الذكاء الاصطناعي والأداء الاقتصادي والوظيفي

22/08/2024 0
د.صالح السلطان

مصطلح الذكاء الاصطناعي يعود إلى العقد الخامس من القرن الميلادي الماضي. وما استجد هو تطوره وانتشار تقنياته بقوة. فلا يوجد حتى الآن تعريف متفق عليه، ويرجع ذلك إلى صعوبة تعريف الذكاء البشري، إضافةً إلى اختلاف التصورات للذكاء الاصطناعي. لكن التعريفات باختصار تدور حول قدرة الآلة على التصرف مثل البشر أو القيام بأفعال تتطلب ذكاءً، لكن بالنظر إلى أكثر التطبيقات الموجودة اليوم يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي بأنه: أنظمة تستخدم تقنيات قادرة على جمع البيانات واستخدامها للتنبؤ أو التوصية أو اتخاذ القرار بمستويات متفاوتة من التحكم الذاتي، واختيار أفضل إجراء لتحقيق أهداف محددة. المصدر الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، الذكاء الاصطناعي يعطي دفعة للإنتاجية، وتبعا تعزيز النمو الاقتصادي، ورفع مستويات الدخل في أنحاء العالم. ولكن هناك جوانب سلبية. وربما أوضحها الاستغناء عن كثير الوظائف، وتعمق الفروق في الدخل بين البشر. تقول دراسات أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر في نحو 40 % من الوظائف حول العالم، فيحل محل بعضها ويكمل بعضها الآخر. المطلوب الموازنة بين السياسات وتقليل قوة هذه الجوانب.

وزيادة في التفاصيل أجرى حديثا عدد من خبراء صندوق النقد الدولي تحليلا يبحثون فيه التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي في سوق العمل العالمية. وكانت عديد من الدراسات قد تنبأت بأداء الذكاء الاصطناعي عديدا من الوظائف. لكن من المتوقع أن يكون بعضها مكملا للعمل البشري. وتحليل صندوق النقد الدولي يرصد هاتين القوتين، تلك التطورات ليست بجديدة على البشرية. عبر عشرات السنين، حصلت تطورات تقنية كثيرة، وكانت الأتمتة وتكنولوجيا المعلومات تؤثران في الأغلب على الأعمال الروتينية. رغم ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي يتميز بقدرته على التأثير في الوظائف الأعلى مهارة. ونتيجة لذلك، فإن الاقتصادات وخاصة الأكثر تقدما تواجه أخطارا أكبر من الذكاء الاصطناعي -وإن كان أمامها أيضا مزيد من الفرص للاستفادة من منافعه- مقارنة باقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، من الأسباب أن اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية تواجه اضطرابات مباشرة أقل من الذكاء الاصطناعي. وفي الوقت نفسه، لا يمتلك كثير من هذه البلدان البنى التحتية أو القوى العاملة الماهرة اللازمة للاستفادة من منافع الذكاء الاصطناعي.

وبصفة عامة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يزيد من الفروق في توزيع الدخل والثروة بين الدول وداخلها. وقد نرى استقطابا ضمن شرائح الدخل، فنجد العاملين القادرين على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي يحققون إنتاجية أكبر ودخلا أعلى. والعاملون الأكبر سنا سيعانون أكثر من غيرهم. ولمساعدة البلدان على صياغة السياسات السليمة، أنشأ صندوق النقد الدولي "مؤشر الجاهزية للذكاء الاصطناعي" الذي يقيس مدى الاستعدادات في مجالات مثل البنية التحتية الرقمية، وسياسات رأس المال البشري وسوق العمل، والابتكار والتكامل الاقتصادي، والتنظيم والقواعد الأخلاقية، تؤثر عناصر في قوة التأثير، مثل سنوات الدراسة وحرية التنقل في سوق العمل، وكذلك نسبة السكان الذين تغطيهم شبكات الأمان الاجتماعي. ويُعنى عنصر التنظيم والقواعد الأخلاقية بتقييم القدرة على التكيف مع نماذج العمل الرقمية في الإطار القانوني في البلاد.

ماذا بشأن حوكمة الذكاء الاصطناعي؟

يشير باحثون معنيون بالموضوع إلى التحديات التنظيمية في سباق التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي بين الحكومات. ويحذرون من أن حوكمة الذكاء الاصطناعي ستكون من أصعب التحديات التي تواجه المجتمع الدولي في العقود المقبلة، مع عرض عدد من المبادئ المعنية بصنع سياسات الذكاء الاصطناعي. ويدعو مسؤولون في صندوق النقد الدولي إلى وضع مجموعة فريدة من سياسات الذكاء الاصطناعي توازن بين الابتكار والتنظيم، من الموضوعات المهمة علاقة الذكاء الاصطناعي بسياسات المالية العامة. هذه السياسات يمكن أن تساعد على توسيع نطاق المكاسب التي تعود على الإنسانية من الذكاء الاصطناعي مثل بناء شبكات اجتماعية أقوى، وتحسين الأنظمة الضريبية بما يدعم اليد العاملة. وقد صدرت دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي ملخصها أن سياسة المالية العامة تقوم بدور رئيس في دعم توزيع مكاسب الذكاء الاصطناعي التوليدي وفرصه بصورة أكثر عدالة. ويساعد على التحقيق إدخال تحسينات كبيرة على أنظمة الحماية الاجتماعية والضرائب.

أخيرا لبرامج التدريب المطورة وفق أحدث التطورات، وبرامج رفع مستوى المهارات وتعليم مهارات جديدة، دور أكبر في تهيئة العاملين لوظائف عصر الذكاء الاصطناعي. والموضوع طويل، وهذا ما تيسر توضيحه، وبالله التوفيق.

 

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية