التعريف بالمحاسبة الاقتصادية (القومية)

12/07/2024 0
د. أحمد زكريا زكي عصيمي

تعتبر المحاسبة الاقتصادية (أو القومية) نظاماً من نظم المعلومات المحاسبية، وفرع من فروع المحاسبة، وأداة من الأدوات الهامة في الفكرين المحاسبي والاقتصادي، وذلك باعتبارها أداة لقياس نتائج النشاط الاقتصادى على مستوى الوحدة المحاسبية الكلية (المجتمع) خلال فترة زمنية معينة في شكل مقاييس إجمالية وتفصيلية، لتقييم أداء الوحدة المحاسبية الكلية (المجتمع) وقياس رأس المال القومي والثروة القومية، وقياس نتيجة تعامل الوحدة المحاسبية المحلية (المجتمع) مع الوحدات المحاسبية الخارجية (العالم الخارجي)، ومن ثم إمكانية استخدام هذه النتائج في وضع السياسات الاقتصادية المختلفة، وتوجيه النشاط الاقتصادى نحو أفضل ما يكون في ظل ندرة الموارد المتاحة، والعمل على استغلالها أفضل استغلال ممكن.

فالمحاسبة الاقتصادية (أو القومية) تهدف إلى إعطاء المسئولين عن إدارة الاقتصاد القومي عرضاً رقمياً كاملاً مبسطاً، بشكل يتيح التعرف رقمياً على مختلف مظاهر هذا الاقتصاد بمختلف قطاعاته، ومدى إمكانية تطويره مستقبلاً.

هذا ويعتبر وجود نظام للحسابات القومية ضرورة لا غنى عنها سواءً في الدول المتقدمة أو في الدول النامية. ففي الدول المتقدمة، يعتبر نظام الحسابات القومية ضرورة لازمة لرسم السياسات واتخاذ القرارات الاقتصادية المختلفة، أما في الدول النامية فيعتبر نظام الحسابات القومية من الأساسيات التي يعتمد عليها عند إعداد خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومتابعتها.

ونتيجة للأهمية البالغة والكبيرة للمحاسبة الاقتصادية بذلت بعض المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والمنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي وغيرهما جهوداً كبيرة لوضع نظام موحد للحسابات القومية. ولقد أسفرت هذه الجهود عن ستة أنظمة هي: 

• النظام الأول: والذي قدم إلى الأمم المتحدة عام 1947م تحت عنوان "قياس الدخل القومي وتصميم الحسابات الاجتماعية".

• النظام الثانى: والذي قدم إلى المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادى عام 1950م تحت عنوان  "النظام المبسط للمحاسبة القومية".

• النظام الثالث: والذي قدم إلى المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادى عام 1952م تحت عنوان "النظام النمطي للمحاسبة القومية".

• النظام الرابع: والذي قدم إلى الأمم المتحدة عام 1953م تحت عنوان "نظام الحسابات القومية والجداول الملحقة" والذي عرف باسم SNA اختصار للتسمية الإنجليزية للنظام

A System of National Accounts and Supporting Tables.

هذا، وقد قدم نظام الأمم المتحدة القديم للحسابات القومية الصادر عام 1953 إطاراً منسقاً لتسجيل وعرض التيارات الرئيسية المتعلقة بالإنتاج والاستهلاك والتراكم والتجارة الخارجية، وقد شمل هذا الإطار ست حسابات وإثني عشر جدولاً، وقد اهتم هذا النظام بالتدفقات معبراً عنها في شكل نقود بالأسعار الجارية، ولم يتعرض لمشاكل عمل تقديرات بالأسعار الثابتة، وكان الغرض الأساسي منه هو إعطاء أساس موحد لإعداد التقارير الخاصة بإحصاءات الدخل القومي.

• النظام الخامس: وهو تعديل لنظام عام 1953م وقدم إلى الأمم المتحدة عام 1968م تحت عنوان "نظام الحسابات القومية" “A System of National Accounts”. 

