"متلازمة الصقر والكتكوت"

20/02/2025 0
البدر فودة

خلال نقاشي لأحد الأفكار مع أخي الأكبر والعزيز معالي وزير الصناعة والثروة المعدنية الأستاذ بندر بن ابراهيم الخريف، ومع اعجاب معاليه بالفكرة التي كنت اناقشها، حذرني معاليه من أن بعض الأفكار تبدأ عظيمة مثل "الصقر" لتعالج تحديات كبيرة، ثم ما تلبث أن تتم معالجتها وادخال عناصر التنسيق والمواءمة عليها مرات ومرات، وتداولها من لجنة إلى أخرى، فتخرج في النهاية على شكل "كتكوت"، وفي بعض الأحيان "كتكوت ميت"! وهذا قد ينسحب على القطاع العام والخاص والثالث، بالطبع ارتسمت ابتسامتي أثناء شرح معاليه للفكرة، غير أنني بدأت التأمل فيما ذكر معاليه عدة مرات لعدة اسابيع. ثم بدأت تلاحقني الفكرة في كل مرة اقوم فيها بمناقشة مبادرة أو مشروع مع زملائي، وأنبههم فيها إلى "متلازمة الصقر والكتكوت". ثم عدت بذاكرتي لبعض الأعمال، وكيف بدأت في أساسها كأفكار عظيمة على هيئة "صقور"، لأكتشف بأن بعضها، وبعد خروجها من المعالجة، أصبحت "كتاكيت" كثيرة مزعجة أو ميته وقت تنفيذها. وهذا ينسحب على مواقف مرت علي اثناء عملي في القطاعين العام والخاص والثالث.

دفعتني "متلازمة الصقر والكتكوت" للبحث عن مصطلحات أخرى عالمية تهدف لذات المعنى، فوجدت مجموعة وددت مشاركتها معكم:

١- تأثير “موت الفكرة": يشير إلى كيفية إجهاض الأفكار العظيمة بسبب المقاومة التنظيمية، أو ضعف التنفيذ، أو التعديلات غير المناسبة.

٢- “التخفيف البيروقراطي”: يصف كيف يتم تخفيف الأفكار الأصلية بسبب التعقيدات الإدارية أو المراجعات المتكررة التي تفرغها من مضمونها الأساسي.

٣- “قانون الانحدار نحو التفاهة”: يشير إلى ميل بعض المؤسسات إلى التركيز على التفاصيل البسيطة وتجاهل الأفكار الكبيرة التي تحتاج إلى قرارات جريئة.

٤-متلازمة تصميم اللجان”: يحدث عندما تُفقد الرؤية الأصلية للمشروع بسبب كثرة التعديلات والمساهمات غير المتوافقة من مختلف الأطراف، مما يؤدي إلى منتج أو فكرة ضعيفة.

٥- “تأثير تقليص الابتكار": يصف كيف تتحول الابتكارات الجريئة إلى أفكار عادية أو غير مؤثرة بسبب الخوف من المخاطرة أو مقاومة التغيير.

٦- “متلازمة المنتج المخفف”: تعني أن الفكرة الأصلية كانت قوية، ولكن تم تخفيفها بشكل مفرط أثناء التنفيذ، مما أدى إلى فقدان تأثيرها.

٧- “متلازمة التنازل عن الجودة": تعبر عن تدهور الجودة أو الفكرة بسبب رغبة الجميع في إرضاء جميع الأطراف، مما يؤدي إلى نتيجة ضعيفة.

٨- “متلازمة الهبوط الحاد”: تشير إلى كيف يمكن لفكرة قوية أن تنهار بسرعة بسبب قرارات تنفيذية سيئة أو سوء إدارة.

كل هذه المصطلحات تدور حول نفس المفهوم: كيف تتحول الأفكار القوية إلى ضعيفة وغير مؤثرة بسبب العقبات المختلفة في بيئة العمل أو التخطيط أو التنفيذ. وبهذا، فإن التعريف المقترح لمصطلح "متلازمة الصقر والكتكوت" هو وصف كيف يمكن للأفكار الكبيرة والمبتكرة أن تتضاءل وتفقد جوهرها الأصلي بسبب عمليات التنفيذ البيروقراطية أو المعالجة غير الفعّالة. وهذا المفهوم قد يستخدم لتسليط الضوء على التحديات التي تواجه الأفكار الإبداعية عند محاولة تطبيقها في بيئات تتسم بكثرة الاجراءات والتعقيدات وتفتقر إلى المرونة أو الدعم اللازم.

وللتغلب على هذا التحدي، فمن المهم، والمهم جداً، أن يتأكد القائمون على توليد الأفكار الابداعية، ومعالجتها، ومن ثم تنفيذها، بأن المعالجة والمخرجات تحاكي الفكرة الأصلية وتضيف لها ولا تنزع منها أو تخففها بما يمس جوهرها. كما ينصح بالتأكد من توفر البيئة الداعمة والتي تتيح للأفكار النمو والتطور بجراءة دون قيود تعيق تحقيق إمكاناتها الكاملة.

