تمهيد
قبل حوالي أكثر من عشر سنوات قررت البدء في تأليف كتاب حول الاستثمار الأجنبي المباشر Foreign Direct Investment)). والسبب الذي دفعنى لذلك هو قلة الكتابات العربية في هذا المجال. فغالباً ما نجد موضوع الاستثمار الأجنبي المباشر يتم تناوله في أدبيات "التسويق الدولي" كأحد الاستراتيجيات التي تتبعها الشركة للوصول إلى الأسواق العالمية. فكانت البداية هي محاولة ترجمة رسالتي للدكتوراه التي كانت حول نفس الموضوع. ولسبب أو أخر لم استطع استكمال الكتاب حتى يومنا هذا. فقررت أنه احوله إلى سلسلة من المقالات. ولجعل القراءة ممتعة وسهلة، حاولت بقدر الإمكان تبسيط النظريات والافكار الاقتصادية التي سنناقشها، ومع ذلك لابد للقارئ أن يمتلك بعض المبادئ الاساسية في الاقتصاد بشقيه الكلي والجزئي.
مقدمة
يعد الاستثمار الأجنبي المباشر أحد أكثر المواضيع الاقتصادية أهمية منذ التسعينات وحتى اليوم. حيث شهدت تدفقاته نمواً متسارعا يفوق نمو التجارة الدولية والناتج المحلي الإجمالي العالمي. هذا أثر على الحياة البشرية بجميع نواحيها الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية. فكما هيمن موضوع التجارة الدولية في الادبيات الاقتصادية في عقد السبعينات والثمانيات، ليصبح مصطلح "التجارة الدولية المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي" على كل للسان، أصبح مصطلح الاستثمار الأجنبي المباشر "المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي" في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات المهيمن في أدبيات الاقتصاد السياسي. صاحبَ هذا التغير في العلاقات الاقتصادية الدولية، اهتمام كبير من قبل الباحثين وصنّاع القرار على المستوى المحلي والعالمي لدراسة هذه الظاهرة ومحاولة الإجابة على الاسئلة الرئيسة التالية.
1. ما هي الدوافع والأسباب التي تحفز الشركات للاستثمار خارج حدود دولة الأم؟
2. ما هي العوامل التي تؤثر على قرار الشركة عند اختيار البلد المضيف؟
3. ما هي آثار الاستثمار الأجنبي المباشر على اقتصاديات الدول المضيفة؟
يهدف هذا المقال لمناقشة مفهوم الاستثمار الأجنبي المباشر قبل الانتقال لاحقاً إلى مناقشة نظرياته وتأثيراته.
مفهوم الأستثمار الأجنبي المباشر
يمكن تقسيم الاستثمار إلى نوعين رئيسين:
- الاستثمار المحلي والذي يتم داخل حدود الدولة من قبل مستثمرين محليين.
- الاستثمار الأجنبي والذي يتم بواسطة مستثمرين من خارج حدود الدولة.
وينقسم الاستثمار الأجنبي إلى قسمين رئيسين، فهو إما أن يكون استثماراً مباشراً أو غير مباشر. ويقصد بالنوع الأول استثماراً طويل الأجل يتضمن مصلحة دائمة وسيطرة شركة ما على مشروع أو شركة أخرى في اقتصاد أخر، ويمارس المستثمر الأجنبي درجة عالية من التأثير على إدارة ذلك المشروع أو الشركة المقامة في بلد أخر غير بلد الأم. أما الاستثمار الغير مباشر فيتضمن الاستثمار في الأوراق المالية التي تكون عادة قصيرة الأجل.
