صحافة البيانات تُثري المشهد الإعلامي السعودي

21/05/2024 0
اسلام زوين

في أحد أحدث استطلاعات الرأي التي أجراها المركز السعودي لاستطلاعات الرأي، ومقره الرياض، نجد أحد الجوانب الرئيسية لصحافة البيانات: التعهيد الجماعي، وهو ما يعرف بالإنجليزية بـ«Crowdsourcing». فقد أراد المركز التعرف على آراء السعوديين فيما يتعلّق بأوضاعهم الشخصية وأوضاع البلاد بعد خمس سنوات من تنفيذ «رؤية المملكة 2030». ولتحقيق ذلك، خصص المركز فريقاً من ثلاثة خبراء لتحليل البيانات التي جُمعت عبر مكالمات الهاتف الجوال من عينة عشوائية من 2822 مواطناً سعودياً تبلغ أعمارهم 18 عاماً فأكثر. وبلغت نسبة التغطية الهاتفية نحو 96 في المائة من سكان المملكة. وخلص تحليل البيانات إلى أن 93 في المائة من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع يعتقدون أنَّ أوضاع البلاد قد تحسَّنت بعد خمس سنوات من تطبيق الاستراتيجية الجديدة. وكانت الجوانب التي رأى السعوديون أنَّها شهدت تحسناً كبيراً مؤخراً هي: توظيف المرأة السعودية (94 في المائة)، وأداء الأجهزة الحكومية (90 في المائة)، ومستوى الترفيه (89 في المائة).

هذا في الواقع مثال موجز على مدى أهمية وحيوية صحافة البيانات في المملكة في السنوات الأخيرة، ومن خلال تطبيق منهجية تتسم بالشفافية والاحترافية، كتلك التي نطالعها في صحافة البيانات في دول غربية. وكما نرى، فإن الاستطلاع يعتمد على الأرقام، وإذا قمت بزيارة موقع المركز على الإنترنت، يمكنك الحصول على مزيد من التفاصيل حول مشروع صحافة البيانات هذا على وجه الخصوص. ويمكنني القول إنَّ البيانات الواردة فيه غنية بالمعلومات ومفيدة للغاية ومصممة بشكل رصين، اعتماداً على النص في الأساس، ومن دون الجاذبية البصرية التي نجدها عادةً في الرسوم البيانية والرسوم التوضيحية الأخرى. وهذا أحد أنواع صحافة البيانات، الذي يوفر للصحافيين العناصر الأساسية، أو المادة الخام للبيانات، ليستخدموها في السرد القصصي بالتعاون مع مصممي الإنفوجرافيك والبرامج التكنولوجية ذات الصلة. وستكون المحصلة محتوى صحافياً جذاباً وثرياً من البيانات المصورة، والتي تكون غنية بالمعلومات التي تعكس الشكل والمضمون في آنٍ معاً.

وعلى الرغم من أن هناك الحد الأدنى من جمع البيانات وعرضها في هذا المثال من صحافة البيانات، فإن المحتوى المنشور مكتمل الأركان، ويجمع بين أخلاقيات العمل الصحافي والمهنية المتطلبة في صحافة البيانات: مصدر موثوق به، وسياق شفاف، وأرقام دقيقة، وتصور جذاب. لكن ما سهّل مهمة العمل على الصحافيين الذين سيقومون بعرض تلك البيانات على نحو جذاب لاحقاً، هو عامل مهم، ألا وهو سهولة الوصول إلى تلك البيانات. ومع ذلك، فأنا لا أقلل بأي حال من الأحوال من مهمة صحافيي البيانات في غرفة الأخبار. لماذا؟ لأنهم ببساطة يحتاجون إلى الاستفادة من هذه البيانات في السرد القصصي، ولجذب الجمهور إلى المحتوى، بالإضافة إلى تمييز أنفسهم عن منافسين آخرين، سيحصلون حتماً على البيانات ذاتها، ولكنهم يتعاملون معها بشكل تقليدي.

لقد قطعت صحافة البيانات في السعودية بالفعل شوطاً طويلاً في السنوات الأخيرة، حيث أصبح واجباً على الصحافة أن تعكس التبدلات السعودية، ومن الأمثلة الواقعية المثيرة للاهتمام كيفية استخدام ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للبيانات المقنعة والنتائج التحليلية بشكل مميز ولافت في معظم إحاطاته الإعلامية لجمهوره، وفي لقاءاته مع كبار الشخصيات العالمية. وفي السياق نفسه، فإنه في سبتمبر (أيلول) المقبل، ستستضيف المملكة تحت رعاية ولي العهد قمة مهمة للذكاء الاصطناعي والبيانات تنظمها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا). وستجمع القمة مجموعة من الوزراء والرؤساء التنفيذيين وخبراء البيانات من جميع أنحاء العالم.

وتبنّت غرف الأخبار المختلفة في المملكة صحافة البيانات كجزء من الثقافة الإعلامية الجديدة. ويلاحظ تأثير استخدامها في مختلف وسائل الإعلام السعودية بشكل كبير؛ إذ إنها تُظهر البيانات مزخرفة بتصميمات جذابة، وهو ما يميزها عن التقارير الصحافية التقليدية. ويمكنك أن تلاحظ ذلك في الإطلاق الرقمي الأخير لصحيفة «الشرق الأوسط» الغراء. ومن خلال تجربتي الشخصية في إدارة فرق عمل متعددة في بلدان مختلفة، فإن العمل على قصة أو موضوع يعتمد على بيانات وإحصاءات يتطلب مواردَ مالية ووقتاً وفريقاً موهوباً من الصحافيين والمتخصصين في علوم تحليل البيانات الضخمة (Big Data). لكن الأمر يستحق العناء لتعزيز الصحافة المبنية على الحقائق في شكل تفاعلي قائم على الإحصاءات للمساعدة في بناء مجتمع مستنير. وتتجلَّى صحافة البيانات في المملكة في أفضل صورها اليوم؛ أي الصحافة الاقتصادية على يد صحافيين مُدربين جيداً وذوي خبرة قادرين على استخدام البيانات الرقمية وتحليلها وتقديمها للجمهور بطريقة فعالة ومحدّثة بشكل مستمر. ومن المثير للإعجاب أيضاً أن نرى بعض وسائل الإعلام السعودية تستخدم البيانات في شكلها النهائي الجذاب للترويج للقصص النصية، مما يساعد على تعزيز مقاييس مشاهدات الصفحات وزيادة عدد زوار ومتصفحي الموقع على الإنترنت.

إن قدرة الصحافيين ومهارتهم في فهم وتحليل البيانات في أسواق المال، أمر بالغ الأهمية أيضاً؛ إذ يسترشد بهم الرؤساء التنفيذيون ورجال الأعمال في مواكبة أداء الشركات التي يقومون بتقييمها للاستثمارات المحتملة. بعبارة أخرى، تتيح البيانات الواقعية والدقيقة من الشركات والوكالات الإخبارية الموثوق بها للمستثمرين فهم اتجاهات السوق والأسهم على نحو دقيق؛ إذ تعزز تلك البيانات الثقة في اتخاذ قرار صائب.

بقي أن نرى اليوم جامعات ومعاهدَ تعليمية سعودية تولي أهمية لصحافة البيانات، عن طريق تقديم دورات متخصصة وتدريب كافٍ لصحافيي وعلماء البيانات الطموحين. والهدف هو أن يكون للمملكة جيل جديد من الشباب السعودي الماهر والمزود بهذه الأداة الأساسية للصحافة لكتابة قصص معمقة وجذابة في طريقة طرحها.

 

 

 

 

 نقلا عن الشرق الأوسط