نتيجة لقصور نظام عام 1953م، وذلك بتركيزه على قياس الدخل القومي فقط، واعتماده على التبويب الوظيفي (إنتاج - استهلاك – استثمار) فقد اتجه العمل خلال السنوات من عام 1953م حتى عام 1968م إلى إدخال تحسينات متتابعة في نظام عام 1953م باعتبار هذا النظام خطوة على الطريق لإرساء إطار واضح ومختصر يتم من خلاله تنظيم البيانات الإحصائية الضرورية، لتحليل العمليات الاقتصادية في كل مجالاتها. وقد أخذت هذه التحسينات اتجاهين: الأول هو تعديل وتوسيع الحسابات القومية، والثاني هو بناء نماذج اقتصادية مفصلة لتقابل الحاجة المتزايدة للتحليلات الاقتصادية، كما بذلت عناية فائقة لعمل تقديرات بالأسعار الثابتة للتعبير عن تيارات الناتج الأساسية ومكوناته. 

وقد نتج عن هذه المجهودات صدور نظام الأمم المتحدة المعدل عام 1968م شاملاً ست حسابات وثماني وعشرون جدولاً وستة أسس للتقييم، معتمداً على التبويب الوظيفي (إنتاج – استهلاك – استثمار)، والتبويب القطاعي (قطاع الأعمال – القطاع الحكومى – قطاع الهيئات الخاصة التي لا تهدف إلى الربح وتخدم العائلات – القطاع العائلى – قطاع العالم الخارجى). وكان نظام عام 1968م يهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف أهمها ما يلي :

 إرشاد الأجهزة الإحصائية وخاصة في الدول النامية لتحسين وتطوير برامجها الإحصائية، وإعداد الإحصاءات الاقتصادية التي تمكن من إعداد مجموعة الحسابات القومية.

 توفير أساس شامل ومفصل للمفاهيم والتعاريف المرتبطة بالحسابات القومية، وكذلك التصنيفات الأخرى اللازمة لتخطيط جمع وتركيب الإحصاءات الأساسية، الأمر الذي يؤدى إلى إزالة الكثير من الخلط بين المفاهيم المختلفة، وتصويب التوجيه المحاسبي، مما يؤدى في النهاية إلى زيادة الثقة في الاعتماد على البيانات التي يوفرها نظام الحسابات القومية.

 توفير البيانات اللازمة لاستيفاء التقارير الدولية الخاصة بالحسابات القومية.

وقد جرى العمل بعد عام 1968م إلى إدخال تحسينات متتابعة في نظام الحسابات القومية الصادر عام 1968م، حيث أن هذا النظام لم يقدم تعاريف كاملة أو حسابات وجداول موحدة للميزانيات القومية والقطاعية، فقد اقتصر نظام 1968م على تصوير كيفية إدخال هذه الميزانيات في إطار نظام الحسابات القومية، وشرح هيكلها ومفاهيمها فقط. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ركزت المجهودات التي أجريت بعد عام 1968م على توسيع النظام ليشمل الحسابات الإقليمية وإحصاءات البحث والتطوير, ونظاما متناسقا للإحصاءات الديموجرافية والتعليمية وإحصاءات قوة العمل وغيرها من الإحصاءات الاجتماعية التي ترتبط بالحسابات القومية. هذا بالإضافة إلى الحاجة إلى جهود فعالة للتقريب بين نظام الحسابات القوميةSNA  والنظام المادي للإنتاج  MPS بحيث يرتبط كل منها بالآخر.