بالرغم من قدم ظاهرة الاستثمار الأجنبي المباشر التي يُرجعها البعض إلى القرن السادس عشر، إلا إن مفهومه بقي موضع خلاف بين الدول حتى مطلع التسعينيات. فقد أستخدم البعض تصنيفات عدة للتمييز بين النوعين مثل ضريبة الدخل، أو جنسية المالكين. ولكن يُعتبر معيار الإقامة في بلد المضيف من أهم المعايير المستخدمة في هذه المجال. وبناء على هذا المعيار يصنف الاستثمار على أنه أجنبياً إذا كان استثماراً خارج حدود دولة الأم للمستثمر. فكل نشاط استثماري يقع في دولة غير دولة الأم للمستثمر يصنف على أنه استثماراً أجنبياً
ولكن تكمن مشكلة تحديد النسبة التي يمتلكها المستثمر الأجنبي المباشر في المشروع أو الشركة لتصنيف الاستثمار على أنه مباشراً. فعلى سبيل المثال، وضعت الولايات المتحدة الأمريكية تعريفاً خاصاً بها للتفريق بين الاستثمار المباشر والغير مباشر. فعندما تمتلك شركة أو فرد ما نسبته 50% من أسهم شركة أجنبية تعمل خارج حدود دولة الأم أو ما يعادلها، فأن هذا الاستثمار يصنف على أنه استثمار أجنبي مباشر، ثم انخفضت هذه النسبة إلى 20%. وفي المملكة المتحدة كانت النسبة المستخدمة لتصنيف الاستثمار الأجنبي المباشر20%. هذا الاختلاف في التعريف قاد إلى مشاكل عديدة أهمها تبويب وجمع البيانات المتعلقة بالاستثمار الأجنبي المباشر، والتي تظهر في الحساب المالي من ميزان المدفوعات للدولة. فأول المشاكل وأهمها هي عدم مقدرة الدول أو الباحثين على إجراء عملية المقارنة بين الدول فيما يتعلق بتدفقات استثمار الأجنبي الداخلة أو الخارجة.
وبما أن تدفقات الاستثمار الأجنبي يتم تسجيلها في الحساب المالي في ميزان المدفوعات، قام صندوق النقد الدولي في عام 1993م بوضع تعريفاُ شاملاً لمفهوم الاستثمار الأجنبي المباشر المبنى على التعريف
المرجعي الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وذلك لغرض توحيد ممارسات جمع البيانات المتعقلة بالاستثمار الأجنبي المباشر.
التعريف الدولي للاستثمار الأجنبي المباشر
يُعرف الاستثمار الأجنبي المباشر "بأنه استثمار يعكس هدف حصول كيان مقيم في اقتصاد معين على مصلحة دائمة في مؤسسة مقيمة في اقتصاد أخر يترتب عليها وجود علاقة طويلة الأجل بين المستثمر المباشر (الشركة الأم) ومؤسسة الاستثمار المباشر (الشركة التابعة) مع قدرة المستثمر على التأثير في قرارات الإدارة."
ومن الممكن تحقيق السيطرة أو النفوذ عن طريق مباشر من خلال امتلاك أسهم في شركة ما والتي من خلالها تحصل الشركة على قوة تصويتية أو عن طريق غير مباشر من خلال امتلاك قوة تصويتية في شركة أخرى لديها قوة تصويتية في شركة معينة. وبحسب التعريف السابق يعتبر الاستثمار الأجنبي مباشراً عندما تمتلك شركة (المستثمر المباشر) على الأقل ما قيمته 10 %من الأسهم العادية أو القوة التصويتية في الشركة التابعة والتي تقيم في بلد أجنبي سواء عن طريق مباشر أو غير مباشر.
وبحسب الدليل تتكون تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من ثلاث عناصر رئيسة:
- رأس مال حقوق الملكية (Equity Capital) الذي يشمل على حصص الملكية في الفروع، وكافة الأسهم في الشركات التابعة والزميلة (عدا الأسهم الممتازة غير المشتركة في الإرباح التي تعامل كسندات للدين)، وغير ذلك من المساهمات في رأس المال.
- العوائد المعاد استثمارها (Reinvested Earnings) وتشمل نصيب المستثمر المباشر (بنسبة اشتراكه المباشر في الملكية) من العائدات التي لا توزعها الشركات التابعة والزميلة كأرباح، ونصيبه في عائدات الفروع غير المحولة إليه. وتعامل هذه العوائد المعاد استثمارها كما لو كانت تدفقات جديدة.
- القروض داخل الشركة (Inter-firm debt transactions) ويشمل هذا البند اقتراض أو إقراض الأموال، بما في ذلك سندات الدين وائتمان الموردين، بين المستثمر المباشر من جهة، والمؤسسات التابعة والزميلة والفروع من جهة أخرى. وتصنف القروض الممنوحة من المستثمر المباشر إلى مؤسسات الاستثمار المباشر، والعكس، ضمن هذا البند الفرعي.
وعليه فأن الاستثمار الأجنبي المباشر عبارة عن مجموع الأرباح المعاد استثمارها زائداً الأسهم المشتراة من قبل المستثمر الأجنبي المباشر زائداً صافي القروض طويلة وقصيرة الأجل الممنوحة من قبل المستثمر الأجنبي المباشر للشركة التابعة ناقصاً القروض الممنوحة من قبل الشركة التابعة للشركة الأم أو المستثمر الأجنبي المباشر.
