريقة كنوع من الانتقام على التضييق عليهم بأكبر الاسواق العالمية.
لكن، لماذا تعتبر الطبقة المتوسطة متضررة مما حدث والمقصود هم شريحة منها التي لديها هوس اقتناء المنتجات الثمينة من حقائب وغيرها فمن المعروف أن طبقة الاثرياء يقتنون تلك المنتجات الفاخرة جداً واللوحات الفنية ونسخ من سيارات فارهة ثمينة جداً بغرض حفظ القيمة لأن حجم ثرواتهم ضخم جداً وموزع بين أصول عديدة من عقارات وأسواق مال وملكية في شركات خاصة، ويضاف لها قطع ثمينة جداً لا تهبط قيمتها بل تزداد مع الزمن، من بينها منتجات تلك الشركات التي تصنع حقائب وساعات اضافة للذهب والمجوهرات والأعمال الفنية أي ليس فقط للاستخدام وكل تكلفة هذه المقتنيات قد لا تصل الى 1 بالمائة من حجم ثرواتهم الضخمة اي لا تشكل اي عبء عليهم.
بينما الشريحة من بعض الطبقة المتوسطة التي تهتم باقتناء تلك المنتجات الثمينة فتركيزهم على الاستخدام بشكل أساسي في الوقت الذي يشكل فيه ثمنها نسبة كبيرة من دخلهم السنوي يتراوح بين 5 الى 10 بالمائة على الاقل وبعضهم قد يتجاوز 30 بالمائة، بينما ما يجب ان يركزوا عليه هو تحويل مدخراتهم للاستثمار وتملك الاصول المدرة للدخل والتي تحقق مكاسب راسمالية لتعظيم ثرواتهم وان يكون اقتناؤهم للذهب بشكل اساسي بالنسبة للقطع الثمينة السهلة النقل، وأما اقتناء منتجات العلامات التجارية الثمينة فيكون بحدود معقولة جداً، ولذلك اذا تضررت سمعة شركات العلامات التجارية العريقة ومرت بمرحلة تراجع في الاقبال لفترة ما فإن حجم الخسارة لمن يمتلك كميات كبيرة من منتجاتهم يفوق الحاجة لها من الطبقة المتوسطة يكون كبيراً، بخلاف الشعور النفسي الذي يمر به حالياً بأنه دفع أثمانا باهظة لمنتجات كان يمكن شراء المقلدة منها بعشر السعر الذي دفعه، بينما اصحاب الدخل العالي جداً فهو لا يمثل لهم اي خسارة لان تكلفتها نقطة في بحر ثرواتهم فالاصل ان تركز الطبقة المتوسطة على استثمار اامدخرات بما يزيد من ثرواتهم ويوفر لهم التنوع بمصادر الدخل بدلاً من الاعتماد على مصدر دخل واحد كالوظيفة او ما يماثلها فهي طبقة مهمة جداً بكل مجتمع و تعتبر ركيزة رئيسية في الاقتصادات الناجحة وتحرص الدول على زيادة نسبتها بالمحتمع نظراً لدورها الاستثماري والانتاجي والاستهلاكي الكبير جداً.
سابقاً، حذر علماء الاجتماع كثيراً من خطورة محاكاة الطبقات المتوسطة للثرية في طريقة الاستهلاك والمقتنيات الكمالية؛ لانها تؤثر سلباً على مرحلة بناء ثرواتهم وزيادة دخلهم فالفكرة ليست بالتقليل من شأن فئة لصالح اخرى إنما الهدف من دراساتهم كان للتوعية بأهمية التعامل بواقعية والتخطيط السليم للمستقبل واستثمار الدخل لتعظيم الثروات والعائد من الاستثمارات والقصص كثيرة لرجال اعمال وأسر تجارية بدأت من الصفر، واستثمرت كل دخل حصلت عليه بسنوات عملها الأولى واستطاعت أن تبني ثروات كبيرة سمحت لهم بتنوع استثماراتهم وحققت لهم دخلا كبيرا جداً، ومن عدة مصادر وامتلكوا مقتنيات ثمينة لحفظ القيمة والاستخدام دون تأثير على سير اعمالهم، وذلك باموال تفيض عن احتياجاتهم الاستثمارية الأساسية والاستهلاكية.
نقلا عن الجزيرة