لم تأت قفزة الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصاد الوطني بـ 98 % خلال الفترة 2016 - 2023، من باب الصدفة أو ضربة الحظ، بقدر ما أنها جاءت نتيجة طبيعية لأكبر قصة تحول اقتصادي هيكلي يشهده الاقتصاد الوطني، تم البدء في تنفيذها ولا زال العمل المتكامل مستمرا لاستكمالها حتى نهاية فترة تحقق مستهدفاتها النهائية، كل ذلك تمّ تحت مظلة رؤية المملكة 2030، التي رسمت بدقة مسارات الانتقال بالاقتصاد الوطني من الاعتماد الكبير على إيرادات النفط، إلى مستوى أعلى من الكفاءة والاستقلالية والتنوّع في قاعدته الإنتاجية، وتعزيز فرص الاستثمار في مختلف نشاطاته الواعدة، بما يدفع بها إلى أن تكون أكثر مساهمة في النمو الاقتصادي المستدام كهدف إستراتيجي أول، وأكثر مساهمة في توليد فرص العمل المجدية كهدف إستراتيجي ثان، وأكثر إسهاما في زيادة الإيرادات غير النفطية للمالية العامة كهدف إستراتيجي ثالث، تضمنت قفزة الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الفترة 2016 - 2023؛ ارتفاعا قياسيا من 408.2 مليار ريال (16.3 % إلى الناتج المحلي الإجمالي)، ليصل بنهاية الفترة الوجيزة إلى أكثر من 808.2 مليار ريال (20.2 % إلى الناتج المحلي الإجمالي)، حاملا هذا الإقبال الاستثماري من خارج الاقتصاد كتدفقات جديدة نحو 400 مليار ريال، تزامنا مع انطلاق الإصلاحات الهيكلية غير المسبوقة للاقتصاد الوطني في منتصف 2016، التي لعبت دورا كبيرا في زيادة اجتذاب اهتمام واستثمارات كبرى الشركات والمستثمرين حول العالم.
وتأكيدا على الثقة المتصاعدة محليا ودوليا في واقع ومستقبل الاقتصاد الوطني، وكم كان لافتا إلى حد بعيد جدا؛ أن التدفقات القياسية للاستثمار الأجنبي المباشر، تزامنت مع حقبة زمنية غير مواتية للاقتصاد العالمي طوال تلك الفترة، التي شهدت ولا تزال تشهد عديد من الأزمات والصدمات الاقتصادية والمالية، لعل من أبرزها صدمة الجائحة العالمية كوفيد - 19، وما نتج عنها من اضطرابات واسعة النطاق، لم تنجو من آثارها العكسية جميع الأسواق العالمية وعموم دول العالم دون استثناء، ولا تزال السياسات المالية والنقدية في ميدان المواجهة المباشرة مع تلك الآثار العكسية، ليس التضخم وارتفاع حجم الديون الحكومية وانكماش نمو الاقتصادات حول العالم، إلا مجرد عناوين رئيسة لخارطة عالمية أوسع من الأزمات والتحديات، التي لم يظهر في الأفق حتى تاريخه ما يشير إلى خروج الاقتصاد العالمي منها، قبل التأكيد على أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر للاقتصاد الوطني؛ كان أهمية الإشارة إلى التفاصيل الدقيقة التي رافقت هذه القفزة القياسية في حجم تلك الاستثمارات، وأنها لم تكن في أغلبها إلا نتيجة للتحسن والإصلاح الشامل الذي شهده هيكل الاقتصاد الوطني، وهو أيضا ذات السبب المحوري الذي اجتذب حتى الاستثمارات الوطنية، وحفزها مجتمعة نحو الاستثمار في الفرص الاستثمارية الواعدة محليا، كان من أهم نتائجها رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، من نحو 44 % بنهاية 2015 إلى نحو 47 % بالأسعار الحقيقية.
تأتي أهمية زيادة تدفقات الاستثمارات في الاقتصاد الوطني؛ وصولا إلى تحقيق ما سبق ذكره أعلاه من المستهدفات الثلاثة الرئيسة: (1) رفع مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد والنمو. (2) زيادة توليد فرص العمل المجدية في الاقتصاد. (3) زيادة الإيرادات غير النفطية، وتعزيز استقرار المالية العامّة. كما يضاف إلى المزايا المؤمل تحققها من زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي، أنّها ستحمل معها الكثير من مزايا التقدّم التقني في بلدانها الأصلية، والذي تنظر إليه رؤية المملكة 2030 باعتبارات إستراتيجية بالغة الأهمية، ويعد من أهم المكاسب طويلة الأجل التي لا يمكن قياس أثرها بلغة أرقام اليوم.
نقلا عن الاقتصادية
أعان الله.