أما عن الأعراض أو الاشارات التي تنذر بهذه المتلازمة، فهي تتلخص فيما يلي:

١- انخفاض تدريجي في سقف طموح الفكرة الأصلية مدفوعاً بعدم الجرأة على اتخاذ القرار. وهذا يعني التقليل من القيمة الجوهرية للفكرة الاصلية الابداعية من خلال استبدال الاهداف الطموحة بأخرى أكثر تحفظاً وأماناً تحت ذرائع منها الميزانيات أو المخاطر، أو القيد التشريعية، أو القيود التنفيذية، أو متطلبات التشغيل، أو قيود بيئة العمل، أو الواقعية في التنفيذ.

٢- كثرة المراجعات والتحسينات الغير ضرورية. خضوع الفكرة او الافكار الاصلية للعديد من التحسينات الغير ضرورية مما يفقد الفكرة او الافكار الاصلية جوهرها وقيمتها التي نشأت من أجله. وبالتالي، من المهم 

٣- تحول الفكرة الجديدة إلى قديمة. يميل البعض من المتحفظين إلى التقليد بدلاً من الابداع وهو ما قد يحول الفكرة الجريئة الابداعية إلى تكرار لفكرة سابقة تم تنفيذها.

٤- البيروقراطية والاجراءات المتعددة. ينشغل المسؤولون التنفيذيون بالاجراءات الطويلة والمتعددة، وأخذ الموافقات، وتعبئة النماذج والاستمارات، والعرض على مجالس الادارات أو الشركاء أو أصحاب المصلحة حتى ينشغلون بذلك على حساب التنفيذ الحقيقي للفكرة.

٥- توسيع دائرة المشاركين في الفكرة. ان التوسع غير الضروري في اعداد المشاركين في صياغة الفكرة وآلية تنفيذها قد يؤدي لمبدأ ارضاء الجميع. وفي هذه الحالة، قد تتحول الفكرة الاصلية الى نسخة باهتة أو مشوهة مما يفقدها قيمتها الاصلية.

٦- فقدان الشغف. من خلال كثرة الاجراءات والعروض واخذ الموافقات، قد يفقد الفريق صاحب الفكرة الاصلية شغفهم بالفكرة، ثم تتحول مهمتهم الى مهمة روتينية تضيع معها المهمة الابداعية الاساسية.

٧- ضعف النتائج. إن ضعف النتائج قد يشير بشكل غير مباشر للتشوهات التي طرأت على الفكرة الأصلية الابداعية نتيجة سبب أو عدد من الاسباب المذكورة اعلاه. وقد يتذرع التنفيذيون بأن هذه النتائج هي أفضل ما يمكن تحقيقه في ظل التحديات القائمة. لذا، من المناسب القيام بقياس الاثر ومقارنة الاسباب التي ادت لذلك.

٨- الغاء الفكرة بالكامل. عند الوصول لمرحلة القرار بالغاء الفكرة بالكامل، فقد يكون من المناسب مراجعة اسباب الالغاء واذا ما كانت موضوعية أم اجرائية، وذلك لتدارك عنصر "الابداع" في العمل.

وبهذا، فمن المهم تحصين الافكار الابداعية "الصقر" بما يلي:

١- صياغة الفكرة بشكل واضح وحمايتها من التعديلات والاضافات غير الضرورية.

٢- تحديد اصحاب المصلحة والمشاركين في الفكرة واصحاب القرار فقط دون افراط في ذلك.

٣- تجنب المراجعات والاجتماعات الكثيرة المفرطة.

٤- تخفيض عدد الاجراءات والموافقات اللازمة للحد الادنى المطلوب للاعتماد والتنفيذ.

٥- التأكد من استمرار روح الابتكار والشغف لدى الفريق عند التصميم والتنفيذ.

٦- سرعة اتخاذ القرارات الجريئة المحسوبة مع وضع خطة لمعالجة الفشل أو المخاطر.

أقول هذا حرصاً على مدخرات الوطن من الافكار والمبادرات الابداعية، في ظل دعم حكومتنا السخي، وبالتزامن مع ما نشهده من تنفيذ مملكتنا لمشاريع عظيمة، بدأت كأفكار عظيمة وعالجها عظماء وبدأنا في قطاف ثمارها. كما أشير إلى أهمية الاقتداء بأطروحات سموي سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله- مهندس رؤية المملكة ٢٠٣٠، حيث حرص سموه، على أن يستمر الصقر صقراً أثناء عمليات معالجة برامج ومبادرات واستراتيجيات المملكة، وحتى تم ويتم التنفيذ. وكذلك العديد من نجباء هذا الوطن من قادة القطاعين العام والخاص والذين نفذوا الكثير من الأفكار والمشاريع الجريئة والخلاقة، والتي اضافت لرصيد الوطن الكثير من النتائج المتميزة.

إن أصبت فمن الله، وإن اخطأت فمن نفسي

 

 

خاص_الفابيتا