النفط والرياح المعاكسة

20/03/2025 0
د. نعمت أبو الصوف

واجهت أسعار النفط أسبوعا متقلبا آخر، حيث تعاملت السوق مع أساسيات متضاربة. على الرغم من بعض الدعم الصعودي، إلا أن استمرار المخاوف الاقتصادية، تصاعد التوترات التجارية، وخطط زيادة الإمدادات من قبل "أوبك+"، حدّت من المكاسب المحتملة، وفي ظل تضارب القوى، واجهت السوق صعوبة في إيجاد اتجاه واضح. وستشكل التطورات الجيوسياسية، قرارات" أوبك+"، وإشارات الطلب، عوامل رئيسية في تحديد مسار النفط القادم، بدأت أسعار النفط الأسبوع الماضي بثبات نسبي، لكنها واجهت رياحا معاكسة ناجمة عن مخاوف اقتصادية أوسع نطاقا. وتراجع الدولار الأمريكي إلى مستويات منخفضة جديدة، ما وفّر بعض الدعم قصير الأجل لأسعار النفط من خلال جعل الخام أكثر جاذبية للمشترين بالعملات الأخرى. ومع ذلك، خففت المخاوف المستمرة من ركود اقتصادي في الولايات المتحدة والتأثير المحتمل للرسوم الجمركية على الطلب العالمي من هذا الدعم.

ظلت معنويات السوق هشة مع تسجيل أسواق الأسهم الأمريكية انخفاضات كبيرة. حيث، انخفض مؤشر ناسداك 4 % -وهو أسوأ انخفاض له منذ 2022- بينما شهد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أيضا خسائر حادة. وأثرت المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي وضعف توقعات المستهلكين سلبا في الأصول ذات المخاطر العالية، بما في ذلك النفط الخام.

ومما زاد من حالة عدم اليقين، إعلان الولايات المتحدة عن سلسلة من الرسوم الجمركية الجديدة على شركاء تجاريين رئيسيين، بما في ذلك رسوم جمركية بـ25% على واردات الصلب والألومنيوم من كندا. أثارت هذه الخطوة مخاوف من اتخاذ إجراءات انتقامية قد تؤدي إلى إبطاء التجارة العالمية والطلب على الطاقة. ومع ذلك، سجلت أسعار النفط أول مكسب أسبوعي لها في شهر. حيث، استقرت العقود الآجلة لخام برنت عند 70.58 دولار للبرميل، محققة مكاسب أسبوعية بلغت 0.3%. في المقابل، أغلقت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط عند 67.18 دولار للبرميل، مسجلة مكاسب أسبوعية بـ0.2%.

لا تزال "أوبك+" محط أنظار السوق، حيث تثير زيادة الإنتاج المخطط لها في أبريل مخاوف بشأن فائض محتمل في المعروض. وبينما أكدت المجموعة التزامها بزيادة الإنتاج، أشار مسؤولون روس إلى أنها قد تعيد تقييم الوضع إذا ظلت الأسعار منخفضة، وقد زاد بعض أعضاء "أوبك+" الإنتاج بالفعل. في غضون ذلك، من المتوقع أن يتجاوز إنتاج النفط الخام الأمريكي التوقعات السابقة، ليصل إلى متوسط 13.61 مليون برميل يوميا هذا العام، ما يزيد الضغط على الأسعار. مع ارتفاع المعروض، تترقب السوق بوادر تحول في سياسة "أوبك+"، لا سيما إذا ضعف الطلب أو زادت المخزونات.

من جهة أخرى، لا يزال استهلاك الوقود في الولايات المتحدة قويا، مع انخفاض مخزونات البنزين بمقدار 5.7 مليون برميل، متجاوزا بكثير توقعات المحللين بانخفاض قدره 1.9 مليون برميل. كما انخفضت مخزونات نواتج التقطير أكثر من المتوقع، على الرغم من زيادة مخزونات النفط الخام. يشير هذا إلى مرونة طلب المستهلكين، ما يدعم أسواق النفط على الرغم من حالة عدم اليقين الاقتصادي الأوسع. مع ذلك، لا تزال مخاوف الطلب العالمي قائمة. فقد خففت بيانات التصنيع الضعيفة في الصين والتوترات التجارية المستمرة من المعنويات الصعودية. كما فرضت الولايات المتحدة رسوما جمركية جديدة على الواردات الرئيسية، ما أثار مخاوف من تباطؤ النشاط الصناعي. إذا ساءت الظروف الاقتصادية أكثر، فقد يتباطأ نمو الطلب، ما يحد من ارتفاع أسعار النفط.

من ناحية أخرى، قد يؤدي عدم اليقين الجيوسياسي إلى تعطيل العرض. في الواقع، بعد اجتماعات الرياض وجدة، زادت المناقشات بوقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا. لكن حالة عدم اليقين بوقف فوري لأطلاق النار زادت من تقلبات السوق. وبينما أبدت روسيا دعما مبدئيا لهدنة بوساطة أمريكية، فإن استمرار حالة عدم اليقين يشير إلى أن أي حل لا يزال بعيدا. في غضون ذلك، تُعقّد العقوبات الأمريكية على معاملات الطاقة الروسية وانخفاض واردات الصين من النفط الخام من روسيا تدفقات الإمدادات العالمية.

وفي سياق آخر، لا تزال التوترات الجيوسياسية المتعلقة بإيران ومنتجي الشرق الأوسط عاملا غير متوقع. ورغم أن المخاطر قد تؤدي إلى اضطرابات في الإمدادات على المدى القصير، فإن الأساسيات تشير إلى أن السوق لا تزال تتمتع بإمدادات جيدة في الوقت الحالي.

من المتوقع أن تستمر الضغوط على أسعار النفط مع ارتفاع الإنتاج الأمريكي، مرونة إمدادات "أوبك+"، وعدم اليقين الاقتصادي الذي يُلقي بظلاله على توقعات الطلب. ورغم أن المخاطر الجيوسياسية قد تُثير ارتفاعات عرضية، فإن تحقيق مكاسب مستدامة يبدو غير مرجح ما لم يحدث انقطاع كبير في الإمدادات. ستُحدد تحولات سياسة "أوبك+"، البيانات الاقتصادية، والتطورات الجيوسياسية الاتجاه على المدى القريب. ولكن في الوقت الحالي، لا تزال التوقعات تراوح بين الحيادية والهبوطية.

 

 

نقلا عن الاقتصادية