الدول حاضنة لشعوبها، وصمام أمان لهم تمنحهم فرصة العيش الكريم والأمن والأمان وتدعم تطورهم وتتيح لهم الفرص ليكونوا شركاء في بناء أوطانهم، ولذلك هي تمتلك حق التشريع والتنظيم والقيادة للمشهد العام وتتبع سياسات داخلية وخارجية تصب في مصلحة الوطن والمواطن، وتعزز من علاقاتها مع العالم لتعظيم المنافع للمجتمع الذي تقوده و تقوم أيضا بإيجاد بيئة جاذبة للاستثمار، كما تقوم هي بالاستثمارات السيادية داخلياً لتنشيط القطاعات الحيوية، وكذلك خارجياً لتعظيم المنافع وتعزيز التعاون الدولي والاستفادة من الفرص الاستثمارية بالعالم، فكل ذلك يعد منهجاً طبيعياً لعمل الدول دون التعمق أكثر بالتفاصيل العديدة التي تقوم بها، لكن ظهر مفهوم جديد هذه الأيام ويحمل في طياته مخاطر كبيرة جداً والذي يتمثل بتقديم الرئيس ترمب لفكرة شراء غزة لتحويلها إلى ريفيرا جديدة، أي منطقة عصرية باستثمارات كبيرة قائمة على التطوير العقاري مع إخراج أهلها منها وتشتيتهم في العالم.
في الواقع هو أمر غير منطقي ولا يمكن أن يتحقق لأنه يتنافى مع أبسط مبادئ وقوانين النظام الدولي وحفظ حقوق الشعوب التي سلبت أرضهم أو وقعوا تحت احتلال كما هو حال الشعب الفلسطيني الذي يكافح لنيل حقوقه منذ 75 عاماً، لكن الدمار الذي قام به المجرم نتنياهو بحق غزة وأهلها أوجد حالة صادمة للمجتمع الدولي بحجم مأساة أهل غزة؛ فالتدمير والقتل كان ممنهجاً ولا يمكن أن يكون رداً على أحداث 7 اكتوبر، فإذا كان غريم اسرائيل حركة حماس فكيف تقوم بهدم قطاع كامل على رأس أهله وقتل 45 ألفا جُلهم أطفال ونساء مع جرحى بأكثر من 100 ألف، وهدم عشرات آلاف المنازل وتدمير البنى التحتية، ومع كل هذه الكارثة فإن عدم المبالاة الأمريكية بمعاناتهم جاءت عبر مقترح الرئيس ترمب بعرضه شراء غزة، بل قال إن أهلها ليس لهم حق العودة لها فتحت أي قانون او منطق يأتي مثل هذا المقترح الصادم، وهل أراضي الشعوب وأوطانهم هي مجرد أداة إنتاج يمكن بيعها وإخراج شعوبها منها، فهو قد عرض أيضا شراء جزيرة غرينلاند ايضا فهل استلهم فكرته من شراء اميركا ولاية ألاسكا من روسيا عام 1867 وبمبلغ سبعة ملايين دولار؟!
لكن ما يثير الاستغراب أن تتحول دولة لتهميش أوطان أجنبية عبر طرح غير مسبوق؛ أي تشتري وطنا وتخرج أهله منه، وكأن ارتباطهم بأرضهم قابل للمساومة، فهل يقبل المسؤولون الامريكيون بطلب شراء ولاية من ولاياتهم لأية دولة تطلبها منهم وتشترط اخراج سكانها منها؛ فحقيقةً العالم اليوم أمام تحد كبير في وأد مثل هذا المفهوم الذي يراد تكريسه مع توغل الرأسمالية بتوحش في شؤون سيادية وحقوق لشعوب لا يمكن أن تسقط مهما حاول المحتل من تغيير المشهد، كما فعلت حكومة الإجرام الصهيوني في تل ابيب بغزة، خصوصاً ان هذا التدمير كان بدعم أمريكي بالسلاح والمال وتغطية سياسية من خلال منع صدور اي قرار يدين إسرائيل ويلزمها بإيقاف الحرب على شعب أعزل من مجلس الأمن، لكن المقترح الذي يعد شخصياً حتى الان أطلق مفهوما جديدا لحل الصراعات عبر دفنها من خلال تحويل أرض المظلوم والمسلوبة حقوقه لمشروع تجاري دون أي اكتراث بخطورة وآثار تهجير شعب ولد وعاش وتجذر بأرضه التي هي حقه وليس دخيلاً عليها، كما هو حال الاسرائيليين؛ فهم مهاجرون غير شرعيين ولا علاقة لهم بأرض فلسطين العربية، بل إنهم غيروا أسماءهم بعد انتقالهم لفلسطين بعد وعد بلفور المشؤوم ومنهم نتنياهو كان اسم عائلته «ميليكوفسكي» وغيرها لاسمه الحالي فلماذا؟ ألا ينطبق توجه ترمب الذي يقوم به بطرد المهاجرين غير الشرعيين لبلاده على الاسرائيليين ليعودوا للدول التي قدموا منها؟!
من غير المنطقي أن يتم عرض شراء أوطان وإخراج أهلها منها وفرض التهجير عليهم لدول أخرى؛ فهو تطهير عرقي ومنعدم الانسانية، فهذا أمر سيحول العالم لساحة صراع أكبر مما هو قائم حالياً ويهدم كل المبادئ والقوانين الناظمة للعلاقات الدولية، وتصبح الامم المتحدة منظمة بلا أهمية ومجلس الأمن مشلول ومعطل في حماية السلم الدولي!!
نقلا عن الجزيرة