هذا، فضلا عن أن نظام عام 1968م وضع للتطبيق المباشر في الدول المتقدمة، حيث تتوفر الإحصاءات اللازمة لتطبيق النظام، وحيث تتوافر حسابات منتظمة بالوحدات الاقتصادية المختلفة التي تتكون منها هذه الدول، وحيث الاقتصاد النقدي المتقدم، ولكنة لا يصلح للتطبيق برمته في الدول النامية، والتي لم تتكامل بعد أجهزتها الإحصائية بالصورة التي تمكن من توفير كافة البيانات اللازمة لتطبيق النظام، ولا تتوافر الحسابات المنتظمة لكافة قطاعات الاقتصاد القومي، بالإضافة إلى خروج كثير من المعاملات عن نطاق التبادل السوقي وصعوبة حصر وتقييم هذه المعاملات، الأمر يستوجب محاولة موائمة النظام لظروف هذه الدول. 

لذا، اقترح النظام الصادر عام 1968م وسائل معينة قد تجدها الدول النامية مفيدة لموائمة النظام في ضوء متطلباتها واحتياجاتها وظروفها الخاصة، حيث اقترح النظام تصنيفات معينة وحسابات وجداول إضافية لخدمة أغراض التخطيط وتقييم وتطوير النمو الاقتصادى في هذه الدول. ولما كانت الهياكل الاقتصادية والاجتماعية تختلف من دولة إلى أخرى، بل قد تختلف في نفس الدولة من وقت إلى آخر، فإن نظام الحسابات القومية الذي يلائم دولة معينة قد لا يلائم دولة أخرى، بل قد لا يلائم نفس الدولة عند تغير ظروفها الاقتصادية والاجتماعية.

• النظام السادس: النظام الدولي للحسابات القومية الصادر عام 1993:

نظراً لأهمية الحسابات القومية في التحليل والتخطيط الاقتصادي، فضلاً عن دورها في إجراء المقارنات المكانية والزمانية سواء المحلية أو الدولية، وتوفير البيانات اللازمة للمنظمات  الدولية فقد كلفت بعض المنظمات الدولية – الأمم المتحدة ، ومنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، وصندوق النقد الدولي، ودول الاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي – بعض اللجان التابعة لها بوضع نظام موحد للحسابات القومية يلائم – إلى حد ما – ظروف كافة الدول ويتلافى أوجه القصور في نظم الحسابات القومية الموجودة وقتئذ. 

وبعد مرور 25 سنة من صدور نظام عام 1968 صدر نظام الحسابات القومية عام 1993 شاملاً ستة حسابات رئيسية تندرج منها بعض الحسابات الفرعية. ويشتمل هذا النظام على بعض الملامح التي تميزه عن الأنظمة السابقة أهمها ما يلي: 

1- يعطى نظرة شمولية للاقتصاد  القومي من خلال بيان السلوك الاقتصادى لكافة جوانب الاقتصاد القومي.

2- يعتبر نظام دولي للحسابات القومية، وذلك بعد المجهودات التي بذلت للتقريب بين نظام الحسابات القومية SNA والنظام المادى للإنتاج MPS .

3- يعتبر نظام مرن، أي يمكن مواءمته ليصلح للتطبيق في كافة الدول، مهما اختلفت هياكلها الاقتصادية والاجتماعية. 

4- يبرز دور الإحصاءات القومية في ترشيد التخطيط الاقتصادى ورسم السياسات واتخاذ القرارات الاقتصادية وعمل المقارنات الدولية. 

5- يتصف النظام بالبساطة والوضوح والقابلية للتطبيق، والأخذ في الحسبان كافة الظروف والمتغيرات المختلفة المستجدة على الصعيد العالمي.

وفي الختام، من الجدير بالذكر أنه مع الأهمية الكبيرة لفرع المحاسبة الاقتصادية لكافة الدول سواء المتقدمة أو النامية، نلاحظ ندرة الكتابات العربية وحتى الأجنبية عن هذا الفرع من العلوم سواءً من كتاب المحاسبة أو كتاب الاقتصاد، والذي قد يرجع إلى قلة اكتراث بعض الجهات الحكومية بالحسابات القومية رغم دورها المحوري في قياس نتائج النشاط الاقتصادى للدول.

 
 
المقالة نشرت في النشرة الفصلية لجمعية الاقتصاد السعودية عدد يونيو 2024