هناك مقولة تنتشر بين الناس، تقول إن المال يغير الإنسان، وواقع الحال أن المال لا يغير الناس، وإنما يظهرهم على حقيقتهم، فمَن كان محباً للخير نجده يساعد الفقراء ويبذل في أوجه الخير، ومن كان كريماً نجده يزداد كرماً، ومن كان بخيلاً نجده يزداد بخلاً، ومن كان مسرفاً نجده يزداد إسرافاً، بمعنى أن المال لا يغير الإنسان ولكنه يجعل حقيقة الإنسان تظهر بوضوح، ومجتمع الأثرياء مثله مثل بقية المجتمعات، فيه اختلافات متباينة، ففيهم محب للخير، وفيهم المسرف، وفيهم غير ذلك، ما يسترعي الانتباه الإسرافُ الذي يقوم به بعض الأغنياء في مناسباتهم العامة والخاصة، فنجد بعضهم يسرف في الأطعمة في مناسبات الزواج، حتى يكون المتبقي أكثر مما يؤكل، ثم بعد ذلك نجدهم يقولون إنهم دعوا الجمعيات الخيرية لتوزيع المتبقي من الطعام، والأفضل من ذلك أن نجعل مناسبة الزواج مقتصرة على الأقارب والأصدقاء المقربين جداً، ولا نهدر الطعام، ونتبرع بما زاد على ذلك نقداً لجمعيات الأيتام وغيرها من الجمعيات الخيرية، وبهذا نكسب ميزتين: الأولى؛ لم نهدر الطعام، والثانية؛ كسبنا الأجر لأننا وضعناه في مكانه الصحيح. والأثرياء عادة قدوات للمجتمع فإذا لم يهدروا الطعام على موائدهم كانوا قدوات لغيرهم، وحافظوا على الطعام الذي يستورد جله من الخارج.
وفي هذا السياق، أتذكر أن إحدى الثريات أرادت تزويج ابنتها، فاستأجرت قاعة في أيام الأسبوع، وذكرت في رقاع الدعوة أن الحفل سيبدأ من الساعة الرابعة وحتى الثامنة مساءً، وسيقتصر على حفل الشاي، وكنت وقتها أعمل في الشقيقة «الاقتصادية»، فاسترعانا الأمر، وعمل عنه أحد الزملاء خبراً، وعندما سأل أحد الزملاء السيدة: لماذا وضعتم الحفل خلال أيام الأسبوع وليس في نهاية الأسبوع؟ كانت إجابتها: «لأن أجرة القاعة تكون أرخص في أيام الأسبوع عكس نهاية الأسبوع، وعملنا حفل شاي فقط لنكون قدوة لغيرنا، أما الفرق المالي بين حفلنا المبسط والحفل الباذخ فسنتبرع به للجمعيات الخيرية».
وأتذكر أنه حينما توفي رجل الأعمال سليمان العليان، نشر أهله نعياً في صحيفة «الاقتصادية»، وذكروا أن سليمان العليان يوصي بألا يعزي أصدقاؤه من خلال الصحف، وأن يتبرعوا للجمعيات الخيرية بقيمة الإعلان. وأتذكر أن رجل الأعمال الدكتور عبد الرحمن الزامل تبرّع بقيمة إعلان التعزية لجمعية خيرية. مثل هؤلاء هم القدوة في مجتمع الأثرياء بعيداً عن إهدار النعم وصرف مبالغ طائلة لا تفيد المجتمع ولا العروسين، لذلك وجب علينا أن نراجع طريقة حفلاتنا سواء كنا أغنياء أو فقراء لنحافظ على النعم ونحمي غذاءنا من الهدر، وفي النهاية نحن نحمي اقتصادنا بالتدبير لا الإسراف. ودمتم.
نقلا عن الشرق الأوسط