من هو المستثمر المباشر؟
يعرف المستثمر المباشر بأنه كيان (شركة) أو مجموعة من الكيانات المرتبطة والقادرة على ممارسة السيطرة والتحكم على كيان أخر (شركة أخرى) مقيم في اقتصاد أخر. وقد يكون المستثمر المباشر فرداً أو أسرة، مساهمة أو غير مساهمة خاصة أو عامة ، صندوق استثماري، منظمة حكومية أو دولية، أو غيرها من المنظمات التي تحوز جزءاً من ملكية مؤسسات استثمار مباشر في بلد غير بلد الأم.
ما هي مؤسسات الاستثمار المباشر؟
تُعرف مؤسسة الاستثمار المباشر بأنها مؤسسة مساهمة أو غير مساهمة يمتلك فيها المستثمر الأجنبي المباشر المقيم في اقتصاد آخر نسبة 10% أو أكثر من الأسهم العادية أو القوة التصويتية، في حالة كون المؤسسة مساهمة، أو ما يعادل ذلك في حالة المؤسسة غير مساهمة، وتشمل مؤسسات الاستثمار المباشر ثلاثة أنواع هي:
- المؤسسات التابعة أو المنتسبة (Subsidiary Firms)، تعتبر الشركة (ج) شركة تابعة للشركة (س) إذا كانت الشركة (س) حاملة لأسهم الشركة (ج) أو أنها عضو في الشركة وتمتلك الحق في تعين أغلب أعضاء مجلس الإدارة أو أنها تمتلك أكثر من 50% من أسهم الشركة (ج) أو القوة التصويتية، أو أن الشركة (ج) شركة تابعة لشركة أخرى هي في الأساس شركة تابعة للشركة (س).
- المؤسسات الزميلة (Associate Firms)، تُعتبر الشركة (ي) شركة منتسبة للشركة (س) إذا كانت الشركة (س) تمتلك ما بين 10-50% من الأسهم العادية أو القوة التصويتية للشركة (ي)، أو تمتلك صوت فعّال في إدارة الشركة الزميلة.
- الفروع (Branches)، وهي مؤسسات غير مساهمة مملوكة بالكامل أو بالشراكة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر مع طرف ثالث غير مقيم.
وبموجب إطار علاقات الاستثمار المباشر تعتبر الشركة الأجنبية مستثمر مباشر في شركة أخرى إذا كانت هذه الشركة الأخرى: شركة تابعة مباشرة للشركة الأجنبية، أو شركة مرتبطة مباشرة بالشركة الأجنبية، أو شركة تابعة لشركة تابعة للشركة الأجنبية، أو شركة تابعة لشركة مرتبطة بالشركة الأجنبية، أو شركة مرتبطة بشركة تابعة بالشركة الأجنبية. ويوضح ذلك الشكل رقم العلاقات المباشرة وغير المباشرة التي ينشأ عنها الاستثمار الأجنبي المباشر.
شكل رقم (1):
إطار علاقات الاستثمار الأجنبي المباشر
وفقاً للشكل السابق، تعبر الشركة (أ) شركة تابعة للشركة الأم، كما أن الشركة (ب) تعتبر أيضاً شركة تابعة للشركة الأم على الرغم من إنها تمتلك فقط 33% من أسهم الشركة. كما أن الشركة (ج) تعتبر شركة زميلة للشركة (ب) والشركة الأم على الرغم من إن الشركة الأم لا تمتلك إلا 4% من أسهم الشركة (ج). تُصنف الشركة (د) على أنها شركة زميلة للشركة الأم، وشركة (ح) تعتبر شركة تابعة للشركة (د)، وبالتالي فأن الشركة (ح) تعتبر شركة زميلة للشركة الأم على الرغم من إن الشركة الأم تمتلك فقط 6% من أسهم الشركة (ح).
تُعتبر الشركة (ف) شركة زميلة للشركة الأم، ولكن الشركة (ع) ليست من الشركات الزميلة للشركة الأم. وتعتبر الشركة (خ) شركة تابعة للشركة الأم، والشركة (ق) تعتبر من الشركات الزميلة للشركة (خ) وبالتالي فهي أيضاً زميلة للشركة الأم. وأخيراً تُعتبر الشركة (ك) شركة تابعة للشركة الأم، وشركة (م) فرع للشركة (ك)، وبالتالي فهي فرع للشركة الأم.
خاص_الفابيتا